لن يستطيع أى مسئول فى مصر مهما كانت سلطاته بدءا من رئيس الجمهورية مرورا برئيس الوزراء ومحافظ العاصمة أن يضع حلولا لمشاكل القاهرة وأن يرتقى بها لمصاف العواصم العالمية طالما استمرت الهجرة العشوائية والزحف البشرى من كافة محافظات الجمهورية الى القاهرة وما يتبع ذلك من التوسع فى اقامة المناطق العشوائية التى خنقت العاصمة ودمرت وجهها الجميل وتسببت فى كل مشاكلها بدءا من أزمة المرور والتكدس السكانى وغياب النظافة وسوء حالة المرافق وسوء حالة المواصلات العامة واحتلال الباعة الجائلين للأرصفة والشوارع والميادين. لقد اختفت أحياء القاهرة الأصيلة والمعروفة برقى سكانها فى بحر العشوائيات التى أصبحت تحيط بها وتحاصرها من كل جانب حتى أصبح عدد سكانها الوافدين من المحافظات المختلفة خلال العقود الثلاثة الماضية يزيد على 75 % من سكان القاهرة الأصليين. عشرات المناطق العشوائية التى نشأت على الأراضى الزراعية وحول الطريق الدائرى فى محافظتى القاهرةوالجيزة تحولت الى بؤر للبلطجة وتجارة المخدرات ومنبع لكل السلوكيات الاجتماعية السيئة وجرائم التحرش والقيادة تحت تأثير المخدرات وأطفال الشوارع وزنا المحارم وغيرها و"طفحت" هذه السلوكيات وهذا الغزو العشوائى على مناطق القاهرة وأحيائها التى كانت تسمى فى الماضى بالأحياء الراقية وحولتها الى أحياء أقرب للعشوائيات بعد أن احتل أرصفتها وشوارعها وميادينها البلطجية من باعة الأرصفة جهارا نهارا أمام أعين الدولة العاجزة عن مواجهة هذه الظاهرة القذرة والمشوهة والتى لا يوجد لها مثيل فى أى دولة محترمة. للأسف فان عدم اتخاذ الدولة لأى اجراء فعال لمنع ووقف الزحف والهجرة العشوائية للقاهرة هو السبب وراء الاختناق والفشل المرورى الذى تعانى منه القاهرة ليل نهار وفى كل وقت وكل مكان رغم الانفاق والكبارى والمحاور التى يتم انشاؤها ولكن ما فائدة كل ذلك أمام عشرات الملايين من النازحين للقاهرة معظمهم عاطلون وقادمون من أسوأ المناطق العشوائية بمحافظاتهم بلا مهنة ولا صنعة ولا مؤهل دراسى لينضموا لطابور باعة الأرصفة وعمال التراحيل وسائقى التوك توك والميكروباص وتجار المخدرات والبرشام وأطفال الشوارع وصبيان المقاهى التى انتشرت كالنار فى الهشيم فى كل شارع وتحت كل بيت. عشرات الملايين يوميا من سكان هذه العشوائيات فى القاهرةوالجيزة هم السبب الرئيسى فى الاختناق المرورى الذى نعيشه وفى تدهور مستوى وسائل المواصلات العامة وخصوصا مترو الأنفاق بسلوكياتهم التى نقلوها من بيئاتهم التى جاءوا منها للعاصمة التى كانت فى يوم من الأيام من أجمل عواصم العالم. ولاشك أن الدولة فى عهد حسنى مبارك كانت سببا فى تفشى هذه الظاهرة - التى زادت حدتها بعد أحداث 25 يناير 2011 – بسبب اهمال محافظات الوجهين القبلى والبحرى سواء بعدم اقامة مشروعات سكنية بالايجار أو بأسعار مناسبة لسكان هذه المحافظات تغنيهم عن الانتقال للقاهرة .. كما ركزت الدولة المشروعات الصناعية المختلفة على أطراف القاهرة فى أكتوبر والعاشر من رمضان وغيرها وتركت محافظات الصعيد ووجه بحرى بدون فرص عمل لملاييين الشباب الباحثين عن الحياة وبالتالى لم يعد أمامهم فرصة الا الهجرة للقاهرة والجيزة والبحث عن مسكن عشوائى وسط عشوائياتها التى تنمو كالسرطان يوما بعد يوم. لقد آن الأوان لوضع قانون خاص بالعاصمة أو للقاهرة الكبرى ليضم محافظة الجيزة الملاصقة للقاهرة يهدف الى تحقيق عدة ضوابط منها : 1 - المنع الفورى لأى بناء جديد فى المناطق العشوائية وحظر اصدار تراخيص بناء جديدة داخل هذه الكتل السكانية وجعل الحبس والازالة وجوبيا لمخالفات البناء فى هذه المناطق. 2 - حظر الهجرة والاقامة فى العاصمة الا لمن له وظيفة أو مهنة محددة فى القاهرة يمكن اثباتها بدون تحايل. 3 – وضع جدول زمنى لإزالة كل هذه المناطق العشوائية واعادة تخطيط هذه المساحات الشاسعة ضمن التخطيط العام للقاهرة الكبرى وانشاء مدن حضارية جديدة خارج القاهرة الكبرى لنقل السكان اليها بنظام الايجار. 4 – نقل جميع الورش بمختلف أنواعها خارج الكتلة السكنية نهائيا ومن أسفل العمارات والمنازل لتكون داخل مجمعات صناعية فى أماكن بعيدة بالمدن الصناعية. 5 – اغلاق جميع المقاهى وسط المناطق السكنية وأسفل العمارات ووضع ضوابط جديدة للترخيص للمقاهى تحدد العدد المسموح به فى كل حى واشتراطات المكان والمساحة مع حظر السماح بتدخين الشيشة أو احتلال رصيف المشاة. 6 – حظر اقامة أى مصانع أو مشروعات صناعية جديدة بالعاصمة ونقل المصانع والمشروعات الحالية خارج القاهرة الكبرى فى مناطق صحراوية بعيدة وباشتراطات هندسية وبيئية وعمرانية حضارية وبمقاييس دولية بما فيها مصانع الأسمنت والمسابك والحديد والصلب. 7 – حظر تسيير سيارات الميكروباص والتوك توك نهائيا وذلك بعد انشاء وتشغيل أكبر شبكة ترام سطحتى وخطوط مترو الأنفاق وشبكة اتوبيسات عامة مكيفة تغطى كل أنحاء القاهرة الكبرى وبسعر تذكرة حقيقى غير مدعم للحفاظ على هذه الشبكة من المواصلات وصيانتها وادارتها بشكل راقى ومتحضر. 8 – فرض رسوم سنوية بسيطة على الاقامة فى القاهرة ولتكن 100 جنيها للفرد الواحد تذهب مباشرة لمحافظة القاهرة - ولا تدخل ضمن ميزانية الدولة العامة – للإنفاق على تجميل ونظافة الشوارع وانشاء الحدائق الكبرى المفتوحة للمواطنين فى الميادين وطلاء وصيانة الكبارى والمنشآت العامة والطرق وغيرها. 9 – وضع ضوابط لدعم الكهرباء والطاقة والتعليم المدرسى والجامعى والصحة والتموين فى القاهرة الكبرى لتشجيع عدم الزحف العشوائى اليها من باقى المحافظات ويمكن رفع الدعم نهائيا عن هذه الخدمات فى القاهرة الكبرى. 10 – ازالة كافة التعديات على جانبى نهر النيل سواء كازيونهات أو مشاتل وكذلك أندية النقابات والهيئات المختلفة وغيرها وتطوير الكورنيش على أحدث طراز عالمى ليكون مفتوحا لكل المواطنين. 11 – حظر تسيير سيارات التاكسى والنقل ونصف النقل والاتوبيسات العامة والخاصة التى مر على تصنيعها أكثر من 10 سنوات وسيارات الملاكى التى مر على تصنيعها 20 عاما على أن يتم الترخيص لها فى المحافظات الأخرى. 12 – فرض رسوم صيانة وطلاء واجهات وتجميل اجبارية على ملاك ومستأجرى الوحدات السكنية والتجارية والادارية وتخصيص شركة مقاولات كبرى لكل حى لصيانة العقارات وتجديد الواجهات. 13 – تشديد عقوبة احتلال الرصيف واشغاله من قبل المحلات والمطاعم ومعارض السيارات وغيرها ليصبح الحبس وجوبيا وليس اختيارى مع سداد غرامة مالية ضخمة تكون رادعا للمخالفين مع اغلاق المنشأة نهائيا. 14 – ازالة العقارات والمبانى القديمة المتهالكة التى تشوه وجه العاصمة اجباريا – وهى تختلف عن المناطق العشوائية – والترخيص لأصحابها بالبناء من جديد من احتفاظ ملاك ومستأجرى شققها بالسكن فى العقار الجديد أو التعويض من المالك. هذه بعض الأفكار التى يمكن البناء عليها والاضافة لها مع الاستفادة بتجارب الدول المتقدمة فى ادارة العواصم والمدن الكبرى و وتصيانتها وتجميلها ..وتبقى الارادة هى العنصر الحاسم ..هل الدولة لديها الارادة السياسية لأن تجعل من العاصمة كيانا يليق بمصر عالميا ويليق بشعب مصر الذى يسكن العاصمة أم الدولة تنظر لهذا على أنه ترف ورفاهية.