تشهد الساحة الإعلامية التركية تضييقًا غير مسبوق من قبل الرئيس رجب طيب أردوغان وحكومته، بذريعة محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت منتصف شهر يوليو الماضي. وأفاد مرسومان، نشرا في الجريدة الرسمية بتركيا أمس، أن السلطات التركية أقالت أكثر من 10 آلاف موظف آخرين في إطار التحقيقات المفتوحة في محاولة الانقلاب، وأعلنت من جهة أخرى إغلاق عدد كبير من وسائل الإعلام غالبيتها قنوات موالية للأكراد، وأنه سيتم إجراءات الفصل والإغلاق نهاية الأسبوع الجاري. وفي سياق التمهيد للإغلاق، اعتقلت الشرطة التركية، رئيس تحرير صحيفة جمهوريت المعارضة، مراد سابونجو، بالإضافة لمحرر في الصحيفة بتهمة لها علاقة بالإرهاب، فيما أصدرت السلطات 13 مذكرة اعتقال بحق صحفيين من الصحيفة، وتتهم السلطات التركية الرجلين بأن لهما علاقة بحزب العمال الكردستاني المحظور، الذي يقود تمردا مسلحا على الحكومة، وبجماعة فتح الله غولن، التى تطالب أنقرة بترحيله من الولاياتالمتحدة لاتهامه بالضلوع في محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في يوليو، كما فتشت الشرطة التركية منازل عاملين آخرين في الصحيفة. وتعد صحيفة جمهوريت، أقدم صحيفة علمانية في تركيا، وإحدى صحف المعارضة القليلة الباقية، وقد اعتقل سابونجو، أمس الاثنين في إسطنبول، حسب وكالة الأناضول الرسمية، كما صدرت مذكرات لاعتقال عاملين آخرين في الصحيفة بالتزامن مع سلسلة مداهمات لمنزلي رئيس مجلس مدراء الصحيفة أكين أتلاي، والصحفي غوراي أوز، إذ تم توقيف الأخير بعد تفتيش منزله، لكن الصحيفة قالت إن أوز، موقوف أصلا، ولا يعرف سبب توقيف هؤلاء الأشخاص، كما صدرت مذكرة اعتقال بحق أتلاي، المتواجد حاليا خارج الأراضي التركية. وكان رئيس تحرير جمهوريت السابق، تشان دوندار، استقال في أغسطس، بعد الحكم عليه بالسجن 5 أعوام "لإفشائه أسرارا" للدولة من بينها عمليات تهريب الاستخبارات التركية للسلاح إلى سوريا، وأشارت الصحيفة أيضًا إلى أن نظام أردوغان، وفي إطار محاولاته التغطية على فضائحه، عمد في أكثر من مرة إلى استبعاد واعتقال المدعين العامين وضباط الشرطة الذين يشاركون في التحقيقات التي أدت إلى الكشف عن الكثير من قضايا الفساد والرشاوى وتزويد التنظيمات الإرهابية في سورية بالأسلحة التي تورط بها مسؤولو هذا النظام، وكانت منظمات حقوقية دولية قد انتقدت الحكم بالسجن على دوندار، الذي يعتقد أنه غادر البلاد في انتظار استئناف الحكم. ويتهم معارضون أردوغان، باستعمال قانون الطوارئ، الصادر عقب محاولة الانقلاب، لتكميم أفواه المعارضة، إذ تقرر منذ ذلك التاريخ فصل وتوقيف 110 آلاف شخص، واعتقال 37 ألفا آخرين. ويرى مراقبون أن الانقلاب الفاشل مكّن الرئيس التركي من الاقتصاص من جميع خصومه السياسيين والإعلاميين وغيرهم، فصحيفة جمهوريت لها تاريخ معارض للسلطان التركي، وقدمت الكثير من الأدلة الثابتة حول تورط مسؤولين في حكومة حزب العدالة والتنمية في فضائح الفساد والرشاوى التي كشف عنها خلال العامين الماضيين، كما أشارت لانتهاكات دستورية قامت بها الحكومة التركية متمثلة بحزب الحرية والعدالة، وارتكاب جرائم كبيرة من خلال تشكيلها كيانات غير قانونية لا تعترف بالدستور وتتبنى البلطجة والتسلط كأسلوب. وفي يوليو 2014، استنكرت صحيفة جمهوريت ترشح رئيس حكومة حزب العدالة والتنمية رجب طيب أردوغان للانتخابات الرئاسية في تركيا، في الوقت الذي لا تزال الاتهامات موجهة إليه، معتبرة أن أردوغان، يسعى إلى التحصن بدرع القصر الرئاسي قبل أن يبرئ نفسه والمقربين منه من الاتهامات الموجهة لهم، وهو الأمر الذي قد يدفع أردوغان، للاقتصاص منها، خاصة في ظل مساعيه مؤخرًا لتحويل نظام الحكم في تركيا من برلماني إلى رئاسي. وإذا كانت محاولة الانقلاب الفاشلة قد شكلت لأردوغان، مظلة ليقوم بإغلاق القنوات الإعلامية المناهضة له، فهو نفسه قام بإغلاق منافذ إعلامية قبل عملية الانقلاب الأخيرة، فصحيفة زمان التركية "بنسختها الألمانية" تعهدت في شهر مارس الماضي بمناهضة أردوغان من المنفى، وكانت الحكومة التركية قد فرضت في 4 من شهر مارس الماضي السيطرة على صحيفة زمان، في إطار حملة موسعة ضد أنصار رجل الدين التركي المقيم في الولاياتالمتحدة فتح الله غولن، أحد أشد خصوم أردوغان، وفي سنة 2015 أغلقت الحكومة إحدى الصحف التركية المعارضة واعتقلت رئيس تحرير صحيفة أخرى، بتهمة عمله لإرساء أسس التدخل العسكري. الجدير بالذكر أن الحكومة التركية صادقت، في شهر يوليو الماضي، على قرار إغلاق 130 وسيلة إعلامية، منها 18 قناة تليفزيونية و3 وكالات و23 إذاعة راديو و45 صحيفة و15 مجلة على خلفية محاولة الانقلاب، حسبما أفادت وكالة الأنباء الفرنسية. وفي منتصف شهر أغسطس الماضي، ظهرت وثيقة قضائية أفادت أن محكمة تركية أمرت بإغلاق صحيفة يسارية مؤيدة للأكراد، بسبب نشر دعاية "إرهابية" قائلة إنها عملت "كوسيلة إعلام فعلية" لجماعة حزب العمال الكردستاني المسلحة.