تفاقمت الخلافات بين موسكووباريس مؤخرًا، وبدأت تخرج إلى العلن، حيث ألغى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين زيارته لباريس، والتي كانت مقررة في 19 أكتوبر الحالي، وذلك على خلفية التوتر المتصاعد بين البلدين، نتيجة رفع روسيا الفيتو في وجه المشروع الفرنسي الإسباني حول مدينة حلب السورية لوقف العمليات العسكرية فيها، والذي تم طرحه السبت الماضي في مجلس الأمن، على الرغم من أن فرنسا كانت قد استخدمت هي الأخرى الفيتو ضد المشروع الروسي حول حلب، والذي تزامن مع طرحها لمشروعها. التوتر الروسي- الفرنسي بعدما أعلنت واشنطن قطع التواصل الدبلوماسي مع موسكو حول سوريا والإبقاء على التواصل العسكري فقط، وقتها انبرت فرنسا – حليفة واشنطن- لمواصلة الدور الأمريكي مع روسيا، بحيث لا تبدو الولاياتالمتحدة بمظهر المتراجعة عن قراراتها في حال معاودة التواصل الدبلوماسي مع موسكو، لا سيما أن التواصل مع روسيا أصبح ضرورة حتمية، وبهذا أزالت فرنسا الحرج عن واشنطن، خاصة أن المشروع الفرنسي المقدم في مجلس الأمن، والذي يتضمن الدعوة إلى وقف إطلاق النار في حلب، وفرض حظر جوي على المدينة، وإيصال المساعدة الإنسانية إلى السكان المحاصرين في الأحياء التي تسيطر عليها المعارضة في حلب، توافقت عليه كل من واشنطن ولندن، والأمر بات واضحًا عندما رفعت كل من الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا في آن واحد الفيتو ضد المشروع الروسي، وهو ما أشار إليه السفير الروسي في مجلس الأمن، فيتالي تشوركين، في عملية التصويت بقوله إنّ مشروع القرار الفرنسي الإسباني يفرض حظرًا للطيران على حلب بأكملها، ووصفه بأنه "مستند إلى الدعاية الغربية ومكتوب عليه الفشل". فرنسا حاولت بأن تكون لها شخصيتها المنفردة كطرف لا يقل أهمية عن نظيرها الأمريكي، بل حاولت أن تتعامل مع روسيا كند، وبدا ذلك واضحًا في اللغة التي استخدمها وزير الخارجية الفرنسي جان مارك أيرولت أمام نظيره الروسي سيرغي لافروف في موسكو في 6 أكتوبر الماضي، حيث قال الوزير الفرنسي: "لقد التقيت لافروف، وكررت أمامه، وأنا أنظر مباشرة في عينيه، أن أحدًا لا يمكنه أن يتساهل مع هذا الوضع. فرنسا لا تستطيع التساهل مع ذلك، والأمر سيان بالنسبة إلى روسيا". وقال أيرولت عندما كان في موسكو بأن فرنسا "ستطرح رسميًّا" قبل نهاية الأسبوع مشروع قرار حول سوريا في مجلس الأمن، وهدد باتخاذ "مبادرات أخرى" إذا لم يحترم، لكنه لا يتحدث عن الفصل السابع لميثاق الأممالمتحدة الذي يجيز استخدام القوة وفرض عقوبات. وقتها كان رد لافروف بأن موسكو على استعداد لبحث المقترحات الفرنسية بشأن سوريا، مؤكدًا "سندخل تعديلات في المقترح الفرنسي لمجلس الأمن، ونأمل أن تؤخذ في الاعتبار". فرنسا لم تأخذ التعديلات الروسية بعين الاعتبار، ويبدو أنها راهنت على تمرير مشروعها في مجلس الأمن بأنها بوابة الاتصال الدبلوماسي الوحيدة بين موسكووواشنطن، الأمر الذي قد يجعل موسكو ترضى بالمشروع الفرنسي كخطوة لعودة العلاقات بين روسيا وأمريكا، وهو الأمر الذي لم يحدث باستخدام روسيا حق النقض. باريس تطالب بمحاكمة روسيا إلغاء الزيارة الروسية لفرنسا جاء أيضًا على خلفية رغبة فرنسا في محاكمة روسيا، فبعد أن كان الزيارة مقررة بمقابلة بوتين للرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند وافتتاحه كنيسة أرثوذكسية جديدة في وقت لاحق من الشهر الجاري، تم إلغاء الزيارة، وجاء الإلغاء بعد يوم من تصريح تليفزيوني لهولاند قال فيه إنه من المحتمل مقاضاة روسيا أمام المحكمة الدولية بشأن سوريا، وإن المحادثات الروسية الفرنسية ستقتصر على سوريا فقط، وكان لافروف أشار الأسبوع الماضي إلى أن بوتين سيجتمع مع هولاند لبحث النزاع السوري والأزمة الأوكرانية، الأمر الذي دفع روسيا لإطلاع فرنسا على أنهم يريدون إرجاء الزيارة، وأكد مصدر في الكرملين أن الزيارة لن تتم. وكان وزير الخارجية الفرنسي جان مارك أيرولت قد أكد أن فرنسا ستلجأ للمحكمة الجنائية الدولية؛ لتطرح موضوع جرائم الحرب التي يتم ارتكابها في سوريا، حيث تتهم فرنسا كلًّا من روسياوسوريا بارتكاب "جرائم حرب في مدينة حلب المحاصرة، وأضاف "إذا قرر رئيس الجمهورية بأن يأتي بوتين، فذلك لن يكون من أجل المجاملات، بل لقول حقائق، للخروج مما يجري هناك (في سوريا) ولجعل روسيا تعي أنها تسلك طريقًا خطيرًا". هولاند نفسه أعلن السبت الماضي أنه "ما زال يطرح على نفسه السؤال" عمَّ إذا كان سيستقبله، بسبب "جرائم الحرب" التي ارتكبها النظام السوري في حلب بدعم من الطيران الروسي. الرد الروسي لم يتأخر كثيرًا، حيث علق وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على تصريحات السلطات الفرنسية بشأن نيتها مساءلة روسيا بسبب الوضع في سوريا، بأنه لم يرَ أي دعاوى، وألغى بوتين، الثلاثاء، زيارته لباريس، وقال إنه مستعد للعودة "حين يكون ذلك مناسبًا للرئيس هولاند". وقالت الرئاسة الفرنسة إنه "جرى اتصال بين الإليزيه والكرملين؛ لإبلاغ موسكو بإمكانية عقد اجتماع عمل مع فلاديمير بوتين حول سوريا، لكن روسيا أعربت عن رغبتها في تأجيل الزيارة. في رد سريع من الجانب الفرنسي على إلغاء الزيارة، أعلن الرئيس الفرنسي أنه "جاهز في أي وقت" للقاء بوتين من أجل "دفع السلام"، خصوصًا في سوريا. وقال هولاند أمام الجمعية البرلمانية للمجلس الأوروبي إن "الحوار مع روسيا ضروري، ولكن يجب أن يكون حاسمًا وصريحًا"، لافتًا إلى أن هناك "خلافًا كبيرًا" بين باريسوموسكو بخصوص الوضع السوري. ويرى مراقبون أن الأزمة الفرنسية الروسية لم تتمحور حول الملف السوري فقط، ففي شهر مايو الماضي أيد زعماء مجموعة "السبع الكبرى" ومن ضمنهم فرنسا إبقاء العقوبات المفروضة على روسيا وربط مسألة رفعها بتنفيذ اتفاقات مينسك الخاصة بأوكرانيا. كما أن وجود فرنسا في حلف الناتو الذي بات يهدد الأمن القومي لروسيا، عبر نشره للدرع الصاروخية الأطلسية في أوروبا، ينذر بتصعيد الأزمة بين البلدين.