غطت السحابة السوداء سماء غالبية القرى والمدن بمحافظات الصعيد والوجه البحري، ولم يعد قش الأرز البطل الوحيد لمصدر السحابة، لكن يشاركه المحصول الصيفي "الذرة الرفيعة" أيضا. لم يجد المزارعون وسيلة أرخص للتخلص من بقايا مخلفات الذرة الرفيعة سوى حرقها داخل الأرض الزراعية، ما ترتب عليه تلوث الهواء وانتشار الدخان علي الطرق الزراعية الرئيسية والفرعية، في غياب تام للمسؤولين التنفيذيين بالمحافظات. السحابة السوداء تهدد آلاف السكان بأمراض الصدر والربو وضيق التنفس نتيجة التصاعد الكثيف للدخان نهارا وليلا، خاصة أن محافظات الصعيد تشتهر بزراعة الذرة الرفيعة كمحصول أساسي في فصل الصيف لارتباطه بتربية وعلف الماشية. وتحولت الأراضي المزروعة بالذرة الرفيعة والأرز لشعلة من النيران في وضح النهار وفي سكون الليل علي مرأى ومسمع من الجميع، وسط تجاهل من المسؤولين عن تحرير محاضر للمزارعين المخالفين الذين يتسببون في تلويث البيئة. وطالب الأهالي بمحافظات الصعيد وزارة الزراعة بشن حملات توعية للمزارعين قبل موعد حصاد محصول الذرة الرفيعة لتوعيتهم بالخطورة الناتجة عن حرق مخلفات وأعواد الذرة، وكذلك توفير بدائل لجمع ونقل المخلفات الزراعية خارج الزمام الزراعي وبعيدا عن الحيز العمراني لإعادة تدويرها والاستفادة منها كعلف حيواني أو سماد، كما طالبوا الوحدات المحلية بتطبيق أقصى عقوبة على المزارعين المخالفين طبقا للقانون رقم 4 لسنة 1994 التي تتراوح عقوبته ما بين ألف جنيه إلى 10 آلاف. ولفت الدكتور محمد سليمان، أستاذ الأراضي بكلية الزراعة جامعة سوهاج، إلى وجود عدة طرق للتخلص الآمن من مخلفات محصول الذرة الرفيعة "البوص"، منها فرمه بواسطة ماكينات الدراس واستخدامه كبديل للتبن في علف وتربية المواشي، أو فرمه وتحويله لسماد صناعي ذو قيمة سمادية أفضل من السماد العضوي، خاصة مع خلوة من الحشائش والأمراض التي تنتقل مع استخدام السماد العضوي الحيواني. ومن جانبه، قال المهندس مراد أحمد حسين، وكيل وزارة الزراعة بسوهاج، إنه تم تشكيل لجان من مسؤولي البيئة بالوحدات المحلية للمدن والأحياء والقرى ومشرفي الأحواض بالجمعيات الزراعية لمتابعة حرق مخلفات المحصول الصيفي الذرة الرفيعة وتحرير محاضر للمخالفين، مؤكدا أنه حتى الآن لم يتم تحرير محاضر لأي مزارع، وأن المتابعة العام الماضي كانت أشد وأفضل من العام الحالي. وفي محافظات الوجه البحري والدلتا، شهدت العديد من قرى ومراكز محافظة الغربية عمليات واسعة لحرق قش الأرز خلال الأسبوعين الماضيين، حتى أصدر اللواء أحمد ضيف صقر، محافظ الغربية، توجيهاته لوكيل وزارة الزراعة بإيقاف المهندس المسؤول عن المتابعة وإحالته إلى التحقيق. لم يختلف الوضع كثيرا في محافظة كفر الشيخ الأشهر تاريخيا في زراعة الأرز، حيث تشهد القرى استمرار حرق الفلاحين لقش الأرز بالأراضي الزراعية، وتعالت ألسنة النيران وغطى الدخان المتصاعد سماء المحافظة، وأصيب كثير من المواطنين بالاختناق، خاصة مرضى حساسية الصدر والرمد من الأطفال وكبار السن. وفي مركز السنبلاوين بمحافظة الدقهلية، برر عدد كبير من المزارعين حرقهم قش الأرز بعدم وجود مكابس كافية أو شراء القش منهم كما وعدتهم المحافظة من قبل، وأنهم مضطرون لإخلاء الأرض من أجل إعدادها لزراعة المحاصيل الشتوية. وطالب الدكتور عصام محمد، أستاذ مساعد إرشاد بكلية الزراعة جامعة طنطا، بضرورة وجود تشريع صارم يحد من الظاهرة ويقف في وجه الفلاحين الذين يحرقون قش الأرز ضاربين بقرارات وزارة البيئة عرض الحائط، مشيرا إلى وجود أبحاث بوزارة الزراعة والبيئة لتطوير 7 طرق للتخلص الآمن من قش الأرز تتمثل في تحويله إلى سماد عضوي يزيد من خصوبة التربة أو حقنه بالأمونيا واستخدامه كأعلاف غير تقليدية أو إنتاج الغاز الحيوي أو فرمه وحرثه مباشرة في التربة لزيادة المادة العضوية أو تحويله إلى قوالب طوب ومواد بناء مضغوطة أو تحويله إلى أخشاب مضغوطة ورخيصة الثمن أو إنتاج حمض الستريك والكحول الايثيلي من تخمير القش. وقال الدكتور هشام ربيع، رئيس فرع جهاز شؤون البيئة بمحافظة الدقهلية، إن جهود الجهاز مستمرة للسيطرة والحد من انتشار السحابة السوداء الناتجة عن حرق المخلفات الزراعية داخل مراكز المحافظة؛ من خلال فرق انتشار مكثفة بالتنسيق مع مديرية الزراعة، موضحا أن إجمالي عدد المخلفات الزراعية المجمعة في محافظة الدقهلية حتى الآن بلغ 72 ألف طن تم تحويل 13 ألف إلى سماد عضوي و750 طنا لأعلاف غير تقليدية، بالإضافة إلى تحرير 1020 مخالفة. وأكد المهندس عادل العتال، وكيل وزارة الزراعة بمحافظة الغربية، على وجود متابعة يومية تبدأ من الصباح حتى منتصف الليل؛ من أجل مواجهة المخالفين ومنع الظاهرة من التفاقم، مؤكدا تحرير 911 محضرا ضد المخالفين حتى الآن. وأوضح وكيل الوزارة أن المديرية تمكنت من تدوير 699 طنا من قش الأرز وتحويله إلى سماد عضوي ليصل إجمالي ما تم تدويره منذ بداية الموسم 8939 طنا، مما تم تجميعه من خلال 18 مكان تجمع فى نطاق محافظة الغربية.