تحتفل مصر هذا الأيام بذكرى حرب السادس من أكتوبر عام 1973 والانتصار الذي ردع الكيان الصهيوني وهدم آماله في اغتصاب جزء غالي من أرض الوطن، وهنا يتجلى الدور الإفريقي المشرف بمساندة مصر في حربها مع إسرائيل. وفي الوقت الذي كان يحارب فيه الجيش المصري العدو الإسرائيلي، وبينما فتحت الولاياتالمتحدةالأمريكية جسرا جويا مع العدو لإمداده بالطائرات الحربية والمدرعات والأسلحة الثقيلة، كان للدول الإفريقية دور مشرف، حيث تعتبر القارة السمراء محورا مهما في الاستراتيجية الصهيونية، لكن ظل الصراع العربي الإسرائيلي يحدد مسار هذه العلاقات من مناحٍ مختلفة، كان أهمها حرب أكتوبر 1973. أعوام المد والجذر بعد نكسة 1967 بعد هزيمة مصر في حرب 1967، نظرت الدول الإفريقية إلى إسرائيل بوصفها قوة احتلال، هدفها نهب خيراتها، خاصة أن أغلب دول القارة السمراء كانت على علاقة طيبة بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر، صاحب الدور الكبير في حركات التحرر الإفريقية من الكيانات الاستعمارية، حتى وصل الأمر، قبل نشوب حرب اكتوبر 1973، إلى حد قطع العلاقات الدبلوماسية؛ ففي عام 1972، قطعت أوغندا علاقتها مع إسرائيل، ثم تبعتها سبع دول أخرى هي تشاد ومالي والنيجر والكونغو برازافيل وبوروندي وزائير وتوجو. الحرب والتضامن الإفريقي وكان لمجلس وزراء منظمة الوحدة الإفريقية الريادة في خطة تضامنه مع مصر ومحاولة خنق إسرائيل، وكان البداية عندما انعقد في دورته غير العادية بمدينة أديس أبابا في إثيوبيا خلال الفترة من 19 إلى 21 نوفمبر 1973، واستعرض الموقف في الشرق الأوسط والنتائج المترتبة عليه بالنسبة للقارة الإفريقية والوضع الدولي. وطالبت المنظمة إسرائيل بالانسحاب من جميع الأراضي العربية المحتلة، وأن تتخلى عن سياستها العدوانية، كما أعرب الاجتماع عن قلقه للمساعدة العسكرية الضخمة التي تمنحها الولاياتالمتحدةالأمريكية لإسرائيل، واعتبرتها تشجع على العدوان وتزيد من حدة التوتر. كما اتخذت الدول الإفريقية موقفا حاسما من الدول الداعمة لإسرائيل والمتواطئة معها، ففي مايو 1973، ارتفع عدد الدول الأعضاء في منظمة الوحدة الإفريقية التي قطعت علاقتها بإسرائيل إلى 27 دولة، كانت آخرها ساحل العاج وبوتسوانا، لذا فإن حقائق العصر والقيم التي زرعتها حرب 6 أكتوبر على الجبهات العربية ضد إسرائيل تعرض أمامنا الموقف الإفريقي المشرف الذي تمثل في: – الإقرار الإفريقي الجماعي بأن إسرائيل نظام حكومي عنصري استعماري يقف على قدم المساواة مع النظم العنصرية الاستعمارية في القارة، وهي جنوب إفريقيا وروديسيا والبرتغال بكل ما يترتب على هذا من معان فكرية وتطبيقية في القارة وخارجها. – الموقف الإفريقي تجاه هذا التكتل الاستعماري، المواجهة الشاملة وفرض حظر شامل واتخاذ إجراءات فردية وجماعية من أجل زيادة عزلة إسرائيل في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية. – الموقف الإفريقي الشامل يقر استخدام سلاح النفط، وهذا مؤشر بالغ الأهمية وموجه إلى جميع الدول المنتجة له كليبيا والجزائر ونيجيريا، في محاولة للضغط على الكيان الصهيوني ومعاونيه. وبمراجعة الموقف في النصف الأول من شهر أكتوبر 1973، يتضح أن أجواء القارة امتلأت برياح قطع العلاقات الدبلوماسية بين الدول الإفريقية غير العربية مع إسرائيل؛ فقطعت خمس دول العلاقات مع الكيان الصهيوني، سبقتها أربع دول في النصف الأول من العام ذاته، إضافة إلى ثلاث أخريات في عام 1972، فضلا عن ثلاث دول لم تتبادل التمثيل الدبلوماسي، هي الصومال وموريتانيا وغينيا، بجانب الدول العربية الإفريقية، ليرتفع عدد أعضاء الجبهة المواجهة لإسرائيل في إفريقيا إلى إحدى عشر دولة. قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل الذي امتد من جوبا لباقي الدول الإفريقية، شمل جميع أنواع العلاقات المتبادلة اقتصادية وثقافية وسياسية وغيرها، حيث وضعت هذه الدول الإفريقية إمكانياتها تحت تصرف مصر، كما بدأت سياسة إثيوبيا تجاه إسرائيل تدخل دائرة الاختيار الحاسم؛ حيث وجه الإمبراطور هيلاسلاسي نداء إلى تل أبيب طالبها بسحب قواتها من الأراضي العربية المحتلة وتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 242. وخلال اجتماع القمة الإفريقية في مايو 1973 بأديس أبابا، شاركت إثيوبيا في إعلان رؤساء دول وحكومات المنظمة بأن حل أزمة الشرق الأوسط يتوقف على الانسحاب الفوري وغير المشروط للقوات الإسرائيلية من جميع الأراضي الافريقية والعربية المحتلة، واحترام حقوق فلسطين، وتأكيد تأييد إفريقيا التام والفعال لموقف مصر، ووصل موقف إثيوبيا إلى نقطة الحسم التي عبر عنها البيان الذي أصدره الإمبراطور في 23 أكتوبر؛ حيث أعلن قطع العلاقات الدبوماسية تماما مع إسرائيل، لكن تخلفت عنه أربع دول إفريقية فقط هي ملاوي ومورشيوس وليسوتو وسوازيلاند.