في كل يوم تتعمد بكينوموسكو إظهار تقاربهما الدبلوماسي والعسكري، سواء في القضايا المتعلقة بالشرق الأوسط، أو الملفات الدولية التي تتعلق بأزمة جزيرة القرم وكوريا الشمالية وبحر الصينالجنوبي. مؤخرًا تم تأطير هذا التعاون في مجال محاربة الإرهاب، حيث رفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أمس الأربعاء، إلى مجلس النواب الروسي (الدوما) مشروع اتفاقية التعاون بين موسكووبكين في محاربة الإرهاب والانفصالية والتطرف؛ للتصديق عليها. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الوثيقة تم التوقيع عليها بالعاصمة الصينيةبكين قبل ست سنوات. مضمون الاتفاقية تهدف الاتفاقية إلى تطوير التعاون الثنائي في مجال محاربة الإرهاب والانفصالية والتطرف، حيث تضم بنودًا تتعلق باتخاذ روسياوالصين إجراءات مشتركة بغية الكشف والتصدي للأنشطة المرتبطة بالتخطيط لهجمات إرهابية وتنفيذها. وتسمح الاتفاقية بتبادل المعلومات بين موسكووبكين؛ من أجل الحيلولة دون القيام بأنشطة إجرامية متطرفة، بما فيها إنتاج وتخزين وتوزيع المواد الدعائية والأسلحة والمتفجرات، وحصول المنظمات الإجرامية على المواد النووية والمشعة والكيمياوية؛ بغية تنفيذ اعتداءات إرهابية. وبذلك تستطيع كل من روسياوالصين تبادل المعلومات بشأن موارد وقنوات التمويل للتنظيمات المتطرفة والأساليب المميزة التي تستخدمها، فضلًا عن المعطيات المتعلقة بالأشخاص المشتبه فيهم. الصينوروسيا واستمرار التقارب لن تكون هذه الاتفاقية الأولى ولا الأخيرة بين بكينوموسكو لتوثيق الروابط بينهما، ففي يونيو الماضي تعهد الرئيس الصيني شي جين بينغ من بكين في لقاء جمعه بنظيره الروسي فلاديمير بوتين بتعزيز علاقاتهما، حيث وقعت موسكووبكين ثلاثين اتفاقية تعاون، خصوصًا في مجال التجارة والطاقة، وذلك في وقت تشوب فيه صلاتهما بالدول الغربية توترات، فالصين يسود التوتر علاقاتها بالولاياتالمتحدة واليابان ودول آسيوية؛ بسبب الخلافات حول السيطرة على منطقة بحر جنوبالصين، وروسيا تسعى لمواجهة العقوبات الغربية المفروضة عليها؛ بسبب تدخلها في أوكرانيا عن طريق توسيع علاقاتها السياسية والاقتصادية مع بكين. بوتين والذي زار بكين للمرة الرابعة منذ تولي شي حكم الصين عام 2013 أكد أن لبلاده والصين وجهات نظر متقاربة جدًّا وربما مماثلة في القضايا الدولية، وأضاف أنه ناقش مع نظيره الصيني "تقوية جهودهما لمحاربة الإرهاب الدولي والبرنامج النووي لكوريا الشمالية والملف السوري والاستقرار في بحر جنوبالصين". وأكد شي أنه اتفق مع بوتين على ضرورة مضاعفة الجهد للحفاظ على روح الشراكة والتعاون الاستراتيجي بين بلديهما في مواجهة ظروف دولية تنحو إلى المزيد من التعقيد والتبدل. روسياوالصين قوة اقتصادية وسياسية يبدو أن هناك اتفاقًا ضمنيًّا بين روسياوالصين على أنهما يجب عليهما حجز مقعديهما ك "ندين" للقطب الأمريكي، فمن ناحية الاقتصاد، استقبلت مدينة شنغهايالصينية في يوليو من العام الماضي حفل افتتاح "بنك التنمية الجديد"، التابع لمجموعة "بريكس"، الذي حدد أولى غاياته في تمويل البنى التحتية في بلدان "بريكس" والدول النامية، ويأتي إنشاء البنك تجسيدًا لمساعٍ بذلتها مجموعة "بريكس" خلال الفترة الأخيرة، لتقدم للعالم كيانًا اقتصاديًّا جديدًا يناهض سياسة "القطب الواحد" المالي، حيث يعمل على إنهاء هيمنة صندوق النقد والبنك الدوليين على مقدرات العالم الاقتصادية، ووقف تسخيرهما وتطويعهما لمصلحة قوى بعينها مسيطرة عليهما، دون غيرها من بقية دول العالم. ومن الناحية السياسية نجد أن الصينوروسيا يبديان توافقًا شبه مطلق حول قضايا المنطقة في الشرق الأوسط، خاصة في الملف السوري والليبي، كما أن لكلتا الدولتين مواقف متشابهة فيما يتعلق بالملف الكوري الشمالي، والأزمة في أوكرانيا، وبحر الصينالجنوبي، الأمر الذي يشكل نواة سياسية قد تستقطب المزيد من الدول إلى هذا التحالف. فعلى سبيل المثال قال الرئيس الفلبيني رودريجو دوتيرتي، حليف الولاياتالمتحدةالأمريكية، الثلاثاء الماضي، إن بلاده منفتحة على بناء علاقة تحالف مع الصينوروسيا، هذا بالإضافة لوجود حلفاء مشتركين آخرين كالبرازيل وإيران. ومن الناحية العسكرية تشكل كل من بكينوموسكو قوة عسكرية كبيرة ،حيث تحتل موسكووالصين المركزين الثاني والثالث على التوالي كأقوى جيوش العالم، بعد الولاياتالمتحدةالأمريكية، وفقًا لموقع "warrior"، الذي نشر الاثنين الماضي، تصنيفًا لأفضل 10 جيوش في العالم؛ استنادًا لما يعرف ب"مؤشر القوة النارية العالمي"، وهو مؤشر سنوي يتكون من 126 مرتبة لأقوى جيوش العالم. الجدير بالذكر أن القوات البحرية الصينية والروسية أجرت مناورات مشتركة استمرت لثمانية أيام في بحر جنوبالصين، وتدربت خلالها على السيطرة على جزر في هذه المنطقة المتنازع عليها بين الصين ودول أخرى مجاورة لها مدعومة من واشنطن، حيث انطلقت المناورات المشتركة بعد أسبوع على قمة رابطة آسيان في لاوس، وبعد تحذير الرئيس الأمريكي باراك أوباما بكين على هامش القمة مما سماه استعراض العضلات بالمنطقة المتنازع عليها بين الصين من جهة ودول أخرى من بينها الفلبين وفيتنام. وكانت الصينوروسيا قد نظمتا في أغسطس الماضي مناورات بحرية وجوية مشتركة بالساحل المقابل لأقصى شرقي روسيا، كما تدعم موسكو موقف بكين بضرورة أن تبقى الولاياتالمتحدة ودول أخرى بمنأى عن النزاع في بحر جنوبالصين.