يتصور كثير من الناس إن ما يتم في محاكمة مبارك والعادلي هي محاكمة للنظام السابق، وإن المسرحية التي تجري على خشبة أكاديمية الشرطة هي محاكمة حقيقية. فأي قضاء هذا الذي ينتظر أن يأتي إليه المتهم في طائرة تكلف الدولة الكثير وتتأخر الجلسة فيها لأن الضباب في هذا اليوم كثيف ولا تستطيع الطائرة الإقلاع الآن، ناهيك عن التهم الموجه إليهم لا تتعلق بمحاسبة كاملة عن عصر كامل من الفساد، هذا الفساد الذي أكتملت صورته مع تولي العادلي الداخلية وصعود جمال مبارك إلى الدائرة الشيطانية التي كانت تحكم مصر. فقتل المتظاهرين وتصدير الغاز لم تكن القضية الفاصلة في محاسبتهم على ثلاث عقود من عملية تدمير مصر تماماً في كل مجالات الحياة، داخلياً وخارجياً. إن وقوف مبارك والعادلي والزبانية الستة في قفص الإتهام بتهمة قتل المتظاهرين لهو إستخفاف بعقول المصريين جميعاً. أي دليل تريده المحكمة أو غيرها لكي نثبت أن الشمس تشرق من الشرق وتستمر في ذلك إلى أن تقوم القيامة، من يريد دليلا على أن اليوم 24 ساعة، والأسبوع 7 أيام، وإن بداية حياة الإنسان بالميلاد من رحم الأم ونهايته بالموت في وقت يعلمه الله، أي دليل يريدون أن نقدمه على أن وظيفة العين الرؤية والأذن السمع واللسان الكلام، هل مثل هذا يحتاج إلى أدلة؟ مبارك يحكم، والعادلي وزير داخلية والزبانية الستة هم مسئولو الأمن في القاهرة وما حولها من قطاعات الوزارة وجمال مبارك المتحكم في سياسات البلاد في عشرة سنوات السابقة للثورة، فمن قتل المتظاهرين؟ إنها إهانة لشعب كامل أن تستمر هذه المهزلة ودفاع ونيابة ومحكمة ولكن مصر بلد العجائب. الأمر الذي أريد الكلام عنه قبل الثورة الثانية، هو متى نبدأ في محاكمة النظام السابق، إن النظام ليس كله مبارك والعادلي، إن النظام الذي كان يحكم مصر طوال ثلاثين عاماً بل يجب أن تزيد هذه الثلاثين، لكي نصل إلى نهاية عهد السادات، فجذور هذه الحقبة السوداء من تاريخ مصر قد بدأت قبل تولي مبارك الحكم، على رأسها الحزب الوطني، وبداية إعطاء أمن الدولة كم هائل من الصلاحيات وتشكيل طبقة رجال الأعمال الذي عاثت في الأرض فسادا. ومع بداية حكم اللامبارك بدأت تظهر في الأفق سحابات سوداء سوف تؤدي بمصر إلى منعطف خطير، كان أبرزها أن تولي رئاسة مصر لرجل غير سياسي ولم يمارس السياسة بقدر كبير، بل وغير مثقف وواع بالملفات السياسية التي يجب أن يحملها رئيس لمصر، إضافة إلى الرضا الأميركي عنه الذي تحدثنا عنه قبل ذلك، فرغم إختلافنا مع سياسات ناصر أو السادات إلا إنه معروف عنهما أنهما كان يمارسان السياسة قبل الوصول إلى الحكم ولهما درجة كبيرة من الوعي والثقافة، كل هذا كان نذير شؤم على هذا البلد إن ينتهي به الحال كما هو الآن. جان أوان أن تبدأ مصر وبعد نهاية العقد الأول من القرن الواحد والعشرون في ممارسة دور قوي لها كما كانت منذ اكثر من ثلاثين عاماً، وأن تستعيد جزء من حريتها التي كانت مسلوبة لمدة تزيد عن 60 عاماً. إن تقديم كل رؤوس النظام السابق بتهمة إفساد مصر لهو المطلب الواجب رفعه في ثورة يناير 2012، هذا النظام الذي تشكل من كل من ساهم في بلورة هذا النظام ووصوله إلى هذا الفساد المنقطع النظير، والجميع في كل قطاع أو مؤسسة يعرف من الفاسد ومن الصالح. إن كل من شارك في إفساد الحياة السياسية في مصر، من أحزاب وشخصيات يجب الآن أن يتم تقديمه للمحاكمة. كل قطاعات الداخلية التي ساهمت في إفساد خريطة الحياة على أرض مصر، سواء أمن الدولة أو غيرها خاصة وأن الداخلية ما زالت على فكرها القديم في كل شيء، المؤسسات الإقتصادية التي تم هدمها سواء بالبيع أو غيره لمصلحة شخصيات محددة في الدولة، يجب البحث في كل هذه الأسماء وتقديم كل هؤلاء للقضاء، الخصصة وما لاحق بها من عمولات ورشاوى وصفقات قذرة، أين كل من شارك فيها؟ هو يتمتع بماله المسلوب من خزانه مصر، الصحافة والإعلام الذي تم تسخيره لخداع الشعب ولنصرة النظام السابق أين ذهب هؤلاء؟ والأسماء معروفة والمؤسسات الصحافية والإعلامية لم تصلها الثورة إلى الآن ولن تصلها إلا بتقديم كل الذين ساهموا في إفساد عقول الجماهير المصرية بمعلومات خطأ وبالدفاع عن نظام فاسد والذين جعلوا من مؤسسات الدولة مجرد بنك لنزف الأموال منه ضاربين بعرض الحائط كل الأعراف المهنية في العمل الصحفي والإعلامي، وإلى القضاء الذي تشكلت بداخله طبقة يجب أن يتم تطهيرها ساهمت مع النظام في تلويث سمعة القضاء بإكتسبه شرعية مزورة من خلال إنتخابات قاموا بإعلان نتائجها على الأقل وهم يعرفون أنها مزورة، ومن خلال محاكمات لكثير من المعارضين للنظام من الإسلاميين وغيرهم، ولا يجب أن ننسى خلال هذه المحاكمات الجهاز الإداري للدولة والذي تملاْ أركانه الفساد والرشوة والمحسوبية، ولا يكاد توجد في الدولة وزارة لا تخلو من قضايا فساد حتى وزارة العدل والمعروفة في الوسط الحكومي بأنها منبع للثراء الوظيفي من خلال الرشوة وأسالوا محامي مصر عن حال موظفي الوزارة. إن القائمة التي يجب أن تخضع للتطهير طويلة ويجب أن يساهم الجميع في حصرها ونشرها وتقديمها للقضاء الشريف النزيه الذي لم يتلوث بممارسات النظام السابق. هذا يجب أن يكون اكبر مطلب في 25 يناير هو محاكمة النظام السابق كله وليس رموزه فقط.