يبدو لي الحديث عن النزول يوم 25 يناير القادم للاحتفال هو أحدث أكذوبة خرج علينا بها النظام المصري وتبناها “كدابين الزفة” التابعين له ليقودوا أوركسترا التضليل ويجمعوا حولهم تلك الشرائح المضلَلة الانتهازية من المجتمع (المتناسلين من زمن “لا تتنحى”) والتي تعتبر الغذاء الروحي لذلك النظام الفاسد المفسد على مدى عقود. إنها الشرائح التي تعوّد النظام تصديرها المشهد على أنها جموع الشعب المصري الموافق دائماً وأبداً على كل كلمة تخرج من فم “الحاكم”(فليس بالخبز وحده يحيا الإنسان). إنهم المواطنون “الشرفاء” “الأوفياء” الذين حتى إن جمعتهم الطبل لا بد وأن تفرقهم العصا – وفعلاً ما جمّع في العباسية إلا لما وفق في ماسبيرو. في نفس الوقت تطالعنا الأخبار بذلك الحديث الثوري “المحافظ” ذا الطابع السياسي والذي مع أنه لا تفرقه العصا إلا أنه لا يتجرأ ليُقدم على إنتزاعها وتحطيمها، بل عادة ما يفضل إمساكها من المنتصف. تلك التيارات التي تدعو إلى الإصلاح تحت شعار الثورة.. هؤلاء الذين يدعون جموع الشعب للنزول يوم 25 يناير 2012 للمطالبة “بإستكمال أهداف الثورة”. بالرغم من إيجابية الدعوة ظاهرياً إلا أنها لا تخاطب إلا نفسها! ألم تدركوا أنه إنقضى عام تقريباً تحت إدارة المجلس العسكري وتمت خلاله رفع نفس المطالب بعينها مراراً وتكراراً، ليلاً ونهاراً، سراً وجهاراً؟ فهل إستجاب لتلك المطالب الوجه الآخر لمبارك والذي إبتلاكم به وهو يمنحكم قبلة الوداع؟ وإن إستجاب جزئيا فلما لا تحتفلون بما حققتم مع المحتفلين في العباسية مثلاً؟! ولو جزئياً أيضاُ؟ إنهم لم يستجيبوا إلا بالقشور كما تزعمون وأزعم، ولم يمنحونا إلا ما يبدو في ظاهره التغيير وفي باطنه التجديد لنفس النظام وأدواته مع إستبدال بعض الأسماء والمسميات. وكما نزعم سوياً أيضاً، أن هذا التوجه الممنهج قد أصبح جلياً بعد مرور عامكم الكامل هذا في بلدكم المسلوب هذا.. فماذا تنتظرون؟ وكيف تطاوعكم كرامتكم مهما كانت مطاطة على الإستمرار في إستجداء حقكم من نفس الوجه القديم الحاكم المتحكم بعد أن أعرض عنكم مراراً وتكراراً؟ بل وزاد فيكم قتلاً وإنتهاكاً بعدما نفذ صبره؟ حقاً، ما هذا التسوّل الذي تمارسونه في المطالبة بحقوقكم المشروعة وفي حق الوطن عليكم؟ إن مطالبة الشعب بالخروج يوم 25 يناير بالذات لتكرار نفس المطالب التي خرج من أجلها في مثل هذا اليوم منذ عام كامل وإستمر يطالب بها خلاله دافعاً الفاتورة من دماء أبناءه (ومنهم من قضى ومنهم من أصيب ومنهم من ينتظر) ما هو إلا حق يراد به باطل. إنكم بذلك تعترفون دون مواجهة بمدى فشلكم سياسياً في إدارة المواقف وهروباً من المصارحة تطلبون من الشعب تكرار نفس الشعارات التي تمثل أهدافاً لم تتغيير ولم تحقق حتى اليوم بالرغم من مرارة إنتظار المظلوم وصاحب الحق المسلوب! إنكم كمن يطلب من الشعب أن يتظاهر مردداً عبارات كما يفعل المجاذيب في حلقات الذكر! إنكم بذلك تذكرون الشعب بل وتؤكدون له أننا لم نتقدم وفي نفس الوقت تقتلون الأمل بكونكم لا تقدمون له حلولاً لتصحيح المسار. إن في ذلك الركود وبطيء الأداء ما يبرر إصابة العديد بالملل والإختناق، فلو حدث وإنفض الشعب من حولكم فهي نتيجة لا تلومون عليها إلا أنفسكم إن كنتم صادقين. الدعوة الوحيدة التي أرى أنه كان عليكم إطلاقها، لتأكيد مصداقيتكم وإيجابية توجهاتكم وتكون هي الباعث على إستمرار الثورة على طريقها المنشود، هو نقل السلطة من المجلس العسكري إلى سلطة مدنية مؤقتة ومحددة المدة لإدارة الفترة الإنتقالية، وغير ذلك فهو لا يندرج إلا تحت بند حلقات الذكر الثوري كما وصفت. كان عليكم التوافق على مشروع لنقل السلطة إلى المدنيين، سواء كان ذلك في صورة مجلس الشعب المنتخب، على أن يكون هذا تكليف لا خيار فيه للنواب الجدد، بمبدأ الشعب يريد وعليهم الطاعة. أو أن ينتخب المجلس من بين نوابه مجلساً رئاسياً يمثل كافة التيارات ويمكن أن يضم عدد من مرشحي رئاسة الجمهورية، أو (كما إقترح عمر كامل وهو أحد أصدقائي الناشطين) أن تحول إنتخابات رئاسة الجمهورية القادمة إلى إنتخابات لمجلس رئاسي مدني مكون مما لا يقل عن 12 إسماً من الحاصلين على أعلى أصوات إنتخابية، على أن يشترط نسب تمثيل للتيارات المختلفة السياسية والأيديولوجية فيه. وأرى أنه من الأرجح في كل الحالات أن يكون هناك تمثيل محدد لا يزيد عن مقعد واحد أو إثنين للقوات المسلحة في أي من هذه البدائل أو كلها. كان عليكم دراسة وتحضير ذلك المشروع وطرحه ودعوة الشعب للنزول تحت شعاره بدلاً من السعي وراء بريق الشهرة وهدر الوقت في طوابيراللقاءات التليفزيونية، وتسليك الحناجر بالتصريحات الصحفية الرنانة التي ملها البشر.. كان عليكم أيها النخبة أن تكونوا جديرين بهذا اللقب وأن تقدموا للشعب خطوة مقنعة للأمام تبشر بتصحيح المسار بدلاً من أن تطلبوا منه التكرار الذي لا يعلم شطار ولا يُفهم حمار... أقول كان عليكم ولا أقول فات الأوان فهل لتلك الدعوة بينكم من أنصار؟