ممر ضيق يعد واحدًا من أقدم الأسواق بالإسكندرية، يقع في منطقة المنشية أحد أشهر الأسواق التجارية بوسط المدينة، ونظرًا لضيق مساحته سمي ب" الزنقة"، ولأنه حكر على البضائع النسائية أطلق عليه" زنقة الستات". اشتهرت" زنقة الستات" قديمًا بكونها مقصدًا للفتيات والنساء الباحثات عن المشغولات الذهبية، والأقمشة الفاخرة، والثوب السكندري المعروف ب" الملاية اللف". ومع تغير الزمن واحتياجات المواطن، فضلاً عن غلاء الأسعار وارتفاع القيمة الضريبية والتعريفة الجمركية، تغير نشاط بعض تلك المحال بما يتناسب مع المتغيرات الأخيرة. يقول قطة ابن حميدو، صاحب أقدم محل لبيع الخردوات بزنقة الستات، إنه يمارس نشاطه في الزنقة منذ 60 عامًا. وخلال تلك الفترة لاحظ تغير طباع المواطنين، فقديمًا كان الذوق والاحترام سمة غالبية الشعب، أما الآن" الزبون بيتعارك حتى مع نفسه". وتابع أن جمال المرأة قديمًا كان يظهر في أناقة ثوبها وجودته والمشغولات الذهبية التي كانت تقتنيها؛ لأن جمالها كان طبيعيًّا، على حد قول قطة. ومع تغير الزمن أصبح للجمال مفهوم آخر، فنالت أدوات التجميل القسط الأكبر من محال الزنقة. وكشف أن غالبية محال الزنقة كانت مملوكة لليهود، ولكن بعد عام 1956 تغير الوضع، وانتقلت ملكيتها لبنك مصر وشركة التأمين، وأصبح المستأجرون يسددون قيمة الإيجار لهما. وعن حركة البيع والشراء داخل الزنقة قال قطة إنها تأثرت بنسبة 50%، واصفًا الحال بأن "البلد تعبانة". صلاح كرموس، صاحب محل لمستلزمات الملابس بالزنقة، توارثه عن والده عقب وقاته منذ 40 عامًا، وكان في الخامسة من عمره، يقول كرموس إن منطقة المنشية أحد أقدم المناطق التجارية بالإسكندرية، وكان المواطنون يتوافدون عليها من مختلف المحافظات؛ لشراء المفروشات والتنجيد واكسسوارات العرايس وأرقى الملابس في مصر والمصنعة محليًّا. وأوضح أن فتيات المدينة يفضلن الزنقة لشراء أغلب احتياجاتهن؛ لانخفاض أسعارها عن الخارج، فضلًا عن احتكارها لبعض البضائع والإكسسوارات الخاصة بزي العروس؛ لكونها مركزًا للبيع بالجملة، إضافة إلى أن المنتج ينزل الزنقة أولًا، ثم ينتشر في السوق بعد ذلك، مؤكدًا أن الموضة فيها متطورة. ولفت إلى أن كلًّا من البائع والزبون يفضلان حاليًّا الخامات الصينية؛ لجودتها وكمياتها الكبيرة، وانخفاض أسعارها مقارنة بالمنتج المصري الرديء في معظمه، بحسب قول كرموس، وأضاف: قديمًا كانت المصانع المصرية تنتج بضائع جيدة وزهيدة الثمن، ولكن تبدل الحال الآن إلى الأسوأ، وهو ما جعل المنتج الصيني مرغوبًا فيه عن المصري. ووأكد أن ما يميز زنقة الستات هو انخفاض الأسعار مقارنة بغيرها من المحال، وحسن المعاملة، وتوفر البضائع المختلفة في نفس المحيط من أحذية وأقمشة وشنط وإكسسوارات وغيرها، فضلًا عن المفروشات. وتابع كرموس أن بعض المحال كانت متخصصة في صناعة الملابس المغربية والإفريقية والمفروشات الأرضية والكليم والمشايات، وكانت تصدر للخارج، ولكنها آل معظمها اليوم إلى بيع مساحيق التجميل، فأصبحت مصيدة السيدات، على حد قوله. ورغم ضيق مساحة الزنقة، إلا أنها خالية من المشاجرات، كما أنها خالية من التحرش. وعن أكثر الأشياء التي كان الأجانب يفضلونها يقول كرموس إن الروس كانوا يقفون طابورًا متهافتين على شراء "زراير الجينز" في الفترة ما بين أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات، وكان الجنيه كافيًا لشراء 20 زرارًا، كما كانوا يبحثون عن الأحذية والمعطف الجلدي. أما الأمريكان فكانت خراطيش الذهب المنقوش عليها صورة لأحد الفراعنة تستهويهم جدًّا، وكان مقصدهم في ذلك "محل عم نجيب"، كما كانوا يشترون الأحذية بأسعار عالية. وأوضح كرموس أن ارتفاع التعريفة الجمركية والضرائب أثرا بالسلب على محلات الزنقة حتى انخفضت حركة البيع والشراء بنسبة 75% عما قبل الثورة، فالجمارك تؤخر البضائع المستوردة من الخارج، وارتفاع الجمارك وانخفاض قيمة الجنيه المصري في مقابل الدولار رفع من سعر البيع، ولكن يرى كرموس أن وضع مصر الأمني مقارنة بسوريا وليبيا واليمن وغيرها يقف شفيعًا للحكومة، رغم "وقف الحال". وطالب بالحد من استيلاء الباعة على الأبواب والمداخل، وإيجاد أماكن للسيارات؛ ليتمكن الزبائن من الدخول، ويعود الرواج للسوق؛ حتى يتم تجاوز الأزمة الحالية.