تتجدد من حين لآخر توترات واسعة في العلاقات بين الدول وجيرانها، على خلفية نزاعات تاريخية تتعلق بالحدود أو الجزر الواقعة بينهما في البحر، ومن بين هذه النزاعات التي كثر الحديث عنها في الآونة الأخيرة جزيرة هانس، والتي يقوم بسببها نزاع تاريخي بين الدنمارك وكندا على أحقيه كل منهما في السيطرة عليها. وعلى الرغم من أن هذه الجزيرة القاحلة الجرداء لا عيش فيها ولا حياة، وتقع في أقاصي القطب الشمالي، إلا أنه دائمًا ما يحتدم النزاع حولها بين الدولتين، ويتسبب في سيل من الاتهامات المتبادلة بينهما، ويرفض كل طرف التنازل عنها؛ بزعم أنها تقع في مياهه الإقليمية، حتى اقترح الجانبان مؤخرًا إجراء مفاوضات بشأن تحويل هذه الجزيرة إلى منطقة تدار بشكل مشترك من سلطات البلدين، إلا أن هذا الأمر لم يتم. وتصل مساحة هذه الجزيرة غير المأهولة إلى 1.3 كليومتر مربع، وهي لا تمتلك أي موارد طبيعية، ولا يوجد فيها شيء ذو أهمية سوى محطة أرصاد جوية. لا أحد يعيش هناك، ولا توجد أي مصادر طبيعية تذكر، وتقع على مسافة شاسعة من الحياة المدنية المعروفة؛ ما يجعل التنازع عليها أمرًا غريبًا، إلا أن الكثير أرجع استمرارية التنازع إلى تاريخيته، وتفهم حكومتي الدولتين خطورة التنازل عنها من حيث تأثير التداعيات المحتملة جراء تنفيذ هذه الخطوة. فمنذ عام 1930 وهذه "الصخرة" في وسط المياه موضع خلاف؛ نظرًا لأن القانون الدولي ينص على أحقية المطالبة بالأراضي التي تقع داخل مسافة ال12 ميلًا بعيدًا عن شاطئ أي منطقة. ووفقا لأطلس العالم تقع الجزيرة في منتصف مضيق ناريس، الذي يفصل بين كندا وإقليم جرينلاند (بلد عضو في مملكة الدنمارك، وأعطتها الأخيرة حكمًا ذاتيًّا، لكن تحت حكم مركزي)، وبذلك فإن جزيرة هانس تقع في المياه الدنماركية والكندية على السواء، ولكن تكمن المشكلة هنا في وقوع هذه الجزيرة في محيط السيادة الإقليمية للدولتين؛ ما يعني أن للدولتين الحق في المطالبة بها، وكانت محكمة العدل الدولية الدائمة (في عهد عصبة الأمم) قد أقرت بملكية الدنمارك للجزيرة في عام 1933، ولكن المحكمة حلت فيما بعد، وتم إبدال محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة مكانها؛ ما جعل قرار ملكية الدنمارك للجزيرة لا قيمة له. وفي عام 1984 عاد التنازع على ملكية الجزيرة إلى الظهور مجددًا، حيث رفعت القوات الكندية علمها فوق الجزيرة، ووضعت إلى جانبه زجاجة "ويسكي"، الأمر الذي أغضب الجانب الآخر، فزار الوزير الدنماركي المكلف بشؤون جرينلاند الجزيرة، وأزال العلم، وترك زجاجة "الويسكي" مع جملة كتب فيها "مرحبًا بكم في الجزيرة الدنماركية"، فاحتدم النزاع بين البلدين منذ ذلك الحين فيما يعرف ب"حرب الويسكي". وفي 25 يوليو 2005 زار وزير الدفاع الكندي بيل جراهام الجزيرة، وأثارت الزيارة غضب الدنماركيبن، وأرسلت الحكومة الدانماركية رسالة احتجاج إلى كندا، كما بعثت كندا حينها سفينتين حربيتين إلى هانس؛ لتثبيت وجودها هناك، لكن اعترضت الدنمارك، الأمر الذي أدى إلى وضع تلك البلدين في 19 سبتمبر 2009 النزاع حول الجزيرة جانبًا؛ كون هناك مصالح مشتركة. ورغم أن الأحداث تشمل جزئيات تبدو أنها غير جدية وذات طابع فكاهي بين الجانبين في هذا الصراع، إلا أن الأمر لا يخفي تواصل الاختلاف حول الوضع الإقليمي للجزيرة، إذ إن تحديد الجهة التي تسيطر قانونيًّا على هذه الجزيرة التي تتداخل فيها مياه البحر مع اليابسة يجنبها الاتهام بالتسلل إلى المياه الإقليمية للآخرين، ويمكنها من بسط سيطرتها على المنطقة. فبينما تصبح مياه القطب الشمالي أقل انقسامًا؛ بسبب ذوبان بحر الجليد في كل عام، تزداد حركة السفن في المنطقة، ومن المهم معرفة ما هي الجهة التي تسيطر قانونيًّا على المنطقة التي تتداخل فيها مياه البحر مع اليابسة (المساحة التي تمتد إلى 22 كيلومترًا أو 12.6 ميل من شاطئ أي منطقة تعتبر ملكًا لمن يملك تلك المنطقة)؛ وذلك لتجنب الاتهامات بالتسلل إلى المياه الإقليمية. ومن هنا فإن سيطرة أحد الجانبين على الجزيرة يمكنه من الحصول على رسوم سير السفن في تلك المنطقة، وربما يكون هو السبب الأرجح للنزاع بين البلدين على الجزيرة. وبينما يتصاعد هذا النزاع الحدودي كل فترة، يلوح في الأفق سؤال مهم: لماذا يبقى هذا النزاع منذ مئات السنين حتى الآن دون أن يجد طريقه للحل على الرغم من أنها منطقة جرداء؟ جوناثان إيال، مدير الدراسات الأمنية في المعهد الملكي للخدمات الموحدة، يشرح السبب في حديث سابق له قائلًا "في كثير من الأحيان لا يتعلق الأمر بحق ملكية أو السيطرة على هذه المنطقة أو تلك بقدر ما هو نزاع حول مناطق الصيد، والمناطق التي يجري فيها التنقيب عن النفط والغاز"، لكن إيال يضيف أن هذه النزاعات لا تعود فقط للخلاف على المصادر الطبيعية أو الأطماع الحدودية، إذ إن الدول الكبيرة المعروفة حدودها لعشرات السنين هي في الغالب ما تكون أطراف النزاع حول هذه الجزر. ويؤكد إيال أن جزءًا من السبب في هذا هو أن هناك بعض الفائدة من إبقاء الوضع القانوني غير الواضح حول من يحق له السيطرة على هذه الجزيرة أو تلك، فقانون الحدود البحرية الدولي يطبق بالتقادم، بمعنى أن التنازل عن منطقة ما قد يكون له نتائج غير مقصودة في المستقبل. ويضيف إيال "إذا قررت دولة ما التنازل عن بعض المناطق، فسوف يستخدم نفس المبدأ لجعل التنازل يقبل بتفسير معين للقانون البحري في باقي المناطق المتنازعة ما لم يكن يقبل في السابق"، مؤكدًا "هذا يعني أن ترك الأمور معلقة شيء محبذ في أغلب الأحيان". ويوضح إيال أن "هناك حساسيات سياسية أيضًا تتسبب في إبقاء الوضع كما هو، فالسياسيون الذين تمكنوا من حل نزاع ما بالتنازل أو بالتفاوض حتى، يمكن أن ينتقدوا في المستقبل بسبب طريقتهم في معالجة الأمر. أما إبقاء الجدل مفتوحًا، فمن شأنه أن يحافظ على التزام الحكومة بسيادة البلاد"، متابعًا "إذا توصلت حكومة إحدى الدول إلى حل للنزاع، وانطوى هذا الحل على تنازل ما، فإنها ستتهم بخيانة بلدها أو التنازل عن منطقة تعود ملكيتها للشعب".