تأتي زيارة سامح شكري، وزير الخارجية، إلى لبنان الاثنين الماضي، في محاولة لإيجاد توافق بين الفرقاء اللبنانيين حول الملف الرئاسي، خاصة البلد العربي الشقيق بدون رئيس منذ انتهاء فترة حكم الرئيس السابق ميشال سليمان في مايو 2014، فبموجب اتفاق الطائف لاقتسام السلطة في لبنان والموقع عام 1989 لإنهاء الحرب الأهلية في البلاد، يتعين أن يكون الرئيس مسيحيا مارونيا. قال شكري، أمس، إنه يحمل أفكارا ومقترحات لتجاوز أزمة فراغ منصب الرئاسة في لبنان، لكن خطوات شكري الدبلوماسية في لبنان تشير إلى أنه لم يحمل في جعبته حلولًا لأزمة الرئاسة اللبنانية؛ حيث قالت مصادر واكبت لقاءات شكري، أنه لم يحمل معه أي مبادرة او اقتراحات محددة لحل أزمة الشغور الرئاسي، ولم يتحدث عن أي مساعٍ أو اتصالات يمكن أن تقوم بها مصر مع أي جهة إقليمية. أجرى شكري لقاءات مع بعض الأطراف السياسية اللبنانية في كتلة 8 أذار، التي تضم "حركة أمل، تيار المردة، حزب الله، والتيار الوطني الحر"، وأطراف سياسية لبنانية أخرى من كتلة 14 أذار ك"تيار المستقبل، القوات اللبنانية، حزب الكتائب"، حيث حضر شكري والسفير المصري في بيروت، محمد بدر الدين زايد، عشاء عمل مساء أمس، شارك فيه العديد من الرموز السياسية اللبنانية وممثليهم من مختلف المكونات والتوجهات، فمن فريق 14 أذار والشخصيات اللبنانية المحسوبة عليه كان العماد ميشال سليمان، رئيس الجمهورية اللبنانية السابق، وتمام سلام، رئيس الحكومة اللبنانية، وأمين الجميل، رئيس الجمهورية اللبنانية الأسبق، وفؤاد السنيورة، رئيس الوزراء الأسبق، والدكتور سمير جعجع، رئيس حزب القوات اللبنانية. وحضر من فريق 8 أذار، علي حسن خليل، وزير المال ممثلا لرئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، والعماد ميشال عون، رئيس تكتل التغيير والإصلاح والمرشح بقوة لرئاسة لبنان، وجبران باسيل وزير الخارجية، وريمون عريجي وزير الثقافة ممثلا للوزير سليمان فرنجية والمرشح المحتمل للرئاسة اللبنانية، فيما لم يلتق الوزير شكري بأي مسؤول من حزب الله الفاعل في الساحة السياسية اللبنانية. مشكلة الدبلوماسية المصرية في لبنان رغم أن الوزير شكري فضل لعب دور الناصح للفرقاء اللبنانيين، خاصة أنه لم يحمل بالفعل حلولًا حقيقية لملء الفراغ الرئاسي في لبنان، إلا أن سياسة مصر المتسمة بالرمادية لم تعطه الديناميكية المطلوبة في لبنان، فحتى دور النصح الذي تحاول القاهرة لعبه في لبنان، أصبح ثقيلا جدًا؛ لأنه لم يحظ بتوافق كل الفرقاء اللبنانيين، فبكل المعايير الوزير شكري أقرب لقوى 14 أذار من 8 أذار؛ من خلال التركة السعودية التي أثقلت كاهل الدبلوماسية المصرية، فمصر و14 أذار كلاهما محسوبان بطريقة أو بأخرى على السعودية، أو على الأقل يسيران على الخطوط العريضة التي رسمتها الرياض. شكري يزور لبنان وفي جعبته مواقف معدة سلفًا ضد فريق 8 أذار، وفي مقدمته حزب الله، فمصر أظهرت توافقًا مع الرياض التي سعت لاعتبار حزب الله منظمة إرهابية على مستويي اجتماع وزراء الداخلية العرب، واجتماع وزراء الخارجية في الجامعة العربية، حيث قرر وزراء خارجية الدول العربية في ختام اجتماع عقدوه في 11 مارس الماضي تصنيف حزب الله اللبناني تنظيما إرهابيا، كما أوقفت القاهرة بث قناة المنار التابعة لحزب الله من على قمر النايل سات المصري، وجميعها إشارات تصعيدية لا تبشر بأن مصر حتى الآن تستطيع ممارسة دور إيجابي على جميع الفرقاء اللبنانيين. وبعيدًا عن تبعات السياسة السعودية وتأثيرها الخطير على دور مصر الدبلوماسي، فالقاهرة نفسها انتهجت في الآونة الأخيرة خطوات تطبيعية كارثية تجاه الكيان الصهيوني، فشكري زار رئيس حكومة العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في القدس يوم 10 يوليو الماضي، الأمر الذي يصعب من مهمة مصر في إيجاد أرضية مشتركة مع الأحزاب المقاومة في لبنان، سواء الإسلامية كحركة أمل وحزب الله، أو المسيحية كتيار عون والمردة، الذين يعتبرون أن الكيان الصهيوني العدو الأول للبنان. وتندرج زيارة شكري للبنان تلقائيًا في اصطفاف فريق 14 أذار الذي لا يمانع من حيث المبدأ التقارب مع العدو الصهيوني، فرئيس الوزراء الأسبق فؤاد السنيورة، الذي ينتمي لقوى 14 أذار والتقاه شكري مؤخرًا، كان يضم في حكومته أحمد فتفت، الذي كان وزيرًا للداخلية اللبنانية بالوكالة أثناء حرب تموز 2006 ضد العدو الصهيوني، وأعطى وقتها الإذن للعميد عدنان داوود باستقبال جنود العدو الصهيوني وقدم لهم الشاي في ثكنة مرجعيون التابعة للجيش اللبناني في الوقت الذي كانت إسرائيل تقصف وتقتل أطفال لبنان. أما سمير جعجع الذي ينتمي لقوى 14 أذار، فحدث ولا حرج عن علاقته بالكيان الصهيوني، فالصورة التي التقطت لجعجع في كردستان أظهرته مع ضابط من الموساد الإسرائيلي معروف في الأوساط العراقية، وفي السادس عشر من سبتمبر عام 1982، تحركت قوات عسكرية إسرائيلية بأمر من وزير الدفاع آنذاك الصهيوني أريل شارون لمحاصرة "صبرا وشاتيلا"، وكان في التحالف مع القوات الإسرائيلية حزب الكتائب اللبناني، وجيش لبنان الجنوبي بقيادة إيلي حبيقة، ومساعده سمير جعجع. ويرى مراقبون أنه من الجيد أن يكون لمصر دور مميز في العلاقات الدبلوماسية على المستوى الإقليمي وحتى العالمي، لكن أن يكون هذا الدور ممثلُا لشخصيتها وهويتها وطابعها لا أن يكون مكملًا لدور دول إقليمية في المنطقة، وعلى مصر أن تأخذ بعين الاعتبار التطورات التي تحدث في سوريا، خاصة مرحلة ما بعد معركة حلب، التي ستنعكس بالضرورة على الملف اللبناني، التي من شأنها أن تعطي دورًا أكبر لأحد الفرقاء اللبنانيين في المجال السياسي بلبنان على حساب الآخر، فالتقارب المصري مع فريق سياسي لبناني على حساب الآخر بشكل غير مدروس، قد يكلف مصر الكثير كقوة من المفترض أن تكون فاعلة على الساحة السياسة العربية.