بعد مجموعة من التغيرات الدولية والإقليمية بدا تنظيم داعش الإرهابي في وضع لا يحسد عليه، وبدأ الحبل يشتد حول رقبة التنظيم الإرهابي شيئًا فشيئًا، الأمر الذي ينذر بقرب محاصرته تمهيدا للقضاء عليه، حيث يتم تقويض التنظيم في سوريا بخطوات متزامنة مع العراق وليبيا. منبج السورية تمكنت "قوات سوريا الديمقراطية" المدعومة من قبل الولاياتالمتحدةالأمريكية، من طرد مسلحي داعش من مدينة منبج شمال سوريا، والتي كان يسيطر عليها التنظيم الإرهابي منذ عامين، وبذلك يقطع الطريق أمام داعش نحو تركيا، حيث يشكل موقع منبج بوتقة استراتيجية هامة، فهي حلقة الوصل بين الحدود التركية ومدينة الرقة معقل داعش الرئيسي في سوريا. كما نجحت القوات الديمقراطية وهي الخليط المكون من عرب وأكراد في تحرير رهائن تم اختطافهم من داعش لتستخدمهم كدروع بشرية، وبلغ عدد الرهائن أكثر من ألفي رهينة، وتمكنت القوات الديمقراطية من تحرير منبج بعد سلسلة من المعارك الدامية استمرت قرابة الثلاثة أشهر. استفاد تحالف قوات سوريا الديمقراطية الذي يتكون أيضا من قوات حماية الشعب الكردي، من دعم الطيران الحربي الأمريكي الذي وفر له غطاء جويا أثناء الهجوم على التنظيم، وأفادت معلومات إعلامية بأن داعش لاذ بالفرار من المدينة على متن 500 سيارة مصطحبا معه بعض المدنيين. وتكمن أهمية تحرير منبج في أنها المرحلة التمهيدية لإطباق السيطرة على الرقة لاستئصال الورم الداعشي من أصله، ونشرت صحيفة "لاستامبا" الإيطالية تقريرا سلطت فيه الضوء على الأحداث المستجدة في كل من مدينتي الرقة ومنبج في سوريا، وعن تخطيط الأكراد للسيطرة على الرقة بمساعدة القوات الروسية والأمريكية، وهو ما يشير إلى أن معركة منبج لم تكن سوى تمهيد لهجوم أكبر وأوسع. وبين معركتي منبج والرقة، هناك معركة جرابلس حيث يسعى الأكراد إلى استكمال العمل على إنهاء سيطرة داعش عليها، فجرابلس تضم 20 ألف مواطن معظمهم من أصول كردية، ومن المفترض أن تبدأ هذه المعركة قبل البدء في الهجوم على الرقة، ولكنهم كانوا مطالبين بالتقيد بخريطة الطريق التي وضعتها واشنطن والتي تهدف من خلالها للقضاء على تنظيم داعش في سوريا والموصل قبل 8 نوفمبر المقبل، وهو شهر الانتخابات الأمريكية الرئاسية أيضا. الموصل العراقية كما كان التواجد الكردي حاضرًا وبقوة في مقاتلة داعش في سوريا كان حاضرًا وبقوة أيضًا في العراق، فإلى جانب البيشمركة الكردية تشارك قوات الأمن الكردية "الاسايش" أيضًا، وفي كلتا الحالتين فالتواجد الكردي مدعوم أيضًا بغطاء جوي أمريكي عبر التحالف الدولي. وقالت قوات كردية إنها استعادت السيطرة على قرى تحيط بمدينة الموصل التي استولى عليها داعش، وهي آخر مدينة كبيرة يسيطر عليها التنظيم في العراق، وبدأ الهجوم الكردي أمس الأحد بدعم من ضربات جوية نفذتها طائرات التحالف الدولي بقيادة الولاياتالمتحدة، كما تطوق القوات الكردية والقوات الحكومية العراقية مدينة الموصل، وهي ثاني أكبر مدينة في العراق بعد العاصمة بغداد، استعدادا لاستعادتها من سيطرة داعش، الذي استولى على المدينة في يونيو عام 2014. وكانت قوات البيشمركة الكردية قد أعلنت انتصارها على تنظيم داعش بعد انتزاع 11 قرية وضعت في خطتها في إطار هجومها الشامل على جبهات عدة عند المحيط الشرقي للموصل، ومعظم القرى تقع بين وردك والكوير. هذا وأفادت تقارير إعلامية أن مسلحي داعش واجهوا الغارات الجوية من خلال محاولة إرسال عربات مفخخة إلى الخطوط الأمامية للقوات الكردية في محاولة لإعاقة تقدمها. ويتزامن التقدم الكردي ضد داعش باتجاه الموصل بتواجد مهم للجيش العراقي، حيث تحاول القوات الحكومة العراقية التقدم باتجاه الموصل من ناحيتها الجنوبية، وفي السياق الحكومي، قال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، إن استعادة الموصل وطرد مسلحي داعش منها سيكون هزيمة فعلية للتنظيم في العراق. سرت الليبية في ليبيا يغيب العنصر الكردي لكن التواجد الأمريكي مازال يترك بصماته المشبوهة حول داعش، حيث تشهد مدينة سرت الليبية معارك بين القوات الموالية لحكومة الوفاق وعناصر من تنظيم داعش، وأعلنت قيادة القوات الحكومية التي تواصل تقدمها في المدينة الساحلية بسط السيطرة على عمارات ألف وحدة سكنية، مؤكدة أنها تواصل التقدم باتجاه الحي رقم اثنين. وكانت القوات الموالية لحكومة الوفاق الليبية قد أعلنت الأربعاء الماضي، في بيان لها، السيطرة على مقر قيادة تنظيم داعش في مجمع المؤتمرات في معقله بسرت. الناطق باسم "البنيان المرصوص" العميد محمد الغصري، قال إن تقدم قوات "البنيان المرصوص" في سرت تم "بفضل من الله ومن سلاح الجو الأمريكي الذي شن الأحد أكثر من 5 غارات على مواقع الجهاديين في سرت، مشيرا إلى أن هذا الإسناد الجوي أدى إلى تقليل الخسائر البشرية في صفوف القوات الحكومية، كما شدد الناطق على أن "المعركة عسكريا انتهت"، وأن "إعلان النصر لن يطول كثيرا"، من دون أن يحدد متى يتوقع حصول ذلك. واشنطن وورقة داعش داعش لا تترنح من الخارج فقط، فالتنظيم بدأ ينقسم من الداخل، حيث كشف مصدر محلي في محافظة كركوكالعراقية، أن عددا من قادة التنظيم في مناطق جنوب غربي المحافظة انقلبوا على زعيمهم أبو بكر البغدادي وبايعوا زعيم تنظيم "القاعدة" أيمن الظواهري. مساعي الإطاحة بالبغدادي تأتي بعد الخسائر التي مني بها "داعش" في العراق وفقدانه محافظتي صلاح الدين والأنبار وأجزاء واسعة من القيارة والشرقاط، الأمر الذي قد ينبئ بحدوث مواجهات مسلحة بين جناح البغدادي وجناح الظواهري الجديد. اللاعب الدولي الأبرز وهو الأمريكي، بدأ تحت الضغط الدولي والمحلي بمحاولة استثمار ورقة داعش المنتهية الصلاحية، فالرئيس الأمريكي باراك أوباما، قرر التخلص من داعش بعد ما وجهت إليه الاتهامات مباشرة بأنه هو من أسسها، حيث اتهم المرشح الجمهوري للبيت الأبيض دونالد ترامب، الأربعاء الماضي، أوباما بتأسيسه لداعش، كما طال الاتهام هيلاري كلينتون أيضًا، الأمر الذي قد يؤثر على حظوظ الحزب الديمقراطي في المنافسة على الانتخابات الأمريكية، وبالتالي يحاول أوباما القضاء على داعش في أسرع وقت ممكن ليتمكن من استثماره كانتصار يوظفه في المعركة الانتخابية في الداخل الأمريكي، كما أن تحول الموقف التركي الأخير باتجاه روسيا، سيعمل على محاولة واشنطن التعجيل في القضاء على داعش قبل أن تجهز روسيا عليه، فالولاياتالمتحدة تستخدم داعش كأسلوب غير مباشر لاحتلال الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم الإرهابي، فالتواجد الأمريكي في ليبيا النفطية قد يوضح بصورة أو بأخرى لماذا تحارب واشنطن في سرت.