تطور جديد على الساحة السياسية للعلاقات العراقية السعودية، حيث تحاول الأخيرة السيطرة على خيوط اللعبة في العراق من وراء الستار، مستغلة انشغال الحكومة العراقية وبرلمانها وقواتها بالمعارك الدائرة في بغداد لمواجهة تنظيم داعش؛ لتبدأ التخطيط والإعداد لمرحلة ما بعد تطهير العراق من التنظيم الإرهابي، خاصة مع اقتراب بغداد من هذا الهدف، بعد انتهاء مرحلة التحضير والدخول في معركة الموصل، التي تُعد الأصعب والأكبر بالنسبة للقوات العراقية. مع التحضير لانطلاق معركة تحرير الموصل، وموافقة رئيس الوزراء العراقي على مشاركة الحشد الشعبي في عمليات تحرير نينوى والشرقاط، أصدر رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، أمرًا ديوانيًّا، يصنف فيه الحشد الشعبي كقوة رسمية تتبع رئاسة الوزراء، ووفق الأمر الديواني فإن الحشد سيكون له قائد ونائب قائد وألوية ودوائر، وسيتم تدريبه وتجهيزه، وأضاف الأمر الصادر عن رئاسة الوزراء "بناءً على مقتضيات المصلحة العامة ولغرض إعادة تشكيل هيئة الحشد الشعبي؛ تقرر جعل الحشد تشكيلًا عسكريًّا مستقلًّا وجزءًا من القوات المسلحة مرتبطًا بالقائد العام للقوات المسلحة، إضافة لعمله بنموذج يضاهي جهاز مكافحة الإرهاب الحالي من حيث التنظيم والارتباط، فضلًا عن تألفه من قيادة وهيئة أركان وصنوف وألوية مقاتلة". من جانبه أكد الممثل الرسمي للحشد الشعبي، أحمد الأسدي، أن تشكيله هذا سيكون مرتبطًا بوحدات مكافحة الإرهاب ليس في الهيكل التنظيمي فقط، بل في برنامج تدريب الجنود والتجهيزات التكتيكية، وعند ذلك سيمتثل الحشد الشعبي للقائد العام للقوات المسلحة العراقية، حيدر العبادي، ورحبت بعض قيادات الحشد بالقرار، معتبرة إياه قوة إضافية لكلا الطرفين، حيث قال السياسي العراقي والمسؤول السابق في البرلمان، عبد الحق برهوم، إن القرار صائب، ويجنب الدولة كثيرًا من الشقاقات والخلافات، ويدعم القوة الضاربة ضد التنظيمات الإرهابية، وأضاف أنه في الوقت الذي استمرت فيه العمليات العسكرية على عدة محاور في العراق، نجد أن جبهة الموصل تشهد تصعيدًا واضحًا؛ ما يدعم صحة القرار وصواب وقت التنفيذ. معارك عدة أنجزتها القوات المسلحة العراقية بمساندة العشائر الشعبية، فمنذ تولى رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، مهام عمله في أغسطس عام 2014، توالت الإنجازات، وتمكنت القوات العراقية من تحرير العديد من المدن الاستراتيجية الهامة من تنظيم داعش. وبجانب عمليات التحرير والمعارك التي تخوضها القوات المسلحة العراقية، كان العبادي يحاول لعب دور قوي في نبذ التوتر الطائفي، وتوحيد القوات العراقية بجميع أطيافها تحت هدف واحد وهو تحرير العراق، وهو ما نجح فيه رئيس الوزراء بشكل كبير، وساعد في إحراز مزيد من التقدم على التنظيمات والجماعات المتطرفة، لكن هذا لم يرُقْ للعديد من الدول التي تسعى إلى تفكيك العراق وتمزيقها وإشعال الفتن فيها، وعلى رأسها السعودية. دأبت السعودية منذ اليوم الأول لانطلاق معركة تحرير مدينة تكريت، مركز محافظة صلاح الدين، العام الماضي، على بث الفرقة بين القوات المسلحة والحشد الشعبي، من خلال الترويج لشائعات تفيد بارتكاب الحشد ممارسات عنيفة وطائفية وانتقامية بحق أهالي المدينة، وهو ما يشبه الحرب النفسية التي تشنها القوى الدولية الداعمة لداعش، وتكرر الأمر في معركة تحرير مدينة الفلوجة قبل أشهر، خاصة بعد أن أثبت الحشد جدارته في تحرير الكثير من المناطق، من بينها جرف الصخر، آمرلي، ومدينة ومصفى بيجيجنوب مدينة الموصل، وجزيرة سامراء وغيرها من المناطق، لاسيما في محافظات ديالى وصلاح الدين والأنبار، حيث قادت المملكة حملات تشهير بقوات الحشد، الأمر الذي أدانته الحكومة العراقية، واعتبرته تدخلًا سافرًا في الشؤون الداخلية للعراق، لكن الرياض اختارت التصعيد على لسان سفيرها بالعراق، ثامر السبهان، الذي قال إن قوات الحشد الشعبي التي تقاتل تنظيم داعش لا تلقى قبولًا لدى الأكراد وأبناء السنة في البلاد. بعد فترة تطور الانتقاد السعودي للحشد الشعبي، فبعد أن كان مقتصرًا على تصريحات السفير السعودي في العراق، انتقلت الانتقادات إلى وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، الذي دعا إلى تفكيك ميليشيات الحشد الشعبي التي تقاتل إلى جانب الجيش العراقي ضد تنظيم داعش، متهمًا إياها بتأجيج التوتر الطائفي، الأمر الذي أثار حفيظة العديد من القيادات العراقية، وعبرت عنه وزارة الخارجية العراقية، التي أشارت إلى رفضها وانزعاجها إزاء التدخل المتكرر من المملكة العربية السعودية في الشؤون الداخلية للبلاد، وأكدت أن الحشد الشعبي هيئة رسمية تشكّلت من متطوعين يمثلون مكونات الشعب العراقي كافة، وتطور الأمر إلى دعوة بعض البرلمانيين إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع المملكة نهائيًّا وطرد السفير وإغلاق السفارة السعودية في بغداد. بعد أن قطع رئيس الوزراء العراقي الطريق على المملكة السعودية بقرار ضم الحشد للقوات المسلحة العراقية الرسمية، بدأت المملكة في البحث عن خطة بديلة، تستطيع من خلالها الحفاظ على هدفها في ألا يسترد العراق عافيته من تنظيم داعش الإرهابي، وألا يكون موحدًا ومستقلًّا. وتتمثل الخطة البديلة في الترويج لفكرة تقسيم العراق واستقلال بعض الأقاليم العراقية عن الدولة، حيث تنظم المملكة في أغسطس المقبل مؤتمرًا هو الأول من نوعه لما يسمى المعارضة العراقية؛ لمناقشة مصير مناطق غرب العراق بعد تحريرها من سيطرة تنظيم داعش، الأمر الذي يعني تبني الرياض رسميًّا قضية تقسيم العراق إلى أقاليم، وهو ما رفضته الحكومة العراقية مرارًا.