"قمة الساعات الست"، أو "قمة بلا قيمة".. هكذا أطلق العديد من وسائل الإعلام والمسؤولين والخبراء العرب على أعمال القمة العربية السابعة والعشرين في العاصمة الموريتانية نواكشوط، فعلى الرغم من أن القمة جاءت في أجواء غير عادية تشتعل فيها أوضاع المنطقة العربية وتتغير فيها استراتيجية وتحالفات العديد من الدول، إلا أن القمة كانت أقل من عادية، وخرجت بقرارات باهته وإدانات فارغة من مضمونها، ناهيك عن الفوضى والحضور العربي غير اللائق. افتتح "مَنْ حضر" من الدول العربية أمس الاثنين، أعمال قمة جامعة الدول العربية، في العاصمة الموريتانية نواكشوط، التي تستضيف القمة للمرة الأولى منذ انضمامها إلى الجامعة في العام 1973، تحت شعار "قمة الأمل"، ومنذ الافتتاح ظهرت العديد من المؤشرات التي شكلت دليلا واضحا على ضعف القمة وخلوها من مضمونها، وإشارة إلى بيان ختامي باهت وغير لائق بتاريخ الجامعة ولا يحمل أي أمل لمستقبل الدول العربية. غياب ملحوظ كانت البداية مع الإعلان عن أن القمة ستعقد ليوم واحد فقط بدلًا من اثنين، بسبب حضور 7 قادة عرب فقط من بين قادة 22 دولة باستثناء سوريا التي بقى مقعدها شاغرا منذ عام 2011، حيث حضر إلى نواكشوط رؤساء اليمن والسودان وجيبوتي والصومال وجزر القمر، وأمراء قطروالكويت، إضافة إلى رئيس الدولة المضيفة، محمد ولد عبد العزيز. في الوقت نفسه تغيب أبرز القادة والملوك العرب، وعلى رأسهم الملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز، الذي قيل إنه اعتذر عن الحضور لأسباب صحية، ووكل رئاسة الوفد السعودي إلى وزير الخارجية، عادل الجبير، كما تغيب الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي تواردت أنباء عن وجود مخطط لاغتياله في موريتانيا، الأمر الذي دفعه إلى عدم الحضور، وكلف رئيس مجلس الوزراء، المهندس شريف إسماعيل، برئاسة وفد مصر. يضاف إلى قائمة الغائبين، العاهل الأردني، عبد الله الثاني، الذي أوفد رئيس وزرائه هاني الملقي، لتمثيل بلاده في القمة، والعاهل المغربي، محمد السادس، إلى جانب العاهل البحريني، حمد بن عيسى الخليفة، والرئيس الفلسطيني، محمود عباس، نظرًا لوفاة شقيقه في قطر منذ يومين وتوجهه إلى هناك للعزاء، بينما اختارت دولة الإمارات أن يرأس وفدها الشيخ حمد بن محمد الشرقي، حاكم إمارة الفجيرة، التي تعتبر واحدة من أصغر إماراتها، واعتذر الرئيس العراقي، فؤاد معصوم، عن المشاركة لأسباب لم يفصح عنها، وأرسل محله وزير الخارجية، إبراهيم الجعفري، ليترأس الوفد العراقي، وكذلك ترأس وفد سلطنة عمان ممثل خاص للسلطان قابوس، كما تغيب الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، لأسباب صحية، ليمثله رئيس مجلس الأمة، عبد القادر بن صالح، واكتفى أمير قطر بحضور جلسة الافتتاح، فيما بقي مقعد سوريا شاغرًا. بلا مضمون البيان الختامي للقمة العربية التي استمرت 6 ساعات، لم يحمل أي جديد على الساحة العربية، حيث اكتفى ببعض الإدانات والمطالبات والمناشدات الباهته، فقد أكد القادة العرب مجددًا على مركزية القضية الفلسطينية في العمل العربي المشترك، وعلى المضي قدمًا في دعم صمود الشعب الفلسطيني في وجه العدوان الإسرائيلي الممنهج، وعلى تكريس الجهود كافة في سبيل حل شامل عادل ودائم يستند إلى مبادرة السلام العربية ومبادئ مدريد وقواعد القانون الدولي والقرارات الأممية ذات الصلة، كما رحب المؤتمرون بالمبادرة الفرنسية الداعية إلى عقد مؤتمر دولي للسلام ووقف جميع الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية. وطالب الزعماء والقادة العرب المجتمع الدولي بتنفيذ القرارات الدولية القاضية بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي والانسحاب من كامل الأراضي العربية المحتلة، بما في ذلك الجولان العربي السوري والأراضي المحتلة في جنوبلبنان إلى حدود الرابع من يونيو 1967. بعد سرد الحديث الذي بات محفوظا في كل قمة بشأن فلسطين، تناول البيان الختامي الشؤون الليبية واليمنية والعراقية، حيث دعا القادة العرب الحاضرون الأطراف في ليبيا إلى السعي الحثيث لاستكمال بناء الدولة من جديد والتصدي للجماعات الإرهابية، وناشدوا الفرقاء في اليمن تغليب منطق الحوار والعمل على الخروج من مسار الكويت بنتائج إيجابية تعيد لليمن أمنه واستقراره ووحدة أراضيه في أقرب وقت، كما أكدوا على دعم العراق في الحفاظ على وحدته وسلامة أراضيه ومساندته في مواجهته للجماعات الإرهابية وتحرير أراضيه من تنظيم داعش الإرهابي. في ختام أعمال القمة جاءت كلمة الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، التي نالت قدرا كبيرا من السخرية العربية، حيث قال إن القمة العربية أثبتت أن العرب ليسوا كيانًا ميتًا، مشيرا إلى أن القمة العربية عقدت في ظروف غير عادية لأن موريتانيا تمكنت خلال 3 أشهر ونصف الشهر من أن تنظم قمة ناجحة دون أية سلبيات، مما يدل على القدرة التنظيمية الجيدة للغاية، على حد قوله، كما أوضح أن نواكشوط أطلقت على القمة عنوان "قمة الأمل" لإعطاء الأمل للشعوب العربية، لافتًا إلى أن العالم العربي ألمّت به في السنوات الأخيرة الكثير من المآسي التي تبعث على الحزن. أجندات خاصة بعيدًا عن ما سبق، فقد فضحت القمة العربية مدى سيطرة أجندات بعض الدول عليها، وأبرزها السعودية، حيث حمل البيان الختامي تنديدا بالتدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية للدول العربية، في إشارة إلى الخلافات القائمة بين طهران والسعودية، ولكن في الوقت نفسه فشلت الضغوط السعودية في إصدار قرار عن القمة باعتبار حزب الله حركة إرهابية، مثلما فشلت أيضًا في فرض مشاركة وفد للمعارضة السورية، ولو بصفة مراقب في المؤتمر. من سيئ إلى أسوأ القمة هي الأولى للأمين العام الجديد لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، الذي تولى مهام منصبه مطلع يوليو الجاري، وعلى الرغم من أن الدورة الحالية لهذه القمة كانت مبعثرة بين الدول بعد أن اعتذرت المغرب عن استضافتها في فبراير الماضي بسبب الوضع العربي البائس وعدم توفر الظروف الموضوعية لإنجاحها، وحاولت موريتانيا إنقاذ الموقف من خلال التطوع لاستضافتها، إلا أن ذلك لم ينجح القمة أيضًا، فيبدو أن فشلها لا يكمن في مكان انعقادها أو تغيير أمينها العام، بل يكمن في عقول قياداتها وزعمائها والوضع العربي الذي بات بائسا ومنقسما على نفسه، الأمر الذي يدفع إلى القول بأن المغرب كانت على حق عندما اعتذرت عن تنظيم القمة لمعرفتها المسبقة بفشلها، وأن سوريا قد أصابت عندما قالت إنها لا تفكر في العودة إلى الجامعة العربية طالما بقيت رهينة لهيمنة دول معروفة بتآمرها على سوريا وتتحمل المسؤولية عن حالة التشرذم والضعف وانقسام الصف العربي.