تشهد الساحة الغربية عامة والفرنسية خاصة، تزايدًا في وتيرة العمليات الإرهابية، وكان لباريس نصيب الأسد منها، فمن هجمات باريس التي راح ضحيتها أكثر من 140 شخصًا، إلى عملية الدهس في مدينة نيس ومقتل 84 شخصًا، إلى مقتل قس فرنسي ذبحًا على يد رجلين مسلحين اقتحما كنيسة «سانت إتيان دو روفري» في شمال فرنسا واحتجزا رهائن فيها الثلاثاء الماضي، وأكدت الشرطة الفرنسية أنها صفت المسلحين اللذين قاما بالعملية الإرهابية، وحتى الآن يبقى القاسم المشترك الأكبر بين جميع العمليات الإجرامية هو تنظيم داعش الإرهابي، فمن خلال وكالة أعماق التابعة لداعش تبني التنظيم الهجوم الأخير على الكنيسة الفرنسية، وأكد أن منفذي الهجوم كانا من مقاتليه. مقتل القس الفرنسي جاك هامل البالغ من العمر 84 عامًا، دفع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند صبيحة الأربعاء، لعقد اجتماع مع ممثلي الديانات المختلفة في فرنسا، حيث ضم الاجتماع الذي عقد بقصر الإليزيه وبحضور رئيس الوزراء مانويل فالس، ووزير الداخلية والأديان برنار كازنوف، كل من الكنائس الكاثوليكية والأرثودوكسية والبروتستانتية، بالإضافة إلى ممثلي الإسلام واليهودية والبوذية في فرنسا، حيث تم تناول تطورات حادث الكنيسة وضرورة التصدي لمساع تنظيم داعش الإرهابي لتأليب الفرنسيين على بعضهم. حلول هولاند تكمن أهمية خطوة الرئاسة الفرنسية بعقد اجتماع مع ممثلي الديانات المختلفة لمحاولة احتواء الأزمة الحالية في فرنسا جراء الإرهاب، في أن هولاند يحاول حتى الآن إيجاد حلول ضمن أطر قانونية، حيث رفض هولاند الدعوات اليمينية إلى تشديد قوانين مكافحة الإرهاب إثر الاعتداء على الكنيسة، معتبرا أن القوانين التي تم التصويت عليها منذ العام 2015 تمنح السلطات «القدرة على التحرك»، إلَّا أن حلول هولاند افتقرت إلى الشمولية، فممثلو الديانات طالبوا بتعزيز الإجراءات الأمنية لأماكن العبادة، الأمر الذي لا يقدم حلول ناجعة لمحاربة الإرهاب، خاصة أن حلول القضاء على الإرهاب تبدأ من الخارج قبل الداخل. فرنسا والأزمة السورية لا يجب إغفال أن تصاعد الإرهاب في الساحات الغربيةكفرنسا والولايات المتحدةوألمانيا وبلجيكا، مرتبط إلى حد كبير بمجريات الأمور على الساحة السورية، فكلما زاد دعم المجموعات الإرهابية في سوريا كلما زادت العمليات الإرهابية التي تطال جميع بلدان العالم، فسوريا ليست منطقة معزولة جغرافيًّا عن العالم. ويبدو أن الدول الغربية ستظل تدفع فاتورة دعمها للإرهاب في سوريا ما لم تغير من سياستها التي تنتهجها، فبحسب تقارير دولية كالعفو الدولية، فإن دولًا غربية كالولايات المتحدةالأمريكية متورطة بدعم المجموعات الإرهابية في سوريا، كما أن دولًا عربية وغير عربية تربطها علاقات قوية جدًّا بالحكومات الغربية كالسعودية وقطر وتركيا يدعمون الإرهاب في سوريا، وسكتت هذا الحكومات الغربية عن ممارسات هذه الدول العربية في دعم الإرهاب، خاصة أن دولًا كأمريكا وبريطانيا وفرنسا كانت توظف الجماعات الإرهابية بسوريا في صالحها لخلق ما يسمى الشرق الأوسط الجديد، حيث قبلت هذا الدول دعم الإرهاب مقابل إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، الذي كان يشكل حجر عثره هو وحزب الله وإيران في تمرير مخططاتهم الاستعمارية في المنطقة. وفي ألمانيا على سبيل المثال لا الحصر، أكد محللون سياسيون وخبراء الشؤون الدولية، أن انتشار الإرهاب في ألمانيا الآونة الأخيرة يعود إلى السياسات التي تقبل عودة العناصر الألمانية المتطرفة، التي سافرت إلى العراقوسوريا وتلقت تدريبات مسلحة هناك، ولها اتصالات بعناصر وتنظيمات متطرفة، مما أدى لتفشي الفكر المتشدد بين أفراد صغار السن وبلا سجل إجرامي. لكن يبدو بأن السياسة الغربية بدأت تنفضح أمام شعوبهم، حيث باتت ترتفع أصوات في الداخل الغربي تدعوا حكوماتها لتقويم سياستها، ففي فرنسا قالت زعيمة اليمين الفرنسي المتطرف مارين لوبين، خلال جلسة في البرلمان الأوروبي بستراسبورغ عقدت الاثنين: السعودية وقطر وتركيا باتوا أعداء لنا ولابد أن نستبدلهم بمصر والإمارات وإيران، وتابعت: لذلك أنا أقترح تغيير تحالفاتنا ونعتبر بأن كل الذين يكافحون ضد الأصولية الإسلامية حلفاء لنا بدون تحفظ، وبطبيعة الحال يشمل دولا مسلمة من الذين يكافحون الأصولية الإسلامية مثل مصر والإمارات وإيران، وغير مسلمة كروسيا بطبيعة الحال. وبالنسبة للولايات المتحدة، بدأت أحزاب كبيرة كالحزب الجمهوري تظهر رغبتها باعتماد سياسة جديدة من الملف السوري، بحيث تعطي الأولوية لمحاربة داعش والنصرة الإرهابيتين على حساب الدعوات البائسة بإسقاط الأسد. الغرب مسؤول عن الفوضى في الشرق الأوسط لم يعد موقف الغرب مقبولًا بسكوته تجاه تراجع الأممالمتحدة عن تقريرها، الذي يدين السعودية بانتهاك جرائم حرب بحق الطفولة اليمنية، كما لم يعد مقبولًا دعمهم لها بالسلاح، فالدول الغربية تدعم السعودية بصفقات السلاح، التي تتجاوز قيمتها مليارات الدولارات، ثم تأتي لتندد بالإرهاب الذي يطال بلدانها بين الفينة والأخرى، فالسعودية وبحسب شهادة مرشحة الحزب الديمقراطي للمقعد الرئاسي الأمريكي هيلاري كلينتون هي من كونت تنظيم القاعدة في أفغانستان، وفي وقت سابق نددت كلينتون بدور السعودية والكويت وقطر في تمويل منظمات متطرفة، ورغم التنديدات الشكلية للدول الغربية للسعودية، إلَّا أنها مازالت تدعم السعودية في سياستها العدوانية في سوريا واليمن والبحرين والعراق. ولا يجب إعفاء المجتمع الغربي من انتشار الإرهاب في العالم، فتقرير تشيلكوت البريطاني، الذي خرج إلى النور مطلع الشهر الجاري، أشار إلى أن التدخل الأمريكي والبريطاني كان مبنيًّا على حجج كاذبة كامتلاك العراق لأسلحة نووية، لكن في نهاية الأمر لا أحد ينكر أن الغزو الأمريكي البريطاني ساعد على انتشار الإرهاب في العراق ومنه إلى سوريا. كما أن المقاتلات الفرنسية أودت مؤخرًا بحياة أكثر من 120 مدنيًّا في مدنية منبج السورية وقتلتهم بدم بارد، فالحروب التي تدعمها الدول الغربية في منطقة الشرق الأوسط لتحقيق مكاسب سياسة لها، لابد أن ترتد عواقبها السلبية عليها، فكما أنه لا خسائر مطلقة، فإنه لا مكاسب مطلقة.