تحولت الوحدات الصحية بقرى الغربية إلى مصائد للموت، ومن يفلت منه، يصاب بعاهة مستديمة، أو يدخل في غيبوبة تنتهي بالوفاة. بعض الأطباء يلقون بالمسؤولية على القضاء والقدر، والبعض الآخر يلقي باللوم على سوء الإدارة وضعف الإمكانات، ولكن الأخطاء القاتلة لا تتوقف، والمسؤولين لا يتوقفون عن التبرير وتأكيد أنهم يتابعون ويطورون. الدكتور عبد الفتاح عرفة، مراقب أول الأوبئة، قال إن معدل الإصابة بأمراض التهاب الكبد الوبائي (فيروس C) والفشل الكلوي وأمراض السرطان وأمراض الجهاز التنفسي وغيرها من الأمراض ارتفع بقرى الغربية، لدرجة أنه تم إطلاق ألقاب، مثل "قرية السرطان"، و"القرية المنكوبة"، على بعض القرى التي توغل فيها المرض، وأصاب العديد من مواطنيها، وأودى بحياة الآخرين، مشددًا على أن الأمر يحتاج إلى مزيد من الاهتمام. وأكد محمد أحمد حسن، موظف، أن الوحدات الصحية تحولت إلى خرابات تسكنها الأشباح، بعد أن خلت تمامًا من الأطباء والأدوية، موضحًا أن وزارة الصحة قبل عامين قررت تحويل المستشفيات التكاملية إلى وحدات لطب الأسرة، من المفترض أن تؤدي نفس الدور الذي تؤديه الوحدات الصحية، لكنها تعاني هي الأخرى من الإهمال، الأمر الذي دفع الأهالي لمطالبة وزارة الصحة بالتدخل؛ لانتشال الوحدات الصحية من حالة التدهور التي تعاني منها. وقال محمد جمال، مدرس، إن الوحدة الصحية بقرية كتامة التابعة لمركز بسيون تخلو تمامًا من العمال والأطباء، وعندما يتعرض أحد من الأهالى للإصابة، نحمله على الأكتاف؛ لعدم وجود سيارة إسعاف بأكبر قرى المركز، ونذهب إلى الوحدة الصحية، فلا نجد من يسعفنا، وحدث أن سيدة مصابة بارتفاع شديد في درجة الحرارة، نزل شقيقها ليسأل عن طبيب الوحدة، فلم يجده، وعادت المريضة للبحث عن مكان آخر للعلاج، كما حدث أن عروسين لقيا مصرعهما منذ أيام، بعد أن تم حملهما إلى الوحدة، ولم نجد أي أطباء، وماتا أثناء ذهابنا بهما إلى مستشفى جامعة طنطا، متسائلًا: لماذا تم إنشاء الوحدات الصحية بالقرى من الأساس إذا كانت لا تخدم أهلها؟ وكشفت وفاء الصعيدي، ربة منزل، أن الوحدة الصحية بقرية الدلجمون بمركز كفر الزيات لا توجد بها أدوية ولا تخصصات طبية، ويتم نقل الحالات المرضية إلى مستشفى كفر الزيات المركزي أو مستشفيات طنطا، وطالبت المسؤولين بتجهيز الوحدات الصحية وتوفير الرعاية الكاملة للمرضي بها أو إغلاقها. وكشف محمد الجندي، موظف، أن وحدة طب الأسرة بقرية كفر الشيخ مفتاح مركز السنطة كانت مستشفى تكامليًّا، وتم تحويله إلى وحدة لطب الأسرة، وتم نقل الأجهزة الحديثة إلى خارج الوحدة، وحاليًّا هذه الوحدة ليس لها أي دور، فلا أطباء ولا أدوية، ويتم نقل جميع المرضى إلى مستشفيات المراكز المجاورة. وقال أحمد لاشين، طالب من أبناء قرية كفر العرب مركز قطور، إن الوحدة الصحية بالقرية مغلقة معظم الوقت، وتعاني من نقص شديد في الأدوية والتخصصات الطبية، وحتى تركيب المحاليل للمرضى لا يتوفر بها؛ لعدم وجود سراير مجهزة، فمعظمها بلا مراتب، والحمامات حدث ولا حرج، ويتم إجبار المرضى على شراء الأدوية والمستلزمات الطبية من الخارج، رغم وجود مناقصة كل عام لشراء أدوية ومستلزمات بملايين الجنيهات لتلك الوحدات، كما أن الأطباء يعاملون المرضى بطريقة غير آدمية، مطالبًا المسؤولين بمديرية الصحة بالمرور على الوحدة؛ للتأكد من القصور الموجود بها، والذي لم يتغير منذ سنوات. وقال علي الغزيري، عامل: أرسلنا العديد من الشكاوى لكافة المسؤولين لإنقاذنا من الإهمال الإداري والصحي بالوحدة الصحية بقرية شقرف مركز طنطا، ولا مجيب. مؤكدًا أنهم يعانون أشد المعاناة من سوء خدمات الوحدة الصحية بالقرية وتعطل الأجهزة الطبية بشكل دائم وعدم قيام الأطباء بأعمالهم وواجبهم الطبى تجاه المرضى، وهو ما ساهم في انتشار الأمراض بين أهالي القرية كبارًا وصغارًا، مطالبًا بتطوير وحدة القرية التي تحولت إلى مكان لإيواء الحيوانات. ونبه ياسر المسيري، والد طفل السرطان الذي قابل الرئيس السيسي من قبل، إلى أن الوحدة الصحية بقرية كفر مشلة التابعة لمركز كفر الزيات تعاني من عدم وجود أي طبيب بها، إضافة للممرضات، وأن القرية تشهد إصابة العديد من المواطنين بمرض السرطان، ولقبت القرية بأنها بلد السرطان؛ وذلك بسبب الإهمال الطبي الموجود وتلوث مياه الشرب، لافتًا إلى وجود قرار من محافظ الغربية بضرورة وجود إخصائي بكل وحدة صحية، ولكن للأسف الوحدة الصحية الخاصة بالقرية لا يوجد بها أي طبيب. وأرجع الدكتور السيد قاعود، مدير الإدارة الصحية بالمحلة، ارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض بقرى الغربية لعدة أسباب، أهمها التلوث البيئي بكافة صوره وأشكاله، خاصة المجاري المائية من الترع والمصارف، والتي أصبحت المكان المفضل للتخلص من الحيوانات والطيور النافقة، بالإضافة إلى صرف مجاري المنازل فيها، حتى أصبحت مصدرًا لعديد من الأمراض، مشيرًا إلى أن معظم سكان القرى بالغربية مزارعون، ويستخدمون الترع والمصارف في ري أراضيهم الزراعية، وبالتالي فهم معرضون يوميًّا للإصابة بالأمراض الفتاكة التي تنهش أجسادهم. وحمل قاعود المسؤولين والأهالي مسؤولية ذلك، قائلًا: المسؤولية مشتركة بين الأهالي والمسؤولين، من حيث انخفاض الوعي البيئي لدى الأهالي بخطورة مثل هذه الممارسات، وعدم توفر البدائل لديهم للتخلص من المخلفات، ثم غياب مراقبة الأجهزة المحلية للإهمال داخل الوحدات الصحية، مشددًا على أنه لو كان هناك اهتمام حقيقي بتنمية الريف، فالأهم هو الارتقاء بالعنصر البشري وتحسين الخدمة المقدمة له صحيًّا، وهو أمر لا بد وأن يعيه القائمون على أمر الوحدات الصحية بمديرية الشؤون الصحية بالغربية ووزارة الصحة. فيما أبدى اللواء أحمد ضيف صقر، محافظ الغربية حزنه الشديد لما وصلت إليه الصحة بالمحافظة، مؤكدًا أن هدفه خلال الفترة المقبلة هو تطوير الوحدات الصحية، والقيام بزيارات مفاجئة لجميع المستشفيات؛ لتلافي القصور في الخدمة الطبية، والناتج في معظمه عن سوء الإدارة وعدم انتظام الأطباء وعدم استغلال الإمكانات المتاحة لتحقيق أفضل نتائج ممكنة، وهو ما جعله يطالب بسرعة إعداد ملف كامل بالمشاكل التي تواجه قطاع الصحة؛ لمتابعته بصفة دورية؛ حتى يتم حل هذه المشاكل والمعوقات. من جانبه أكد الدكتور محمد شرشر، وكيل وزارة الصحة بالغربية، فى تصريحات ل "البديل"، أن الوحدات الصحية بالقرى تعاني عجزًا في تخصصات الأطباء، كما أكد أن مديرية الصحة تبذل كافة جهودها حاليًّا لاستكمال نقص الأطباء، وأكد أيضًا أن أي قصور إداري أو طبي يعمل على معالجته، ثم شدد على وجود متابعة ومرور متواصل على كافة الوحدات، سواء من المديرية أو رؤساء الإدارات الصحية ورؤساء المراكز، مؤكدًا: أي قصور نواجهه بحسم، على حد قوله، مشيرًا إلى أن هناك اتجاهًا حكوميًّا لتحويل بعض الوحدات في القرى الكبيرة إلى نظام مركزي لخدمة المرضى، مختتمًا مؤكدًا أنه لا يتهاون مع أي مقصر، وأنه أحال أمس 8 أطباء وكاتب صحة ببعض الوحدات الصحية للتحقيق؛ بسبب عدم الانضباط وترك العمل في مواعيد الدوام الرسمية، رغم توقيعهم بدفتر الحضور بقرى الروضة وخزاعل وبلاي مركز السنطة.