"أولوا الأمر هم العلماء وحملة الشريعة والسلطان العادل، وهذا رجل ظالم حتى السلطان والخليفة إذا سار في الناس بالجور فإنهم يعزلونه و يخلعونه". هذا ما قاله الزعيم عمر مكرم ردا على عمر بك مستشار خورشيد باشا، عندما عنفه على موقفه وردد له قوله تعالى: "أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ" لم يكن عمر مكرم زعيما شعبيا عاديا، مثل باقي الزعماء، بل كما قال الرافعي: "كان للشعب زعماء عديدون يجتمعون ويتشاورون ويشتركون في تدبير الأمور، ولكل منهم نصيبه ومنزلته، ولكن من الإنصاف أن يعرف للسيد عمر مكرم فضله في هذه الحركة فقد كان بلا جدال روحها وعمادها". مولده ومكانته بين الناس. "1750م/1822م" ولد الزعيم الشعبي عمر مكرم حسين السيوطي عام 1750م بأسيوط في أسرة من الأشراف والأشراف هم من ينسبون لآل البيت النبوي ومن ثم كانت لهم مكانة عالية بين الناس عامة، وعند الأمراء والحكام خاصة، وكانت الأسر العريقة من الأشراف تحافظ على مكانتها حيث كانت العادة أن يختار من بينهم نقيب الأشراف، الذي كان ذا كلمة مسموعة وشفاعة مقبولة عند الحكام لقضاء حوائج الناس وتخفيف الظلم عنهم، وهنا تولى عمر مكرم نقابة الأشراف في مصر عام 1793م. نضاله ضد استبداد الحكام والحملة الفرنسية عندما جاء عام 1209 ه1795م كان الشعب المصري قد ضاق ذرعا بما يفرض عليه من ضرائب وجبايات تجمع بالقوة، فلم يكن له بدا إلا أن يستنجد بالزعماء والعلماء الذين كان لهم مكانتهم عند الحكام فاستجاب العلماء لمطالب الشعب وكان على رأسهم عمر مكرم الذي تقدم وقاد هذه الحركة الشعبية ضد كل من "إبراهيم بك" و"مراد بك" ذلك في عام 1795م، ثم طالب مكرم برفع هذه الجبايات والضرائب عن كاهل الفقراء الذين لا طاقة لهم بها وإقامة العدل في حكم الشعب والاحتكام إلى الشريعة الإسلامية وتطبيقها. كانت قيادة مكرم لهذه الحركة الشعبية تعد بداية توغله واحتكاكه الذي سيكون مطلقا في السياسة، فهو الذي وحد الجماهير للقتال مع الجيش ضد الفرنسيين عندما اقتربوا من القاهرة عام 1798م، ولما كان دوره بارزا، حاول الفرنسيون استمالته بعد سقوط القاهرة فى أيديهم، بعرض عضوية الديوان الأول ولكن مكرم رفض وترك مصر ثم عاد إلى القاهرة وتظاهر بالاعتزال فى بيته، ولكنه فى الحقيقة كان يجتمع بعلماء الأزهر وزعماء الشعب للتحضير لثورة ضد الاحتلال الفرنسى، وبالفعل اندلعت ثورة القاهرة الثانية فى عام 1800م، فاضطر عمر مكرم، للهروب خارج مصر خوفا من الوقوع فى قبضة الفرنسيين الذين صادروا أملاكه، وبقى خارج مصر حتى رحيل الحملة الفرنسية فى عام 1801م. لم تنته مواقف السيد عمر مكرم عند هذا الحد، بل ظهر أيضا دوره المنتظر ضد الاحتلال الأجنبي بحملة فريزر عندما قاد حملته الشعبية ونجح في هزيمة الحملة في حماد ورشيد مما حمل فريزر للجلاء عن مصر ويصف الجبرتي هذه الوقعة قائلا: "نبه السيد عمر مكرم على الناس وأمرهم بحمل السلاح والتأهب لجهاد الإنجليز، حتى مجاوري الأزهر أمرهم بترك حضور الدروس، وكذلك أمر المشايخ بترك إلقاء الدروس". ويشير أيضا عبد الرحمن الرافعي على ما حدث من مكرم تجاه فريزر قائلا: "إذا تأملت دعوة الجهاد التي بثها السيد عمر مكرم والروح التي نفخها في طبقات الشعب، فأنك لتري هذا الموقف مماثلا لموقفه عندما دعا الشعب على التطوع لقتال الفرنسيين قبل معركة الأهرام، ثم تأمل دعوته الأزهريين إلى المشاركة في القتال تجد أنه لا ينظر إليهم كرجال علم ودين فحسب بل رجال جهاد وقتال ودفاع عن الزمان، فعلمهم في ذلك العصر كان أعم وأعظم من عملهم اليوم". دوره في خلع خورشيد وتولية محمد علي بعد أن نجحت ثورة عمر مكرم هو وعلماء الأزهر ضد خورشد باشا وعزله فيما يعرف بثورة الشرع عين محمد علي بدلا منه تلبية لمطالب الشعب رغم أن الخلافة العثمانية أعلنت رفضها لتولية محمد على ثم نزلت عن ذلك لإرادة الثورة، ولكنهم واشترطوا عليه أن يقيم العدل ويطبق الشريعة ويرد المظالم وألا يفعل أمرًا إلا بمشورة العلماء، وإلا عزلوه، وبعد موافقته على مطالبهم صدرت فتاوى شرعية منهم والباب العالي أعلن فيها عزل خورشد وتولية محمد علي وبذلك نجحت الثورة الشعبية، وهنا وصلت مكانت عمر مكرم إلى الذروة وقد وصفها الجبرتي بقوله: " ارتفع شأن السيد عمر، وزاد أمره بمباشرة الوقائع، وولاية محمد علي باشا، وصار بيده الحل والعقد، والأمر والنهي، والمرجع في الأمور الكلية والجزئية فكان يجلس إلى جانب محمد علي في المناسبات والاجتماعات، ويحتل مركز الصدارة في المجتمع المصري، حتى إن الجماهير كانت تفرح لفرحه، وتحزن لحزنه" ومن هنا شعر محمد علي بخطورة عمر مكرم فأمر بنفيه من القاهرة إلى دمياط بعد علمه بأن الشعب أصبح في قبضة السيد مكرم وأنه يستطيع الثورة عليه في أي وقت، ولا سيما عندما يفرض ضرائبه التي سيتبرم منها الشعب، على كل حال مكث مكرم في منفاه عشر سنوات، ثم عاد إلى القاهرة فوجد محمد علي أن حب الشعب له لم يتغير فخاف من انتفاضة شعيبة ضده فعاد فنفاه مرة أخرى، فرحل عنا هذا العظيم عام 1822م، تاركا لنا سيرة لا يشوبها شائب في وطنيتها ومؤازرتها للشعب في مواقفه الصعبة، كما أكد لنا أنه من الممكن أن تغير شخصية بمفردها في تاريخ الشعوب.