تشهد إسبانيا أزمة سياسية حقيقية، تستر وراءها تغيرات غير معهودة في المجتمع الإسباني، من أبرزها التخلي عن نمط الثنائية القطبية بين الحزبين العريقين الشعبي والاشتراكي، وبروزٍ أقطاب أخرى، كما هو الحال بالنسبة لحزب "بوديموس"، وكان هذا الأخير قد انبثق عن حركة عفوية في الشارع الإسباني تحمل نفس الاسم، كردِّ فعل أو استجابة لما كان يعيشه الشارع العربي من احتجاجات، والتي عرفت فيما بعد بما يسمى بالربيع العربي. الانتخابات التشريعية انطلقت الجمعة 10 يونيو الحملة الانتخابية الخاصة بالاستحقاقات التشريعية المقررة يوم 26 يونيو الجاري بإسبانيا، والتي ستستمر طيلة 15 يومًا، وبالأمس أدلى الإسبان بأصواتهم، للمرة الثانية خلال ستة أشهر في إطار انتخابات نيابية يعتبر فيها المحافظون الأوفر حظًّا من حزب بوديموس الجديد الرافض سياسة التقشف، والذي قد يخلف الحزب الاشتراكي العريق؛ ليصبح القوة الأولى المعارضة. وتمت الدعوة لهذه الانتخابات الجديدة بعد فشل المفاوضات حول تشكيل حكومة ائتلافية بين الأحزاب السياسية الرئيسية في البرلمان عقب الاستحقاقات الأخيرة التي جرت في ال20 من ديسمبر، وأمام تعذر تشكيل حكومة قبل انتهاء المهلة الدستورية، أعلن العاهل الإسباني الملك فيليب السادس مطلع مايو الماضي عن حل البرلمان وإجراء انتخابات تشريعية جديدة. ويعول زعيم المحافظين ماريانو راخوي، الذي تصرف حكومته الشؤون اليومية منذ ديسمبر 2015، وتتصدر حكومته المشهد السياسي في إسبانيا منذ عام 2011، على التنافس المحتدم بين بوديموس الذي تأسس بالكاد قبل سنتين، والحزب الاشتراكي الذي تأسس قبل 137 عامًا، للبقاء في سدة الحكم. يشار إلى أن إسبانيا تسير منذ 20 ديسمبر الماضي من قبل الحكومة المنتهية ولايتها للحزب الشعبي (يمين)، والتي لا يمكنها سوى تصريف الأعمال، وليست مخولة للقيام بأي إصلاح. الانتخابات النيابية في العام الماضي لعبت الانتخابات التشريعية الماضية دورًا في تغيير الملامح السياسية للحكومة الإسبانية، حيث أتاحت الانتخابات النيابية في ديسمبر الماضي دخول حزب بوديموس وحزب كيودادانوس "الليبرالي" البرلمان، وأدت إلى تراجع الحزب الشعبي "المحافظ" والحزب "الاشتراكي"، اللذين كانا يتناوبان على استلام زمام الحكم في مدريد العاصمة الإسبانية منذ ثلاثين عامًا. وبتصدر حزب "بوديوموس" المناهض للتقشف الذي يرأسه بابلو إيغليسياس للانتخابات التشريعية السابقة، وخسر الحزب المحافظ، الذي كان في الصدارة، أكثريته المطلقة في البرلمان الإسباني؛ بسبب فضائح الفساد التي تلاحقه، فلم يجد أي شريك. كما أخفق الحزب الاشتراكي، الذي حل في المرتبة الثانية، في تشكيل تحالف مع بوديموس وكيوديدانوس، اللذين حلا في المرتبتين الثالثة والرابعة، وكانت مواقفهما متباعدة جدًّا، فدعي الناخبون من جديد إلى الإدلاء بأصواتهم. بوديموس يتقدم على الاشتراكيين بحسب استطلاع للرأي أجراه مركز البحوث الاجتماعية، فإن الانتخابات البرلمانية التي ستجرى نهاية الشهر الحالي لن تسمح بكسر الجمود السياسي الذي تعيشه إسبانيا، ولن يتغير المشهد كثيرًا. ووفقًا للاستطلاع فإن الحزب الشعبي سيفوز في هذه الانتخابات ب 29,2 في المائة من الأصوات، دون الحصول على أغلبية مطلقة تخول له الحكم بمفرده، متبوعًا بتحالف بوديموس واليسار الموحد (25,6 في المائة)، ثم الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني (21,2 في المائة). ويطرح زعيم بوديموس بابلو إيغليسياس (37 عامًا) نفسه بصفته البديل الوحيد عن ماريانو راخوي، الذي يتولى الحكم منذ 2011، وفي المقابل يؤكد راخوي (61 عامًا) أنه ضمانة الاستقرار، ويحذر من تجارب الراديكاليين، كتجربة إليكسيس تسيبراس، رئيس الوزراء اليوناني الحليف لإيغليسياس. ويريد بابلو إيغليسياس إنهاء سياسات التقشف المطبقة منذ أزمة 2008. وقال "كانت غير مجدية، ومن الضروري اعتماد سياسات التوسع المالي"، مقترحًا زيادة الإنفاق 15 مليار يورو في السنة. ويدأب ماريانو راخوي على القول بضرورة التمسك بسياسته الاقتصادية التي أتاحت خفض البطالة من 27% في 2013 إلى 21%، والاقتصاد الذي ينمو بوتيرة 3,4% سنويًّا. الديون وتأثيرها على الانتخابات تَعدَّت الديون العامة في إسبانيا حاجز ال 100 % من الإنتاج القومي؛ لتصل إلى 1.095 مليار يورو، أي حوالي 10.5% من حجم الإنتاج، وهو ما يعد رقمًا قياسيًّا خلال هذا القرن، وفقًا لما أعلنه البنك المركزي الإسباني خلال الربع الأول من هذا العام. ويرى وزير الاقتصاد الإسباني أن الديون سوف تتعدىنسبة 99.1 % خلال هذا العام. ومن المفترض أن تؤثر هذه الديون على الانتخابات التشريعية في إسبانيا، حيث يرى الحزب الاشتراكي للعمال أن الديون انفجرت في عهد حكومة ماريانو راخوى، ففي عام 2011 كانت الديون تمثل 69.5 % من الإنتاج القومي الصافي، ويركز الحزب الشعبي اليمني على زيادة النمو الاقتصادي وتوفير فرص عمل، حيث وصل حجم عجز الميزانية من 9 % في 2011 إلى 5.1 % في 2015؛ مما يجبر الحكومة الجديدة على تحقيق 8 مليارات في الاقتصاد، والذي يهدد موافقة بروكسل. ومن المنتظر أن تسمح الانتخابات البرلمانية في إسبانيا، التي ستجرى في 26 يونيو الجاري، بتشكيل أغلبية برلمانية واضحة، سواء من اليمين أو اليسار، قادرة على تشكيل حكومة جديدة.