أزمة جديدة تشهدها العلاقات الفرنسية الروسية، وإن كانت هذه المرة بعيدة عن الإطار السياسي، وتصب في الإطار الكروي، إلا أن الخلافات السياسية بين الدولتين تلقي بظلالها على الأزمة، الأمر الذي ينذر بتعقد الأوضاع ووصولها إلى مستوى الأزمة الدبلوماسية. بداية الأزمة بدأت الأزمة عندما اندلعت اشتباكات بين الجماهير الروسية والإنجليزية في مدينة مارسيليا الساحلية يوم السبت الماضي، على هامش مباراة البلدين في ستاد فيلودروم في المدينة، مما خلف أكثر من 35 مصابًا، ونقل سبعة أشخاص إلى المستشفى، ثلاثة منهم في حالة خطيرة، وحينها أوقفت الشرطة الفرنسية 10 أشخاص للاشتباه في تورطهم بتلك الأعمال، وحكم عليهم بالسجن لفترات تتراوح بين شهرين وعام واحد، ومنذ تلك الواقعة نشرت الشرطة الفرنسية أكثر من 3900 ضابط في المنطقة، وألقت القبض على 43 روسيًّا الأربعاء، كانوا في حافلة متجهة إلى مدينة ليل، وتم الإفراج عن 11، بينما تحفظت على الباقين في مارسيليا. وأفاد بيان عن رئاسة الوزراء البريطانية أنه سيتم إرسال قوات من الشرطة البريطانية إلى مدينة لنس شمالي فرنسا، التي تستضيف مباراة إنجلترا وويلز؛ لتعزيز الأمن قبل المباراة وبعدها، وذلك بعد تحذير الاتحاد الأوروبي لكرة القدم "يويفا" للمنتخبين الروسي والإنجليزي من احتمال استبعادهما من البطولة، إضافة إلى تغريم الاتحاد الروسى 150 ألف يورو. محاولات تسييس وجه الادعاء العام الفرنسي في مدينة مرسيليا أصابع الاتهام إلى 150 روسيًّا، واعتبرهم السبب الرئيسي في أعمال الشغب، وأكد المدعي العام، برايس روبن، أن مجموعة من مثيري الشغب المدربين تدريبًا عاليًا جاءوا إلى المدينة الساحلية من أجل افتعال المشاكل، مشيرًا إلى أنهم مستعدون لعمليات فائقة السرعة وشديدة العنف. تصريحات بعض المسؤولين الفرنسيين، التي أطلقوها حول ضرورة اتخاذ إجراءات خاصة مع المشجعين الروس، أثارت المزيد من مشاعر الغضب لدى الروس، حيث قال رئيس الوزراء الفرنسي، مانويل فالس، إنه لا يحق للمشجعين الذين تورطوا في العنف أن يبقوا على أراضي بلاده. من جهتها أعلنت الخارجية الروسية، الأربعاء، استدعاء السفير الفرنسي لدى روسيا، جان موريس ريبير؛ لتسليمه مذكرة احتجاج على توقيف مجموعة من المشجعين الروس الذين كانوا في طريقهم من مرسيليا إلى ليل على متن حافلة، وعدم إعلام البعثة الدبلوماسية الروسية بذلك، وأضافت الخارجية في بيانها أن الدبلوماسية الروسية لفتت انتباه الدبلوماسي الفرنسي بشأن التدابير التمييزية وغير الانتقائية المتخذة ضد المواطنين الروس. وأشارت الوزارة إلى أن جميع الأشخاص ال43 المعنيين، بمن فيهم ثلاثة من سائقي الحافلات، وضعوا قيد الحبس مدة 48 ساعة على ذمة التحقيق في أعمال العنف على هامش مباراة إنجلتراوروسيا، السبت الماضي، ضمن مباريات كأس أوروبا لكرة القدم 2016، وتابعت أنه خلال الاستدعاء تم التشديد على أن تأجيج المشاعر المعادية لروسيا حول مشاركة المنتخب الروسي في بطولة أوروبا لكرة القدم من شأنه أن يلحق الضرر بالعلاقات الروسية الفرنسية. وأوضح البيان: تدعو وزارة الخارجية الروسية السلطات الفرنسية إلى إبداء أكبر قدر من الاهتمام الجدّي بهذا الوضع، وتسوية مسألة المواطنين الروس الموقوفين في أقرب وقت ممكن طبقًا للقانون وبطريقة متحضرة. هذا التحذير الروسي لم يكن الأول من نوعه الذي توجهه موسكو إلى باريس بشأن توقيف مشجعين روس، فقد سبق أن اعتبر وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في وقت سابق من الأربعاء، أنه من غير المقبول على الإطلاق توقيف المشجعين، وقال لافروف حينها أمام مجلس النواب الروسي، إن توقيف حافلة على متنها أكثر من أربعين مشجعًا من قبل الشرطة تصرّف غير مقبول على الإطلاق، وأقر وزير الخارجية الروسي بأن بعض المشجعين الروس تصرفوا بطريقة غير مقبولة في مرسيليا، لكنه ألقى باللوم على الفريق المنافس، وأضاف: لا يمكننا أن نغضّ النظر عن مساعي التستّر على أعمال الاستفزاز التي يقوم بها مشجعو دول أخرى، مشيرًا إلى بعض الممارسات الاستفزازية التي أقدم عليها بعض المشجعين من دول أخرى مثل دعس العلم الروسي بالأقدام وتوجيه الشتائم للقادة والرياضيين الروس. من جهتها حاولت فرنسا لملمة الأمور وتبرير موقفها قبل أن تتصاعد الأزمة، حيث أكدت سفارة فرنسا أن سفيرها لدى روسيا، جان موريس ريبير، كشف الوقائع للخارجية الروسية، وأشار سفير فرنسا إلى أن ظروف الاعتقالات متوافقة تمامًا مع القانون في ظل شفافية كاملة، مؤكدًا أن قنصل روسيا العام في مرسيليا توجه إلى مكان الاعتقالات بعد أن أبلغته السلطات الفرنسية في بداية العملية، كما أكد السفير أن مشجعين من عدة دول شاركوا في أعمال العنف سيلاحقون وفقًا للقانون ودون أي تمييز. فرنساوروسيا.. أزمات متلاحقة هذه الأزمة الكروية وإن كانت الأولى من نوعها في تاريخ العلاقات الفرنسية الروسية، إلا أنها لم تكن الأولى على الصعيد السياسي بين البلدين، حيث تختلف وجهات نظر وتوجهات الطرفين فيما يخص العديد من الأزمات الإقليمية، الأمر الذي يخلق العديد من الخلافات المتلاحقة بينهما بين الحين والآخر. في أغسطس الماضي اندلعت أزمة بين الطرفين بسبب فسخ فرنسا لعقد بيع حاملتي مروحيات من طراز "ميسترال" بقيمة 1.2 مليار يورو، الذي كان تم توقعيه مع روسيا في عام 2011، ونص العقد حينها على أن تتسلم موسكو في نوفمبر الماضي الحاملة الأولى باسمها الروسي "فلاديفوستوك"، إلا أن الأوضاع في أوكرانيا والعقوبات التي فرضتها الدول الغربية على روسيا على خلفية الأزمة الأوكرانية، حالت دون وفاء باريس بالتزاماتها في إطار الصفقة. في ذات الإطار فإن المواجهات السياسية بين الدولتين لم تنتهِ منذ اندلاع الأزمة السورية، حيث عرقلت فرنسا بالتعاون مع حلفائها في مجلس الأمن العديد من الاقتراحات الروسية، والتي كان أبرزها ذلك الاقتراح الروسي الذي تمت مناقشته في مجلس الأمن خلال فبراير الماضي، وطلبت روسيا حينها عقد مشاورات لمطالبة تركيا بوقف قصفها للقوات الكردية في شمال سوريا، وكي تتخلى عن مشروع عملية عسكرية برية في سوريا، لكن فرنسا و4 دول أخرى أعضاء على الأقل، هي الولاياتالمتحدة وبريطانيا ونيوزيلاندا وإسبانيا، رفضت نص مشروع القرار الروسي.