في خطوة سريعة لها الكثير من الدلالات، أعلن زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري مبايعة «هيبة الله أخو ندزاده» زعيم حركة «طالبان» الجديد، الذي عين الشهر الماضي بعد مقتل سلفه «أختر منصور» في غارة أمريكية، الأمر الذي أثار الكثير من التساؤلات حول دلالات وتداعيات هذه البيعة السريعة، في ظل تمدد داعشي في المنطقة العربية. مَن هو «هيبة الله» الزعيم الجديد لطالبان؟ كانت حركة طالبان قد عينت أخندزاده خلفًا للملا أختر منصور، الذي أكدت مقتله في غارة جوية أمريكية نفذتها طائرة في 23 مايو الماضي، وقالت الحركة بعدها بيومين: إن قرار تعيين أخندزاده جاء بعد اتفاق أعضاء مجلس الشورى التابع لها بالإجماع، في وقت دعت الحكومة الأفغانية زعيم الحركة الجديد لإنهاء الحرب أو مواجهة عواقب وخيمة. وجاء اختيار هيبة الله الذي كان نائبًا لسلفه وعمل قاضيًا في المحاكم الشرعية إبان فترة حكم طالبان لأفغانستان، لقدمه في الحركة وكبر سنه، تفاديًا لأي انقسامات ممكنة داخلها، وفق مراقبين، وولد الزعيم الجديد، في خمسينيات القرن الماضي، لأب فقيه في قندهار في جنوبأفغانستان، لاجئًا إلى باكستان إبان الحرب السوفيتية، قبل أن يلتحق بصفوف حركة طالبان بعد الإعلان عنها في منتصف التسعينيات. وقال عنه الكثير من مراقبي الحركة: إنه تولى مسؤوليات في المحاكم الشرعية إبان فترة حكم طالبان اعتبارًا من العام 1996، بعدها أقام فترة في جنوبباكستان، حيث تولى إمامة أحد المساجد، بعد طرد الحركة من السلطة في كابول إثر الاجتياح الأمريكي العام 2001. وبحسب المتابعين سيواصل «هيبة الله» الخط السياسي ذاته للملا منصور، الذي لم يتجه إلى المفاوضات مع الحكومة، رغم أن هيبة الله من أنصار مفاوضات السلام، إلَّا أنه ليس بإمكانه القيام بأي شيء دون إجماع مجلس الشورى. لماذا خرج الظواهري وبايع هيبة الله؟ لم تكن هذه المبايعة الأولى لزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري لزعيم حركة طالبان، حيث خرج في يوليو من العام الماضي لمبايعة «الملا أختر» خلال تسجيل صوتي، وبعد مقتله في مايو الماضي سارع الظواهري إلى مبايعة الزعيم الجديد، فمن اللافت للنظر سرعة استجابته للقيادة الجديدة لطابان، حيث أعلنت الحركة تولي «هيبة الله» يوم 23 مايو وأعلن الظواهري مبايعته له بعدها ب«أسبوعين» ليكون ذلك تأكيدًا أنه سيأخذ نفس طريق سلفه، حيث لم يتريث الظواهري في البيعة للقائد الجديد، مستندًا إلى الكثير من التسريبات التي أكدت أن هناك توافقًا عليه داخليًّا من قِبَل الحركة أكثر من «اختر» نفسه. وتأتي مبايعة زعيم «القاعدة» الواسعة ل«هيبة الله»، في إطار المنافسة الصريحة بين القاعدة وتنظيم داعش في منطقة الشرق الأوسط، فبعد أن برز الأخير من خلال كثرة عملياته وتوسعه وتمدده، أعطى ذلك مؤشرًا لتنظيم القاعدة بأنها تواجه خطرًا وجوديًّا على ما يعرف بالساحة الجهادية، وهو ما جعلها تسعى لنفيه عن طريق توسيع نظاقها الجغرافي في منطقة آسيا الوسطى التي تشهد تحولًا واسعًا، حيث انضم عدد من مقاتلي حركة طالبان لتنظيم داعش، ومثل إعلان الحركة الإسلامية في أوزبكستان، التي كانت تقاتل إلى جانب طالبان «البيعة» لتنظيم داعش ضربة قوية لطالبان، الأمر الذي تخوف منه كثيرون من قضاء داعش على الحركة ككل، حيث استغل تنظيم البغدادي هذا الانقسام في صفوف الحركة لاستقطاب المزيد. ولا تشكل حركة طالبان خطرًا في الوقت الراهن على القاعدة، من حيث الزعامة الجهادية العالمية أكثر من داعش، حيث تعرف طالبان بأنها ترتكز إلى «العرق البشتوني» بشكل أساسي، ولا تدعي أنها حركة جهادية عالمية، ولا تتضمن أجندتها التوسع خارج أفغانستان، ولم تنفذ أي عمليات جهادية خارجية، على عكس ما تفعله داعش من توسع وتمدد في العالم كله من إفريقيا إلى أوروبا، حيث دعا بعض قيادات حركة طالبان وحركات جهادية أخرى كجماعة «جند الله» البلوشية إلى التخلي عن بيعة «طالبان» والالتحاق بتنظيم داعش؛ بسبب عدم توسعها في الخارج. ويرى المراقبون أن مبايعة الظواهري السريعة لطالبان جاءت لتثبيت الارتباط ب«الإمارة الإسلامية» في أفغانستان؛ من أجل الهروب من الإخفاقات المتتالية التي أصابت «القاعدة» عقب تولي «الظواهري»، خاصة عدم القدرة على منافسة تنظيم داعش، إضافة إلى الانتكاسات الأخرى، وعلى رأسها عمليات الاختراق الكبيرة للتنظيم، التي أدت إلى تصفية معظم قياداته.