بتفاصيل باهتة مكررة تم تسريب أجزاء من امتحان اللغة الإنجليزية قبل ساعات من الميعاد الرسمي للامتحان صباح أمس الثلاثاء، واعترفت وزارة التربية والتعليم بذلك عبر متحدثها الرسمي بشير حسن، الذي اكتفى بالحديث حول تقدم الوزارة بأكثر من 27 بلاغًا إلى وزارة الداخلية، بشأن إغلاق صفحات إلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي لها علاقة بمسألة تسريب الامتحانات، ورغم تصريحات الوزير المتكررة بأنه سيلغي أي امتحان إذا ثبت تسريبه، لكن الوضع اليوم مرّ مرور الكرام، والتزم الدكتور الهلالي الشربيني بالصمت التام. في اليوم الأول لامتحانات الثانوية العامة حدث تسريب لمادة التربية الدينية من أحد قيادات الوزارة مقابل 50 ألف جنيه، فقررت وزارة التربية والتعليم إلغاء الامتحان وإعادته أواخر الشهر الجاري، وفي اليوم الثاني للامتحانات تم تسريب أجزاء من امتحان اللغة الإنجليزية رغم تهديدات الصفحات الإلكترونية المسؤولة عن التسريبات بنشر نماذج للإجابات قبل دخول اللجان بساعات، وشكلت الوزارة غرفة عمليات مركزية لمتابعة أعمال الغش الجماعي وتحرير محاضر وبلاغات ضد المخالفين دون التطرق إلى إلغاء الامتحان المُسرب من عدمه بحسب تصريحات الوزير. وهو ما يفتح الباب أمام سيل من التساؤلات والتكهنات الغامضة بشأن خروج الأمر من يد القائمين على الامتحانات داخل الوزارة، وتأكيد البعض أن إلغاءهم للامتحانات أو تأجيلها إلى فترات أخرى لاحقة لن يمنع استمرار محاولات تسريبها من جديد، ومن ثم فإن ذلك يهدد استمرار بقاء وزير التعليم الحالي داخل مقر الوزارة، وينذر بإقالة جميع المسؤولين القائمين على أعمال اللجان الامتحانية ومحاسبتهم في وقائع التسريب، ومن ثم يُحرمون من مكافآت الامتحانات في نهاية الأمر. تعقبنا الجهات التي تمر من خلالها ورقة الامتحانات، فتوصلنا إلى أن هناك خمس مراحل رئيسية تدور خلالها الورقة حتى تصل في نهاية المطاف إلى يد الطالب المدرسي في لجنة الامتحان، بداية من واضعي الأسئلة وهم نخبة من كبار المعلمين والموجهين بوزارة التربية والتعليم ومراكز توزيع الأسئلة إلى اللجان في مختلف القطاعات الامتحانية بالمحافظات، مرورًا بعمال المطبعة السرية في شارع الشيخ ريحان القائمين بأعمال طباعة نماذج الأسئلة، خاصة فيما يتعلق بالورق "الدشت" الذي يجب التخلص منه لحظيًّا؛ حتى لا يتم تسريب أوراق منه خارج أبواب المطبعة، وصولًا إلى القائمين بأعمال التظريف والتشميع ونقل تلك الأوراق عبر صناديق مغلقة بالشمع الأحمر إلى مقار اللجان، في وجود قوة أمنية من وزارة الداخلية، وموظفين تابعين لوزارة التربية والتعليم وفتح المظاريف بعد ذلك والتحفظ عليها داخل اللجان بمحضر نيابي. وقال محمد رجب شرابي، وكيل أول وزارة التربية والتعليم السابق وعضو المجالس القومية المتخصصة، إن تصريحات الوزير بشأن اتخاذ الإجراءات اللازمة ووضع الضوابط القانونية الرادعة والتحقيق في وقائع التسريب وتحويل أصحاب تلك الصفحات "الأدمن" إلى التحقيق هي مجرد "فرقعة إعلامية" و"بالونة اختبار" سوف تنفجر في وجه الجميع، في ظل غياب عمليات المتابعة الجادة والمراقبة الصارمة على أرض الواقع، وهذه مأساة وكارثة على العملية التعليمية بأسرها ومهزلة أخرى تجري داخل اللجان الامتحانية والمطابع السرية ومراكز توزيع الأسئلة. وأضاف شرابي أنه خلال سنوات عمله داخل الوزارة كان يفاجأ عند مروره على اللجان في المدارس بورود أسماء داخل لجنة النظام والمراقبة لأشخاص فاقدين للبصر وآخرين متوفين؛ وذلك من أجل أن يحصلوا على المكافآت المالية الضخمة التي تخصص لهم كل عام، وفي كثير من الأوقات يحدث التسريب للإجابات النموذجية بتوزيع الدرجات وذلك مقابل تسعيرة مالية محددة تبدأ من 50 ألف وتصل إلى 100 ألف جنيه بحسب الأماكن والمحافظات. وطالب شرابي بضرورة التغيير الدائم للقائمين بأعمال الامتحانات مهما كانت خبراتهم وسنوات عملهم، فضلًا عن تكثيف الرقابة على اللجان وإعادة هيكلة الصف الأول والثاني داخل الوزارة ومحاكمة كل من يرتكب تلك الجريمة التي تهدد الأمن القومي بالسجن المشدد وتحويلهم إلى محاكمات عسكرية عاجلة وحرمانهم من أعمال الامتحانات لمدة 5 سنوات، لاستئصال العفن والفساد الذي ضرب بجذوره داخل قطاعات الوزارة . ويرى الدكتور رياض نوفل، مدير المركز الدولي لتطوير التعليم والجودة، أن أهمية الاستعانة بالمتخصصين في أعمال الامتحانات ووضع الأسئلة التي تقيس مهارات الطلبة بعد الاطلاع على تجارب الدول الناهضة في التعليم والبحث العلمي، ووضع منظومة تقويم امتحانية تتناسب مع عقليات الطالب والاستعانة بالتكنولوجيا الحديثة "التابلت" في أعمال الامتحانات بدلًا من "الورق الدشت" الذي عفا عليه الزمان، وتطوير العلاقة التفاعلية بين الطالب والمدرس والإدارة المدرسية، وتغيير المناهج المدرسية التي تقوم على الحفظ والحشو والتلقين إلى مناهج عملية عصرية أساسها الفهم والبحث عن المعرفة واستنباط الفكرة والمعلومة، وتطوير مناهج البحث العلمي داخل المدرسة، مع إلغاء الكتاب المدرسي، ثم تطوير المعلم وتنمية قدراته، وكل ذلك لا يحتاج أكثر من عام بحسب تعبيره. وأضاف نوفل أنه يجب ألا تكون اختبارات الثانوية العامة هي المؤهل النهائي لدخول الجامعة، بل يجب أن تكون هناك اختبارات قدرات أخرى تحريرية وشفهية، بدلًا من إهدار ما يقارب ال 22 مليار جنيه من جيوب الأسر المصرية كل عام على مراكز الدروس الخصوصية، وفي النهاية يتساوى الجميع في النتيجة النهائية، بفضل "تسريبات شاو مينج".