تشهد العلاقات التركية الألمانية توترا؛ بعد مصادقة البرلمان الألماني بأغلبية كبيرة، اليوم، على مسودة قرار يعترف فيها بالإبادة التركية للأرمن، الخطوة الألمانية دفعت تركيا للتنديد سريعًا بهذا القرار واستنكاره. الموقف الألماني من قضية الأرمن صادق نواب البرلمان الألماني اليوم الخميس على قانون رمزي بشأن مقتل "1.5 مليون أرمني" على يد القوات العثمانية عام 1915، وأعلن رئيس البرلمان الألماني، نوربرت لامرت، أن نائباً واحداً صوت ضد النص، فيما امتنع آخر. وقدم مشروع القرار الذي وافق عليه البرلمان الألماني، الائتلاف الحاكم المؤلف من «الاتحاد المسيحي الديمقراطي» و«الاتحاد الاجتماعي الديمقراطي» و«الحزب الاشتراكي الديمقراطي»، إضافةً إلى حزب «الخضر» المعارض، بعنوان «تخليد ذكرى إبادة الأرمن والأقليات المسيحية الأخرى بين عامي 1915 و1916». ويرى نُقَّاد أن البرلمان الألماني استخدم هذا القرار ردا على المماطلة التركية في حل أزمة اللاجئين، فتركيا متهمة بتشجيع تدفق اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين نحو القارة العجوز، وتستعمل ورقة اللاجئين وسيلة للضغط على الطرف الأوروبي حتى تحصل على مميزات خاصة كالانضمام للاتحاد الأوروبي، ودخول دول أوروبا دون تأشيرة. تركيا تندد في أول رد فعل تركي على القرار الألماني، أكد رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، أن أنقرة استدعت السفير التركي في برلين، للتشاور على خلفية القرار الذي صادق عليه البرلمان الألماني، اليوم الخميس، ونددت تركيا بالقرار، واعتبرت أنه يشكل «خطأً تاريخياً»، وأنه «باطل ولاغٍ»، وقال المتحدث باسم الحكومة التركية، نعمان كورتولموش، في تغريدة على «تويتر»: «اعتراف ألمانيا ببعض المزاعم المحرَّفة التي لا أساس لها، يشكل خطأً تاريخياً»، مضيفا أنه بالنسبة إلى تركيا فإن القرار باطل ولاغٍ. ويبدو أن ألمانيا ضربت تمنيات الرئيس التركي بعدم تمرير القرار عرض الحائط، رغم تشديد الطرف التركي بأن القرار من شأنه أن يضر بالعلاقات بين البلدين، حيث أجرى أردوغان الثلاثاء الماضي، اتصالا هاتفيا بالمستشارة الألمانية انجيلا ميركل، حضها فيه على «التعقل»، قبل يومين من تصويت البرلمان الألماني، في محاولة منه لثني ميركل عن مشروع التصويت على القرار. أرمينيا ترحب رحبت أرمينيا اليوم، باعتراف مجلس النواب الألماني بإبادة الأرمن على يد القوات العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى، وأشاد وزير الخارجية الأرميني، إدوارد نالبانديان، بالقرار، واصفا إياه ب«مساهمة ألمانية قيمة ليس فقط في الاعتراف والتنديد الدولي بإبادة الأرمن، إنما في النضال العالمي لمنع ارتكاب إبادات وجرائم ضد الإنسانية». الخلافات التركية الألمانية تجلت الخلافات بين أنقرة وميونيخ مؤخرًا، بعد تراجع الموقف الألماني الذي كان داعما لتركيا بشأن إنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا، قبل أن يستطيع الرئيس الأمريكي باراك أوباما في زيارته الوداعية لألمانيا التأثير على قناعة المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، ما دفعها إلى تحول دعمها لأنقرة بضرورة خلق منطقة آمنة إلى مشروع يستوجب موافقة مختلف اللاعبين الإقليميين في الأزمة السورية، وهو أمر صعب التحقق، وبالتالي الموقف الألماني لن يرضي الجانب التركي. وخلال المحادثات، التي جرت على هامش «القمة العالمية للعمل الإنساني»، التي عقدت في اسطنبول، وجهت ميركل إنذارا شديد اللهجة إلى أردوغان، بأن القيادة التركية ملزمة بتنفيذ المتطلبات الأوروبية لإلغاء تأشيرات السفر، وإلا فلن يتم إلغاء التأشيرات بين الاتحاد وتركيا، وقالت إن الطريق إلى إلغاء التأشيرات يمر عبر تنفيذ النقاط ال72 وهي ليست جديدة، فقد سبق للاتحاد الأوروبي أن قدمها عام 2013، والمطلوب تنفيذها جميعا، لإلغاء التأشيرات. وقبل ساعات من بدء المحادثات مع ميركل، أوضح المحيطون بأردوغان للأوروبيين أن موقف أنقرة في المحادثات سيكون متشددا جدا مع الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي يعني أن الخلاف التركي الألماني بدأ يطفو على السطح خاصة بعد قرار البرلمان الألماني الأخير. توقيت الطرح الألماني لقضية الأرمن يرى مراقبون أن توقيت موافقة البرلمان الألماني يوجه رسالة لتركيا يؤكد من خلالها أن ضم تركيا للاتحاد الأوروبي لا يحظى باهتمام القارة العجوزة، خاصة في ظل الحكومة التركية الجديدة التي تسير في طريق إقامة دولة الشخص الواحد متمثلة في أردوغان، أو ما يسمى بالدولة الشمولية، حيث تزايد عدد كبار ساسة أوروبا، الذين يعلنون عدم وجود مكان لتركيا بقيادة أردوغان في الاتحاد الأوروبي، ومؤخرا، انضم رئيس البرلمان الأوروبي، مارتن شولتس، إلى معسكر المتشائمين، الذين يشكون في رغبة أنقرة بالالتزام بالمبادئ الديمقراطية في إدارة الدولة. ويضع توقيت طرح قضية إبادة الأرمن، مفاوضات ألمانيا والاتحاد الأوروبي مع أردوغان في مهب الريح؛ الأمر الذي قد يؤدي إلى تصعيد تركي ضد الأكراد بحجة مكافحة الإرهاب، والتنصل من اتفاق الهجرة، وفتح أبواب تركيا مجدداً أمام قوافل اللاجئين الذي تصل أعدادهم إلى نحو المليونين، فتركيا تعلم جيدًا أن الطرح المتكرر لمجزرة الأرمن في البرلمان الألماني في حال تمت اعتماده من عدمه، فهو يعد مؤشرا لاستطلاع الرأي الأوروبي الذي سيجعل الطريق ممهدا أمام أنقرة لدخول الاتحاد ويسهل من مهمتها في حال عدم تمريره، أما وإن القرار قد مرر فهذا يعني بأن تركيا فشلت في لي ذراع الاتحاد الأوروبي عبر ورقة اللاجئين للدخول في الاتحاد.