ألقى انضمام حزب "إسرائيل بيتنا" لائتلاف الحكم في إسرائيل، وتولي رئيسه لوزارة الدفاع، بظلاله على المسارات المستقبلية للوضع السياسي للحكومة الإسرائيلية الحالية التي باتت تُعرف بأنها الأكثر يمينية منذ نشأة الكيان الصهيوني، فتولي شخص مثل أفيجدور ليبرمان لوزارة الدفاع طرح كثير من الأسئلة على المستويين الداخلي والخارجي، وفي توقيت حساس يشهد تطورات ربما تكون الأولى من نوعها بين إسرائيل ومحيطها الإقليمي، وكذلك انتهاء وضعية "الحياد" بالنسبة للمؤسسة العسكرية الإسرائيلية، التي ما دأب الساسة في إسرائيل على تجنيبها الصراعات السياسية بين الأحزاب؛ ولكن الأن مع وجود شخص على رأسها مثل ليبرمان في حكومة مثل حكومة نتنياهو الحالية، وإزاء تعقيدات المشهد المحلي والإقليمي، فإن احتمالات كثيرة تطل برأسها على كافة الأصعدة، حدها الأدنى التصعيد العسكري. وعلى المنوال نفسه، يأتي تعيين ليبرمان وسط مناخ تقارب غير مسبوق بين دول عربية بقيادة السعودية وإسرائيل، كُلل بتصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي قبل أسبوع عن "توسيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل لتشمل كل الدول العربية وإقامة سلام دافئ بين البلدين"، وذلك في ظل تجدد الحديث على الجانبين عن تفعيل "المبادرة العربية للسلام" وإعادة إحيائها بعد أكثر من عِقد على رفض تل أبيب المتواصل لها، وهو ما اعتبره مراقبون رد استجابة عملية من جانب حكومة نتنياهو يرضي بشكل مبدئي المساعي السعودية، وفي نفس الوقت يطمئن الداخل إلى أن تسوية مستقبلية ستكون مصلحة إسرائيل ورؤية حكومتها الحالية ولن تخرج عن طابع التسوية من منطلق القوة، والتي تترجم عملياً إلى إنفاذها حسب المبادئ الحاكمة للنخبة الإسرائيلية على مختلف توجهاتها، وفي القلب منها مبدأ "يهودية الدولة". وفي هذا السياق قد يرى البعض أن تعيين ليبرمان كوزير للدفاع سيعرقل مساعي التقارب بين إسرائيل والدول العربية التي تتزعمها السعودية، خاصة وأن العاميين الماضيين شهدا تطور نوعي على مستوى العلاقات بين تل أبيب والرياض قائم على ثلاث محاور، أهمهم العداء المشترك لإيران ولمحور المقاومة ككل، وثانياً التعاون الثنائي لسد فراغ سحب واشنطن لمظلتها السياسية والعسكرية من المنطقة، وثالثاً قيادة ثنائية للمنطقة أهم متطلباتها تسوية القضية الفلسطينية كخطوة أساسية لإدماج إسرائيل ككيان اقتصادي وسياسي واجتماعي في المنطقة العربية وليس فقط تطبيع العلاقات بينها وبين دولتين أو أكثر، وهو ما قد يتعطل بوجود شخص على رأس أهم مؤسسة في إسرائيل كثيراً ما صرح بعدائه للدول العربية حتى التي بينها وبين تل أبيب معاهدة سلام مثل مصر، حيث دعا من ضمن ما دعا إلى ضرب السد العالي. إلا أنه في واقع الأمر أن ليبرمان من أكثر الساسة في إسرائيل قبولاً ل"مبادرة السلام السعودية"، وكثيراً ما دعا إلى إنفاذها –مع تحفظات شكلية- نظراً لما توفره من فرصة يراها جيدة للتعاون بين دولته وبين الدول العربية في القضاء على "التطرف والإرهاب" الذي في وجهة نظره متمثل في المقاومة في غزةولبنان.. فقبل عامين صرح ليبرمان لإذاعة "صوت إسرائيل" حول المبادرة سابقة الذكر أن "المبادرة صارت ذات معنى الأن وواردة عن أي وقت مضى، وأنني أفضلها عن سواها من مبادرات التسوية المنفصلة مع الفلسطينيين (..) إحياء عملية السلام ستكون ممكنة جداً في هذا الإطار، إلا أن هذا يتطلب القضاء على حماس التي يعوق حكمها لغزة أي تقدم في هذا السياق"، ويدل موقف ليبرمان –الذي لا يخرج عن موقف النخبة السياسية الإسرائيلية عموما بتنويعاتها- عن ضرورة أن تكون إسرائيل لها اليد العليا في أي تسوية شاملة للقضية الفلسطينية تمهد لعلاقات استراتيجية بينها وبين دول عربية، سواء كان ذلك في إطار تطبيع العلاقات وعلانيتها وتقبل شعوب المنطقة لها، أو كاصطفاف تل أبيب مع السعودية في ما بات يُعرف ب"محور الاعتدال الجديد". إذا وطبقاً للسابق، فإن ليبرمان فيما يخص سياق العلاقات مع دول عربية مثل السعودية تسعى للتقارب مع إسرائيل لا يختلف كثيراً حول المسار الاستراتيجي الذي يجمع تل أبيب والرياض وبينهم القاهرة وعمان، بل ويذهب إلى ضرورة حدوث مثل هكذا تعاون لثماره الجيدة بالنسبة لإسرائيل، ولكن من جهة أخرى يرى محللين إسرائيليين أن تعيين ليبرمان كوزير للدفاع يعد تلخيصاُ لمدى خطورة المسار الذي تنتهجه الحكومة والنخبة الإسرائيلية بشكل عام، وتحديداً على مساري السياسة والأمن في الداخل، وكذلك الخوف من توظيف الجيش الإسرائيلي في تنفيذ ضلالات أيدلوجية ضيقة خارج الأيدلوجية الصهيونية الجامعة، أي باختصار يعتبر هؤلاء المحللين أن تولي ليبرمان لحقيبة الدفاع يعد مؤشراً ليس فقط على أزمة حكومات نتنياهو المتتالية وتكريسها للسلطوية حتى وإن كان ذلك بإدماج معاتيه مثل ليبرمان، ولكن أيضاً على كمؤشر على تهديد استمرار إسرائيل نفسها كون أن آليات الاستمرار هذه وعلى رأسها الجيش أصبحت ولو بشكل إداري رهن متعصبين يحملون أفكار أكثر تطرفاً من الحد الذي تسمح به الصهيونية. في هذا السياق، يرى المحلل بالقناة الثانية الإسرائيلية أن "سلوك الحكومة الإسرائيلية وحزب إسرائيل بيتنا يؤكد أن الطرفين في سعيهم للوصول للسلطة والحفاظ عليها لا يجدوا غضاضة في رمي التعهدات السابقة للناخب والتي أبرزها بالنسبة لليبرمان بناء مشهد سياسي علماني يخلو من المتشددين الدينيين والقوميين، وهو الذي نفسه الذي قدم من خلال حزبه نموذج جامع فإذا به مقابل توليه الوزارة يفعل العكس، وهو ما يشير إلى مدى تخلف البنية السياسية لإسرائيل والذي يمكن القول أنني أمام ما حدث في الأسبوع الماضي لن يعد بإمكاني التأكد إذا ما كان باستطاعة أولادي العيش في إسرائيل مستقبلاً". أما عن الوجه الأخر من عُملة تولي ليبرمان لحقيبة وزارة الدفاع، وهو إمكانية المغامرة عسكرياً سواء شمالاً أو شرقاً أو جنوباً، فإنه حتى مع نبرة ليبرمان المتطرفة المعروفة عنه، فإنه مثله مثل كل أسلافه في المنصب مقيدين بحسابات معقدة معظمها على المستوى الإقليمي والدولي، وقبل كل ذلك بميزان الردع المقابل لإسرائيل؛ فمن المعروف أن قرار الحرب لا يتم اتخاذه عن طريق وزير الدفاع ولا حتى رئيس الوزراء، وإنما عبر القادة الأمنيين والعسكريين الإسرائيليين الذين يقدروه حسب الحاجة والضرورة الأمنية، وهو ما شط عنه نتنياهو الذي شن حربيين على قطاع غزة لاعتبارات سياسية أكثر من كونها أمنية، وتحول من مُنفذ لسياسات الدولة الإسرائيلية التي يتم التوافق عليها عبر مؤسسات ومراكز صُنع القرار وعلى رأسها الكنيست، إلى مُشرع ومنفذ لسياسات إسرائيل وبشكل فردي يُلخص في شخصه وحتى إذا كان لا يحظى بتأييد من المؤسسات السابقة، فإنه يلجأ إلى تكوين تحالفات وائتلافات على شاكلة ضمه لحزب إسرائيل بيتنا. وكخلاصة عامة، فإن إفراد وزارة الدفاع لشخص ليبرمان ينطوي على رسائل داخلية وخارجية ابتغى نتنياهو منها تحقيق هدفين أو أكثر بحجر واحد، فعلى سبيل المثال لا الحصر إذا ما قررت تل أبيب القيام بعملية عسكرية جنوباً في غزة أو شمالاً في لبنان أو سوريا فإنه حال نجاحها سينسب النجاح إلى نتنياهو واختياره الصائب لليبرمان، وإن فشلت فسوف يتلقى الأخير اللوم كله، وعلى المنوال نفسه أسكت نتنياهو الأصوات الأكثر تطرفاً المزايدة على سياسياته بتولي ليبرمان هذه الحقيبة الحرجة عملاً بمبدأ دعنا نرى ما سيفعلونه إذا أصبحوا في موقع المسئولية، ومن جهة أخرى فإن الأمر له منافع على مستوى لجم العسكريين وإخضاعهم لسلطة نتنياهو بعدما علت أصواتهم مؤخراً اعتراضاً عليه، هذا بالإضافة إلى أن المجيء بشخص مثل ليبرمان في وزارة الدفاع له رسالة مزدوجة للخارج، أولها أن مبدأ "الكلب الشرس المجنون" الذي دشنه بن جوريون منذ أكثر من 60 عاماً مازال موجوداً، ومن ناحية أخرى فإن على الساعيين للتعاون مع إسرائيل من الدول العربية الاقتناع سلفاً بأن أي تسوية مستقبلية وأي تعاون استراتيجي ينبغي أن يكون لتل أبيب اليد العليا فيه ومن موقع قوة وتصدر وليس حتى المشاركة، وأن هذا الأمر لا يسقط مقابل العداء والعمل المشترك ضد إيران.