انفراجة جديدة شهدتها الأزمة الحدودية التي اندلعت بين أذربيجانوأرمينيا، حيث اجتمع الرئيس الأذربيجاني، إلهام علييف، ونظيره الأرميني، سيرج سركيسيان، أمس الاثنين، في فيينا برعاية مجموعة مينسك المنبثقة عن منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وبوساطة دولية قادتها الولاياتالمتحدة وفرنسا وروسيا، من خلال حضور وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، ونظيره الأمريكي، جون كيري، ووزير الدولة الفرنسي للشؤون الأوروبية، هارليم ديزير. خلال الاجتماع تعهد كلا الطرفين المتنازعين باحترام وقف إطلاق النار والتسوية السلمية للنزاع في منطقة ناغورني قره باغ المتنازع عليها، كما أكدا في بيان مشترك على إقامة آلية مراقبة وتحقيق في وقف إطلاق النار، تشرف عليها منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وعلى استئناف العمل بشأن تبادل المعطيات حول الأشخاص المفقودين في النزاع المستمر منذ ربع قرن. من جانبه قال وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، إن المشاركين في الاجتماع اتفقوا على الالتزام بالهدنة ووقف إطلاق النار وفقًا لما تم التوصل إليه في عامي 1994 و1995، مشيرًا إلى أن رئيسي أرمينياوأذربيجان سيبحثان في يونيو تحديد موعد ومكان عقد لقائهما المقبل الذي سيواصلان فيه مناقشة أبعاد الهدنة. وأكد لافروف أن إيجاد حل وسط ممكن دائمًا، مضيفًا أن روسيا وفرنسا والولاياتالمتحدة التي ترأس مجموعة مينسك الخاصة بالنزاع في قره باغ تسعى إلى إكمال العملية وبدء المضي قدمًا إلى تسوية النزاع بشكل شامل. لم يكن هذا التعهد الأول بين الطرفين الأذربيجاني والأرميني، حيث سبق أن وقعا على اتفاق لوقف إطلاق النار في موسكو في 5 إبريل الماضي، لكن المعارك ظلت مستمرة ومتفرقة على طول خط التماس بينهما، الأمر الذي يدعو إلى القلق من عدم إلتزام الأطراف المتعاهدة بتعهداتها، وهو ما ينذر بفقدان الثقة بينهما وتصاعد العمليات القتالية خلال الفترة المقبلة. تزامن اجتماع فيينا بين الطرفين المتنازعين مع إعلان وزير الدفاع الأذربيجاني، زاكير غسانوف، أن قوات بلاده تعتزم المشاركة في مناورات ثلاثية مع كل من تركيا وجورجيا، تهدف إلى رفع الكفاءة القتالية لقوات الدول الثلاث، الأمر الذي يشكل استفزازًا جديدًا لأرمينيا، التي تتخوف من التعاون الوثيق بين أذربيجانوتركيا التي تعتبر الحليف الأقرب لأذربيجان، ودعمتها مرارًا خلال النزاع، واتضح ذلك جليًّا خلال الأزمة الأخيرة، بعدما سارع الرئيس الأذربيجاني، إلهام علييف، بزيارة تركيا في 13 إبريل الماضي، وبحث النزاع مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، فيما تعهد الأخير بالدفاع عن حق أذربيجان المشروع، حسب تعبيره. كانت منطقة ناغورني قره باغ، التي تضم أغلبية أرمينية، ورغم ذلك يعتبر المجتمع الدولي أنها جزء من أذربيجان، قد شهدت خلال الفترة الأخيرة مواجهات دامية، بدأت في مطلع إبريل الماضي، وبالتحديد بدأت مؤشراتها وبوادرها تظهر في 30 مارس الماضي، خلال القمة النووية في واشنطن، عندما التقى وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، مع الرئيس الأذربيجاني، إلهام علييف، الذي طالب أرمينيا بسحب قواتها فورًا من إقليم قرة باغ الجبلية المتنازع عليه، ودعا كيري من جانبه إلى حل نهائي للنزاع المجمد في قره باغ، والذي يجب أن يكون حلًّا تفاوضيًّا. وبعد هذا اللقاء بساعات احتدمت المعارك فجأة بين الطرفين، وسقط العديد من القتلى والجرحى، وتم الإعلان عن خسائر في المعدات، وكأن الطرفين كانا ينتظران فقط إشارة بدء المعركة، وأدت المواجهات إلى مقتل ما لا يقل عن 110 أشخاص، ما بين مدنيين وعسكريين من الجمهوريتين. بعيدًا عن الشق العسكري، فقد شهد النزاع بين الطرفين محطات كثيرة من المناوشات السياسية والخطوات الاستفزازية من كلا الطرفين تجاه الطرف الآخر، وكان أبرزها تبادل كلا الطرفين الاتهامات بشأن خرق الهدنة، حيث اتهم جيش دفاع جمهورية قره باغ، غير المعترف به دوليًّا، القوات الأذربيجانية بقصف مواقع لقوات قره باغ مؤخرًا، باستخدام مدافع هاون وقاذفات ومدرعات وأسلحة نارية، مما أسفر عن مقتل جندي أرمني. وقال المكتب الإعلامي لوزارة دفاع قره باغ إنه تم رصد 78 طلقة باستخدام أسلحة ثقيلة، الأمر الذي نفته وزارة الدفاع الأذربيجانية، متهمة القوات الأرمينية بانتهاك الهدنة 120 مرة خلال يوم واحد، وقصف مواقع للجيش الأذربيجاني في البلدات الواقعة في المناطق المتاخمة لقره باغ. ومن بين الخطوات السياسية التي صعدت الخلاف بين الطرفين تلك المحاولات التي قادتها أرمينيا لمحاولة انتزاع اعتراف باستقلال الإقليم، حيث ناقشت الحكومة الأرمينية في 5 مايو الجاري مشروع قانون طرحه نواب من المعارضة للاعتراف بالإقليم بصفته دولة مستقلة، واعتبرت الحكومة أن قرار أرمينيا سيتخذ قياسًا مع تطورات الأوضاع في الإقليم، الذي تسكنه أكثرية من الأرمن، وأوضح نائب وزير الخارجية الأرمني، شافارش كوتشاريان، حينها في بيان له، أنه إذا شنت اذربيجان عدوانًا عسكريًّا جديدًا، فسيكون الاعتراف باستقلال ناغورني قره باغ بندًا في جدول أعمال السلطات الأرمينية، الأمر الذي سارعت وزارة الخارجية الأذربيجانية إلى وصفه بإهانة إضافية لعملية المفاوضات. المواجهات التي اندلعت في إبريل الماضي لم تكن الأولى بين الجمهوريتين السوفييتتينالسابقتين في جنوب القوقاز، لكنها تعتبر الأسوأ منذ وقف إطلاق النار، الذي أبرم عام 1994 بعد حرب أهلية اندلعت عام 1988، وأسفرت عن سقوط ثلاثين ألف قتيل ونزوح مئات الآلاف، معظمهم من الأذربيجانيين، وأشعلها رئيس الاتحاد السوفييتي السابق، جوزيف ستالين، الذي رفع شعار "فرق تسد"، حيث أقدم ستالين عام 1923 على ضم إقليم قره باغ إداريًّا إلى أرمينيا، رغم وقوعه في قلب أذربيجان؛ لتنطلق شرارة الصراع بين البلدين، وانتهت الحرب عام 1991 بإعلان الأغلبية الأرمينية بين سكان قره باغ الانفصال بالإقليم عن أذربيجان، وقيام جمهورية قره باغ من جانب واحد، الأمر الذي أدى إلى اندلاع الحرب في تلك المنطقة بين الأرمن والأذربيجانيين التي انتهت بالتوقيع على هدنة في عام 1994.