بينما تمر علينا الذكرى ال68 على النكبة الفلسطينية، وتحديدًا يوم 15 مايو الجاري، حيث يحيي الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة وأراضي عام 1948 وفي الشتات ذكرى مأساة نكبتهم، فيتذكرون الكثير من الانتهاكات الإسرائيلية بحق المقدسات الفلسطينية الإسلامية والمسيحية ومحاولات الاحتلال المستمرة تهويد الأراضي المحتلة وتغيير معالمها العربية؛ ليكون صاحب الأرض أمام أمر واقع يفرضه الكيان الصهيوني مع الزمن. ففي خطاب محظور لأول وزير خارجية إسرائيلي يدعى موشيه شاريت في عام 1949 أفرجت عنه الصحافة الصهيونية مؤخرًا أكد هذه الانتهاكات. ففي ذلك الوقت هدمت العصابات الصهيونية أغلب المساجد، وحولت الكنائس إلى أماكن يقضي فيها جنودها حاجاتهم، ومع مرور الزمن لم تختلف الانتهاكات كثيرًا، فأصبح التدنيس والانتهاكات اليومية للمقدسات الفلسطينية وهدم المساجد الشغل الشاغل لجنود الاحتلال، لاسيما في المدن والقرى التي أجبروا أهلها المسلمين والمسيحيين على الهجرة منها، وحولوا قسمًا كبيرًا منها إلى نوادٍ وملاهٍ ليلية، ونسفوا بعضها، وحولوا البعض الآخر إلى كنس يهودية. انتهاكات ضد المساجد والمقدسات الإسلامية حائط البراق الذي أطلق عليه اليهود (حائط المبكى) من أول الأماكن المقدسة التي تم الاعتداء عليها من قبل الكيان الصهيوني، حيث شجع الإنجليز اليهود على الاعتداء عليه، فقامت من أجله ثورة البراق، التي انتهت بتشكيل لجنة للتحقيق، وقررت أنه وقف من أوقاف المسلمين، إلا أن هذا التقرير ذهب مع الريح. وحين احتل اليهود القدس سنة 1967م، أزالوا حارة المغاربة كلية بأبنيتها ومساجدها وزواياها، وحولوها إلى ساحة عامة لليهود. كما اعتدى الكيان الصهيوني على جامع الجزار، الذي يعد من أشهر المساجد في عكا، حيث أوقف الكيان ملحقات المسجد من الأوقاف والمدرسة الدينية، وشلوا حركة التدريس فيه، حتى أصبح معلمًا سياحيًّا لا حياة فيه للعبادة. كما اعتدى اليهود على مسجد يافا الكبير، وأرادوا أن يحولوه إلى ملهى ومعلم سياحي، فتحرك المسلمون في يافا، وثبتوا في مكانهم سنة 1948م، وشكلوا دائرة أوقاف في وجه حكومة الكيان، واتخذوا جميع الإجراءات القانونية حتى بقي مكانًا مقدسًا للعبادة. المسجد الإبراهيمي هو الآخر من الأماكن الإسلامية البارزة التي اعتدى عليه اليهود اعتداءَ سافرًا، وهو المسجد الذي به قبور الأنبياء إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلام وزوجاتهم، واهتم المسلمون بالمحافظة على هذه الرموز، إلى أن احتل اليهود الأراضي الفلسطينية، وقاموا بتدنيسه. المقابر والمقامات وداخل القدس قضى الكيان الصهيوني على مقدسات عدة منذ 1948، حيث محا مقبرة "مأمن اللّه" الشهيرة بمقبرة "ماملا"، وما فيها من مصلى، أما داخل القدس القديمة فهدمت إسرائيل المساجد والمصليات والزوايا والتكايا، وصودرت أراضٍ بلغت 170 دونمًا من أحياء الشرف والمغاربة والسلسلة والميدان والسعدية، فلم يبقَ منها إلا مسجد سيدنا عمر، بجانب كنيسة القيامة ومسجد الشيخ جراح المهجور والمسجد الأقصى، الذي يعتبر صاحب النصيب الأوفر من الاعتداءات الصهيونية، والتي بلغت أكثر من 150 اعتداءً. أما مقام النبي داود القائم على تلة صهيون في منطقة باب الخليل خارج أسوار المدينة، فلا يزال يتعرض لعملية تهويد ممنهجة، حيث يتكون المقام من ثلاثة أجزاء: أولها مسجد النبي داود عليه السلام، وقد حوله الاحتلال لكنيس يقيم اليهود داخله صلواتهم، وفي الجزء الثاني من المقام توجد كنيسة الخضر الملاصقة للأرمن، الذين يعتقدون أنها احتضنت ما يُعرف لدى المسيحيين ب "العشاء الرباني الأخير"، وبات يسيطر عليها المستوطنون، أما القسم الثالث فهو عقار لعائلة الدجاني، استخدمته كمساكن ومقبرة طيلة قرون. وحتى الآن تقوم جمعية رعاية المقابر الإسلامية برعايته وصيانة القبور التي ترقد فيها شخصيات مقدسية وعدد من جنود صلاح الدين الأيوبي. وفي عام 2011 تم الاعتداء على مقام النبي لوط عليه السلام في الخليل، نتج عنه هدم جزء كبير من المقام، الموجود داخل غرفة بالمسجد، وكان قديمًا قلعة رومانية تم ترميمها بزمن المماليك لتصبح مسجدًا، وفي نفس العام دمر الاحتلال أجزاء كبيرة من مقام الصحابي أبو عبيدة بن الجراح، وشواهد قبور أخرى في قرية عمواس؛ مما أثار حفيظة اهالي القرية. وفي 2012 اقتحم نحو 1200 متطرف صهيوني قبر النبي يوسف في نابلس، وأقاموا فيه الصلاة، وقالت وقتها مصادر فلسطينية إن نحو عشر حافلات أقلت مستوطنين وصلت إلى منطقة قبر يوسف تحت حراسة مشددة من قوات جيش الاحتلال، قام خلالها المستوطنون بأداء الصلوات والشعائر الدينية في المكان، مشيرة إلى أنه تم ترتيب الاقتحام بين جيش الاحتلال والمتطرفين. تحويل المساجد إلى كنس يهودية طمسًا للحقائق كما عمد الكيان الصهيوني في فترات كثيرة إلى تحويل المساجد والمقامات لكنس يهودية، حيث وثقت دراسة نشرت في أواخر عام 2012 بعنوان "المقدسات الإسلامية والرموز اليهودية بين التقديس والتدنيس" الانتهاكات الإسرائيلية بحق المقدسات الإسلامية في فلسطين، حيث أشارت الدراسة إلى أن هناك متعاونين هربوا من فلسطينالمحتلة أو قتلوا بعدما أقدموا على بيع أوقاف إسلامية في يافا وحيفا واللد لما يعرف ب"دائرة أراضي إسرائيل" أو جهات خاصة. وحسب الدراسة أبقت إسرائيل عددًا قليلًا من المساجد داخل المدن الفلسطينيةالمحتلة؛ كي توهم المجتمع الدولي أنها متسامحة وحضارية، لكنها في الوقت نفسه تحول دون صيانتها، وتجعلها فريسة للتقادم. ووفرت الدراسة دلائل على انتهاك إسرائيل للقانون الدولي ونكثها وعودها بحماية المقدسات غير اليهودية ومقاضاة المعتدين عليها. وسوَّى الكيان الصهيوني بعض المساجد بالأرض بعد نجاح جهات عربية في ترميمها، كما حصل مع مسجد النبي روبين الذي فجر في 1993 ومسجد صرفند عام 2002 ومسجد أم الفرج في 2007، وقدمت ذات الدراسة عينات على تحويل عشرات المقامات الإسلامية لمقامات يهودية، كمقام الشيخ سمعان قرب مدينة كفار سابا، الذي حول لمقام شمعون بن يعقوب، وهناك مساجد مآذنها مرتفعة وجدرانها تحمل كتابات عربية حولت لكنس كما هو الحال مع مسجد قرية العباسية المهجرة قضاء يافا. وترصد الدراسات التاريخية المختلفة قائمة من عشرات المساجد التي انتهكت سلطات الاحتلال الإسرائيلي حرماتها منذ النكبة، منها مسجد قرية الزيب قضاء عكا، والذي حولته إلى مخزن للأدوات الزراعية، ومسجد عين الزيتون في قضاء صفد، الذي حولته إلى حظيرة للأبقار، والمسجد الأحمر في صفد، الذي حولته إلى ملهى ليلي، والمسجد اليونسي، الذي حول إلى معرض تماثيل وصور، ومسجد القلعة في صفد الذي جعلته مقرًّا لمكاتب البلدية. وحولت المؤسسات الصهيونية مسجد الخالصة قضاء صفد إلى متحف بلدي، ومسجد عين حوض قضاء حيفا إلى مطعم وخمارة، كما حولت المسجد الجديد في قيساريا والمبني منذ عهد الخليفة عبد الملك بن مروان إلى مطعم وخمارة، واستعمل الكيان مسجد السكسك في يافا كمقهى للعب القمار وبيع الخمور، وحول مسجد مجدل عسقلان لمتحف في أحد جزءيه ومطعم وخمارة في الجزء الآخر، في حين استخدمت مسجد المالحة في القدس لإحياء السهرات الليلية.