لم تصمد الهدنة المتفق عليها بين الأطراف الدولية في سوريا طويلًا، فبعد ساعات من تعهد كل طرف بالالتزام بها، خرجت التنظيمات المسلحة عن وعودها كعادتها؛ لتخرق الهدنة، وتشن هجومًا جديدًا على عدة محاور سورية، الأمر الذي ينذر بعواقب خطيرة في حال سقوط التهدئة بشكل كامل. بدأ الخرق عندما بادر مسلحو جبهة النصرة بالهجوم على مواقع الجيش السوري في بلدة خان طومان ومحاور زيتان والخالدية والعيس وبرنة في ريف حلب الجنوبي، وذلك في محاولة للسيطرة على هذه البلدة، حيث بدأ الهجوم المسلح بقصف مدفعي عنيف، تبعته محاولات تقدم بري على محور الخالدية خان طومان، عبر هجوم تعاونت فيه عدة فصائل مسلحة إرهابية، وفي مقدمتها جبهة النصرة وفيلق الشام وحركة نور الدين زنكي وحركة أحرار الشام، وهو الخرق الذي اعترف به المركز الروسي للمصالحة في سوريا "حميم"، وأشار المركز إلى أنه تم تسجيل 14 انتهاكًا للهدنة في سوريا خلال ال24 ساعة الأولى من بدئها، منها 10 في محافظة حلب و4 في اللاذقية، وقال إن نظام وقف العمليات القتالية لا يزال قائمًا في معظم محافظات الجمهورية العربية السورية. الهدنة التي تم الاتفاق عليها لم تجعل الجيش السوري في حالة استرخاء وطمأنينة كاملة، بل كان في حالة هدوء حذر، حيث يتوقع الجيش دائمًا عدم التزام المسلحين بعهودهم وتلاعب التنظيمات المسلحة بالجهود الدولية ومحاولة استغلال الهدنة والهدوء على الجبهات لإحراز أي تقدم، وهو المخطط الإرهابي الذي لعبت عليه بالفعل هذه التنظيمات المسلحة، فيما نجح الجيش السوري في استيعابه مبكرًا، مستندًا إلى عدم ثقته في وعود هذه التنظيمات، وهو ما مكنّه من إحباط المخطط، حيث تمكن الجيش من الدفاع عن النقاط المهاجمة من قِبَل التنظيمات المسلحة، وتدمير آلية مفخخة كان يقودها انتحاري عبر استهدافها بصاروخ موجه في محيط خان طومان، كما استهدفت مدفعية الجيش آلية دفع رباعي مجهزة برشاش ثقيل؛ ما أدى إلى سقوط أفراد طاقمها بين قتيل وجريح، في حين أعلنت تنسيقيات المسلحين مقتل المسؤول العسكري في لواء بدر التابع لحركة أحرار الشام، علاء طعوم، خلال اشتباكات الريف الجنوبي. اتفاق ضم مدينة حلب إلى الهدنة السورية جاء بعد أن تحولت المدينة لكتلة من الألغام الجاهزة للانفجار في أي وقت، حيث استعرت الاشتباكات هناك بعدما أخرجت جبهة النصرة وداعموها كل طاقتهم وأوراق ضغطهم؛ لمنع سيطرة الجيش السوري على المدينة، وتمثل ذلك في هجوم واسع ظهرت ملامحه في الحشد على الجبهات العسكرية للمسلحين، مستخدمين مئات القذائف والصواريخ التي دكت المدينة بالكامل، وأسقطت مئات القتلى والجرحى من المدنيين، الأمر الذي استدعى ردًّا عنيفًا وقاطعًا من الجيش السوري والقوات الروسية الداعمة له؛ لتتحول المدينة في النهاية إلى كرة نار تحرق كل من يقترب منها. الوضع المأساوي الذي وصلت إليه حلب بعد 13 يومًا من القصف دفع القوى الدولية إلى محادثات وجهود حثيثة قادتها كل من واشنطنوموسكو؛ للتسويق إلى هدنة في سوريا تضم المدينة المنكوبة، حيث عُقدت سلسلة من الاجتماعات والدعوات الدولية؛ لبحث موضوع الهدنة والوضع الإنساني في المدينة، وسط تحذيرات من سيناريو استعادة الجيش السوري وحلفائه السيطرة على حلب، وهو الأمر الذي سيمثل خسارة ميدانية كبيرة لقوات المعارضة والتنظيمات المسلحة وداعميها في سوريا، وسيغير بشكل محوري أرضية محادثات جنيف، وفي نهاية هذه الجهود تم الاتفاق على ضم مدينة حلب ومحيطها إلى اتفاق تهدئة مدته 48 ساعة، يبدأ من الساعة الواحدة فجر الخميس، تتمكن من خلاله فرق الإغاثة من إخراج المدنيين من المدينة، وفي الوقت نفسه تستغله الفصائل المسلحة في إعادة هيكلة نفسها من جديد. وأعلن وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، الاتفاق مع موسكو على توسيع نطاق اتفاق وقف الاقتتال في سوريا؛ ليشمل مدينة حلب والمناطق المحيطة، مضيفًا أن البلدين سينسقان لتعزيز سبل مراقبة الترتيبات الجديدة عبر مركز المراقبة المشترك في جنيف. وأشار البيان المشترك بينهما إلى أهمية أن تضاعف روسيا جهودها للضغط على الرئيس السوري بشار الأسد؛ لالتزام الترتيبات الجديدة، بينما ستقوم الولاياتالمتحدة بدورها مع فصائل المعارضة. وذكر البيان أن الاتفاق أيضًا ضم تمديد اتفاق الهدنة في الغوطة الشرقية لدمشق، لمدة 48 ساعة إضافية، وهو الاتفاق الذي رحبت به العديد من القوى الدولية، وأعلن الجيش السوري الالتزام به. خرق الهدنة في مدينة حلب وسقوط اتفاق وقف إطلاق النار هناك ينذران بعواقب كارثية جديدة على المدينة وقاطنيها، وقد تصل إلى المحادثات السورية في جنيف، وهو ما حذر منه المبعوث الأممي إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، الذي قال إن خرق اتفاق الهدنة الجديد سيترتب عليه أزمات لاحقة، وأضاف أن فشل تطبيق الهدنة في حلب سيكون كارثيًّا، مشيرًا إلى احتمال نزوح 400 ألف سوري من المدينة نحو الحدود التركية؛ مما ينبئ بأزمة لاجئين جديدة.