حقوق الإنسان كلمتان طالما تشدقت بهما الدول التي تدافع عن هذه القضية، وما دامت هذه الحقوق بعيدة عنها، فوتيرة الكلام تصاعدية. ولكن عندما توضع هذه الحقوق وجهًا لوجه أمام هذه الدول، خاصة الأوروبية منها، فإن الأصوات تبدأ في التخافت حتى الاضمحلال؛ ليبقى الحديث عن حقوق الإنسان كحرية العقيدة ضربًا من الترف الفكري لا أكثر. ألمانيا تعد ألمانيا من أكثر الدول الأوروبية التي فتحت أبوابها مشرعة؛ لاستضافة اللاجئين العرب، وخاصة السوريين. وعلى الرغم من ذلك لم يمضِ وقت طويل حتى بدأت الأصوات المناهضة للعرب والمسلمين في الارتفاع، الأمر الذي أدى إلى انقسام في الآراء السياسية في ألمانيا، فالحزب الديمقراطي المسيحي التابع للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل يرى أن الإسلام جزء من ألمانيا. أما اليمين المتطرف فيرى أن ألمانيا لا بد أن تكون بدون إسلام ومسلمين وأي رموز دينية، حيث أعلن بالأمس حزب "البديل من أجل ألمانيا" برئاسة فراوكة بيتيرى، المعادي للمهاجرين، أن الإسلام لا يتماشى مع الدستور الألماني، واعتبر أن ألمانيا مهددة ب"الأسلمة" بعد تدفق مهاجرين مسلمين عليها في الآونة الأخيرة؛ هربًا من مناطق الحرب. ووصف المجلس المركزي للمسلمين بألمانيا موقف هذا الحزب ب "النازي". ويرى الحزب أن تدفق أكثر من مليون مهاجر العام الماضي، غالبيتهم مسلمون يفرون من الصراعات في سوريا والعراق وأفغانستان، على ألمانيا، يجعل "أسلمتها" خطرًا حقيقيًّا. وقالت صحيفة إيرالدو الإسبانية "إن الحزب اليميني المتطرف يرغب في مواجهة مباشرة مع الإسلام والمسلمين، بعد أن أقر حزبه بالأغلبية أن الإسلام لا يعتبر جزءًا من ألمانيا، وبأغلبية كبيرة من أعضاء المؤتمر الذين يناهز عددهم 2000، وهو ما يعني محاربة وجود الإسلام ومظاهره داخل الأراضي الألمانية، كما أنه يعني الحرب مع 4 ملايين مسلم داخل البلاد، ولذلك فإن تلك المواجهة لن تكون سهلة"، الأمر الذي دفع أيمن مزيك، رئيس المجلس المركزي للمسلمين بألمانيا للقول بأن "هذه هي المرة الأولى في ألمانيا منذ عهد هتلر التي يجري فيها تشويه طائفة دينية بالكامل، وتعرضها لتهديد وجودي". وأضاف أن هذا الحزب "يركب موجة الخوف من الإسلام. هذا ليس مسارًا معاديًّا للإسلام. إنه مسار معادٍ للديمقراطية". ويرى مراقبون أن السلطات الألمانية ربطت بشكل مقصود أو غير مقصود بين الإرهاب والإسلام، ففي الوقت الذي أعلنت فيه هيئة حماية الدستور الألمانية (الاستخبارات الداخلية) أن خطر تعرض ألمانيا لهجمات إرهابية لا يزال مرتفعًا، وأن الهيئة تراقب المتطرفين الدينيين والسياسيين، ولا تراقب المسلمين العاديين، إلا أن الهيئة قالت أيضًا إنها تراقب نحو 90 مسجدًا في البلاد، الأمر الذي قد تستغله الأحزاب اليمينية المتطرفة في ألمانيا، في ظل غياب صورة واضحة عن المسلم الحقيقي ومن يدّعيه في ذهنية المواطن الألماني، الأمر الذي تؤكده استطلاعات حديثة للرأي بتكليف من وكالة الأنباء الألمانية، كشفت أن حظر ارتداء الحجاب للفتيات المسلمات في المدارس الألمانية سيكون محل ترحيب من حوالي نصف الألمان. المثير للدهشة أن حزب ميركل، الذي يساند الإسلام على حد زعمه، جاءت نتيجته في استطلاعات الرأي حول حظر الحجاب مخيبة للآمال، ف 56% من أنصار التحالف المسيحي يرغبون في حظر ارتداء الحجاب في المدارس، الأمر الذي يهدد بتفاقم أزمة اللاجئين مع المواطنين الألمان، خاصة أن الأزمة لها شق اقتصادي أيضًا، فألمانيا قد تضطر إلى إنفاق حوالي 14 مليار يورو السنة المقبلة لمواجهة تكلفة تدفق اللاجئين الذين بلغت أعدادهم رقمًا قياسيًّا. بلجيكا قال وزير الداخلية البلجيكي جان جامبون، إبريل الماضي، إن جزءًا مهمًّا من المسلمين احتفلوا إثر هجمات بروكسل، وإن سياسة الاندماج قد فشلت. ودافع جامبون عن تصريحاته بالقول إن الجميع يعلم أن أمورًا كهذه حدثت، فهل يجب أن ننتظر تقريرًا رسميًّا من الشرطة؛ لتأكيد وجود مثل هذه الحقائق؟ وهو الأمر الذي دفع نوابًا في المعارضة البلجيكية لاتهام جامبون بإثارة انقسامات بين السكان المسلمين الذين يقدر عددهم بأكثر من 600 ألف شخص في بلجيكا وغير المسلمين. الصحافة الفلمنكية انتقدته أيضًا، وجاء عنوان صحيفة "دي ستاندارد" الاثنين "جزء مهم من المجتمع المسلم الذي احتفل: مطلوب للعدالة". هذا وكشف تقرير أعدته جمعية "مناهضة إرهاب الإسلام" البلجيكية عن تعرض المسلمين لاعتداءات يومية في بلجيكا. وخلال شهر بعد هجمات بروكسل سجلت الجمعية ما لا يقل عن ستة وثلاثين من الأفعال المعادية للمسلمين، بمعدل اعتداء على الأقل كل يوم. ومن المنتظر أن يتم الاعتراف في بلجيكا بعشرة مساجد إضافية قريبًا، مما يجعل المساجد المعترف بها تصل إلى 24 مسجدًا. وعلى الرغم من أن بلجيكا قالت إن طريقة منح التراخيص للمساجد تستطيع من خلالها الدولة البلجيكية مكافحة التطرف، إلا أن مراقبين قالوا إن هذه الخطوة من شأنها التشديد على مراقبة المساجد والحد من انتشارها، حيث يشترط للحصول على هذا الاعتراف أن تقوم المساجد بشكل خاص بتقديم حساباتها، وأن تجمع ما لا يقل عن 200 شخص من المسلمين المطالبين بترخيص المسجد. بريطانيا ذكرت مجلة "نيوزويك" الأمريكية إن رابطة قادة المدارس والجامعات في بريطانيا، والتي تمثل أكثر من 18 ألف مدرس وقادة الجامعات في المملكة المتحدة، قالت إنه يجب على المدرسين البريطانيين أن يطلبوا من التلاميذ التوقف عن الصيام خلال شهر رمضان لو كانوا يخشون على صحتهم. ومع اقتراب موعد الانتخابات لاختيار عمدة جديد للعاصمة البريطانية لندن في الخامس من مايو الجاري، خلفًا للعمدة الحالي بوريس جونسون، تصاعدت وتيرة الحملة الانتخابية بين المرشحَيْنِ الرئيسيَّيْنِ: صديق خان من حزب العمال، وزاك غولد سميث من حزب المحافظين. وفي تصريحات تشير إلى تصاعد الخلافات في بريطانيا على تولي مسلم لهذا المنصب، قال خان "إن غولد سميث يدير حملة يائسة ومسببة للانقسام، وإنه استهدف الناخبين على أسس دينية أو عرقية، وإنه لا يملك سجلًّا يؤهله ليكون رئيسًا لبلدية لندن". وفي يناير عام 2015 انتقد المجلس الإسلامي في بريطانيا الخطاب الذي صاغه وزير شؤون الأقليات إريك بيكلز، واعتبره يشكك في انتماء المسلمين إلى المجتمع. وقال هارون خان، نائب رئيس المجلس، إنهم وجهوا خطابًا لبيكلز؛ لمطالبته بتوضيح خطابه الذي طالب فيه المسلمين بشرح "كيف يكون الإسلام جزءًا من الهوية البريطانية". وأضاف "هل يحاول بيكلز أن يقول إنه يشاطر اليمينيين المتطرفين الرأي بأن الإسلام لا يمكن أن يكون جزءًا من الهوية البريطانية؟".