في الوقت الذي تسعى فيه الدول لامتلاك جزر تدعم من خلالها أمنها القومي، ترددت أنباء عن تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية، مقابل 2 مليار دولار سنويًّا و25% من الغاز والبترول. جاء ذلك ضمن الحديث عن توقيع اتفاقية "لتعيين الحدود البحرية" بين مصر والسعودية في خليج العقبة. وتُعَدُّ قضية ترسيم الحدود المائية بين مصر والمملكة من أبرز القضايا الشائكة بين القاهرةوالرياض منذ ما يقارب من نصف قرن. ويرى مراقبون أن السعودية الأقرب لحسم هذا الملف لصالحها، من خلال مقايضتها لمصر بالدعم المالي مقابل تنازلها عن الجزر؛ ما يفسر غزارة الطرح السعودي لاتفاقيات اقتصادية واستثمارات في مصر، التي تعاني من مأزق اقتصادي يصفه الخبراء بالكارثي، خاصة بعد ارتفاع الدولار مقابل الجنيه، ونقص الاحتياطي المصري، والانخفاض الحاد في السياحة. قضية الجزر العالقة بين القاهرةوالرياض لم تكن وليدة اللحظة، وفي حال التوصل إلى اتفاق حولها، فهناك دور كبير ساهم فيه مجلس التنسيق المصري السعودي الذي تم تفعيله لتنفيذ إعلان القاهرة، وقتها دارت شبهات كثيرة حوله، وأن الرياض تحاول استغلال الجيش المصري في حروبها، خاصة في اليمن مقابل امتيازات استثمارية وبترولية لمصر، فجلسته الخامسة المنعقدة في 22 من مارس العام الماضي تضمنت اتفاقيات تتعلق بتوريد مشتقات بترولية لمصر، واستكمال التوافق المصري السعودي فيما يخص عملية إنشاء القوة العربية المشتركة، وتعيين الحدود البحرية بين البلدين، وهو ما يخص جزيرتي تيران وصنافير. التواجد السعودي على حدود مصر الشمالية الشرقية على الرغم من كون الجزيرتين غير مأهولتين، إلا أن أهميتهما تكمن في موقعهما وما تحتويان عليه من ثروات، حيث تقع جزيرتا تيران وصنافير عند مدخل خليج العقبة بين الجهة المصرية والسعودية، وتصنعان ثلاثة ممرات من وإلى خليج العقبة، وتعطي الممرات الثلاثة للجزيرة أهمية استراتيجية، تكمن في أنه يمكنهما غلق الملاحة في اتجاه خليج العقبة، وتظهر أهمية أخرى تضاف للأهمية الاستراتيجية، حيث تم الإعلان عن المنطقة منذ عام 1983 كمحمية طبيعية، بالإضافة للثروات الطبيعية من نفط وغاز طبيعي في نفس المنطقة. وفي حال تنازل مصر لصالح السعودية، فإن خسارة مصر لن تقتصر على الأهمية المادية والاستراتيجية، بل ستتعداه إلى ما هو أهم من ناحية الأمن القومي المصري؛ نظرًا إلى أن من يمتلك هذه الجزر سيهدد أمن مصر، بالإضافة لأهميتها في أي مواجهة مع الكيان الصهيوني. التواجد السعودي في حدود مصر الجنوبية التنازل المصري عن الجزيرتين يعني أن السعودية باتت أقرب من أي وقت مضى من الحدود المصرية، فالسعودية تحاصر حدود مصر الجنوبية من خلال دعمها مطلب السودان في حلايب وشلاتين، وذلك إثر عودة العلاقات الدافئة بين السعودية و السودان، بعد قطيعة استمرت لنحو ثلاث سنوات. عودة العلاقات بين الرياضوالخرطوم حملت توقيع محمد بن سلمان، مهندس اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، حيث استطاع ولي ولي العهد في ساعات قليلة من اجتماعه مع الرئيس السوداني عمر البشير إنهاء الخلاف بين المملكة والسودان، من خلال زيادة المملكة لاستثماراتها في السودان. وربط مراقبون بين تصريحات السودان التي زادت من وتيرتها ضد مصر، وتقارب الخرطوموالرياض، فالرئيس السوداني عمر البشير شدد على عزمه استخدام كافة الطرق السلمية وغير السلمية لما أسماه باسترداد حق السودان في حلايب وشلاتين. وهنا تبدو السودان أقرب من مصر للرياض في مسألة حلايب وشلاتين، وحتى هذه اللحظة فإن الدعم السعودي للسودان مستمر، خاصة أن الأخيرة من النوع الذي لا يرفض أي طلب مرسل من قِبَل الرياض، فالسعودية دعت السودان لقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران وفعلت، ودعتها للمشاركة في عاصفة الحزم فلبَّت الخرطوم الدعوة، وبالتالي يبقى ملف حلايب وشلاتين ورقة ضاغطة بيد السعودية، فالسودان لم يطلب الوساطة في هذا الملف إلا من الرياض؛ ما يجعلها دولة نافذة في حدود مصر الجنوبية. التواجد السعودي في حدود مصر الغربية السعودية والتي تسعى لامتلاك جزيرتي تيران وصنافير لعبت دورًا كبيرًا في تقويض التحركات المصرية في ليبيا، فحسب أوساط إعلامية مصرية، فإن السعودية تعارض مشروع الرئيس عبد الفتاح السيسي في ليبيا، بالدعوة لتحرك عسكري لدعم قوات حفتر في مواجهة الجيش الموالي للحكومة الليبية المؤقتة في طرابلس العاصمة، والمدعومة من "المؤتمر الوطني الليبي"؛ ما يجعل من السعودية دولة متحكمة بطبيعة الأمور في ليبيا، فقطر وتركيا تدعمان المجموعات المحسوبة على الإخوان المسلمين، بينما السعودية تدعم المجموعات المسلحة التي تناصب المجموعات الأخرى العداء، وبالتالي التواجد السعودي في ليبيا يحاصر حدود مصر الغربية بطريقة غير مباشرة، كما هو الحال في السودان. توقيت التنازل يبدو توقيت تنازل مصر عن الجزيرتين غريبًا، خاصة في ظل تقارب المملكة السعودية مع الكيان الصهيوني، فالاتفاقية تقضي بتسليم الجزيرتين للسعودية، وبالتالي على المملكة أن تتحمل المواجهة المباشرة مع قوات الكيان الصهيوني. وبما أن هناك توافقًا بين الرياض وتل أبيب وتسريبات إعلامية عن تبادل زيارات دبلوماسية سرية بينهما، ومجموعة من التوافقات الإقليمية، فإن هذا يفتح المجال عريضًا أمام تساؤلات عديدة عن مدى استفادة الكيان الصهيوني من هذا التنازل لصالح السعودية.