خلف المصافحات والابتسامات التي تبادلها كل من الرئيس الكوبي راؤول كاسترو، ونظيره الأمريكي باراك أوباما، خلال زيارة الأخير لهافانا، كمن العديد من المشاعر السلبية التي لم يستطع الكوبيون نسيانها بعد، وهو ما اتضح جليًّا في تصريحات زعيم الثورة الكوبية "فيدل كاسترو". سخرية من تصريحات أوباما يبدو أن زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما الأخيرة لكوبا والحديث عن ذوبان الجليد في العلاقات بين البلدين أمر غير وارد بشكل كبير، على الأقل بالنسبة لزعماء الثورة الكوبية، أمثال فيدل كاسترو. فعقب انتهاء زيارة أوباما، كتب زعيم الثورة الكوبية والرئيس السابق، فيدل كاسترو، رسالة نشرتها صحيفة "غرانما" الكوبية الرسمية بعنوان "الشقيق أوباما"، وتضمنت أول رد فعل من زعيم الثورة الكوبية على الزيارة، وأكد فيها كاسترو أن بلاده لن تنسى مواجهاتها مع الولاياتالمتحدة في السابق، وقال: لسنا بحاجة أن تقدم لنا الإمبراطورية هدايا من أي نوع كان. وجاء في الرسالة "نحن قادرون على إنتاج المواد الغذائية والثروات المادية التي نحتاجها بفضل جهود وذكاء شعبنا"، وأضاف كاسترو أن "جهودنا ستكون مشروعة وسلمية؛ لأن ذلك هو التزامنا حيال السلام وأخوة كل الشعوب". وسخر الزعيم الكوبي في الوقت نفسه من العبارات الرنانة لأوباما التي وردت في خطابه الذي ألقاه في هافانا، قائلًا إن الاستماع إلى كلمات الرئيس الأمريكي كان يمكن أن يتسبب لأي شخص بالإصابة بأزمة قلبية. وذكّر كاسترو الشعب الكوبي بلائحة طويلة من الخلافات الماضية والمستمرة بين البلدين، رغم التقارب الكبير الذي بدأ في نهاية 2014، ومن هذه الخلافات غزو خليج الخنازير عام 1961، حينما حاولت ميليشيات من كوبيين منفيين احتلال الجزيرة بمساعدة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وقال كاسترو: بعد حصار وحشي دام 60 سنة، إضافة إلى أرواح الذين قُتِلوا خلال هجمات المرتزقة على سفننا والموانئ الكوبية، لا يتوهم أحد أن شعب هذا البلد النبيل والمترفع سيتخلى عن المجد والحق والثراء الروحي المكتسب من تطوير التعليم والعلوم والثقافة. وأضاف "اقتراحي المتواضع هو أن يفكر، وألا يحاول وضع نظريات حول السياسة الكوبية"، في إشارة إلى الرئيس أوباما. سبب زيارة أوباما لكوبا في محاولة أمريكية "لدفن آخر بقايا الحرب الباردة في الأمريكتين"، حسب تعبير أوباما، زار الرئيس الأمريكي كوبا في 20 مارس الجاري، وهي الزيارة الأولى لرئيس أمريكي لهذه الجزيرة الواقعة في البحر الكاريبي منذ عام 1928، واستمرت الزيارة ثلاثة أيام. وبعد أن كان أوباما مهاجمًا لكوبا وعدوها اللدود، أصبح خلال زيارته الأخيرة سائحًا في شوارعها، كما التقى نظيره الكوبي، راؤول كاسترو، والتقى في كاتدرائية المدينة الكاردينال جايمي أورتيغا، كما ألقى خطابًا في مسرح هافانا الكبير. الزعيم الكوري المعادي لأمريكا فيدل كاسترو، هو زعيم الثورة الكوبية الذي يبلغ من العمر 89 عامًا، وكان كاسترو دائمًا الشوكة في حلق الإمبريالية الأمريكية التي كانت تفرض سيطرتها وهيمنتها على وطنه الكوبي، الأمر الذي دفع كاسترو إلى الوقوف في وجهها دفاعًا عن وطنه. درس فيدل كاسترو في جامعة هافانا، حيث التحق بكلية الحقوق، وتخرج فيها عام 1950. وبعد حصوله على درجة الدكتوراه في القانون، رفع كاسترو قضية ضد رئيس البلاد "فولغنيسو باتيستا"، اتهمه فيها بانتهاك الدستور. وبعد رفض دعواه القضائية، حمل كاسترو سلاحه في ثورة مسلحة، وهاجم ثكنات مونكادا العسكرية فى كوبا، وأُلْقِيَ القبض عليه بعد محاولته الفاشلة لإسقاط الحكم، وسجن ثم عُفِيَ عنه، وتم نفيه، ثم عاد إلى كوبا عام 1956. لم ييأس كاسترو من نجاح ثورته ضد الرئيس الكوبي المدعوم من أمريكا، فقاد مجموعة من المتمردين، أطلقوا على أنفسهم "حركة 26 يوليو"، وانضم للحركة تشى جيفارا وحشد شعبي كبير، إضافة إلى عدد كبير من أفراد القوات المسلحة الكوبية، وتم الإطاحة ب باتيستا الديكتاتوري، الذي هرب في يناير 1959، وتنصب فيدل كاسترو رئيسًا وزعيمًا في الحكومة. كان فيدل كاسترو يصر على إقامة منظومة ديمقراطية عادلة فى ظل اقتصاد منظم بعيد عن الشيوعية والماركسية. وفي إبريل عام 1959 زار الرئيس كاسترو الولاياتالمتحدة، والتقى نائب الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون، واعتذر الرئيس الأمريكي حينها "إيزنهاور" عن عدم استطاعته اللقاء مع كاسترو؛ لارتباطه بلعبة الجولف. وعندما عاد كاسترو إلى كوبا، قام بتأميم جميع المصالح الأمريكية في كوبا. وردت الولاياتالمتحدة على ذلك بفرض المقاطعة التجارية على كوبا، وقطعت علاقاتها الدبلوماسية بها، وفتحت أبواب الهجرة لأعداء كاسترو وخصومه السياسيين إلى كوبا، وهنا اضطر كاسترو إلى اللجوء إلى الاتحاد السوفييتي، محولًا كوبا إلى أول دولة شيوعية في العالم الغربي، ووقع على شتى أنواع المعاهدات مع الاتحاد السوفييتي، وبدأت المساعدات المالية واللوجستية السوفييتية تنهال على كوبا. كما نجح فى توطيد علاقته بأمريكا الجنوبية، التى كانت ترفض الهيمنة الأمريكية أيضًا. أصبحت كوبا معقلًا للحرب الباردة، وقادت أمريكا محاولة فاشلة لإسقاط حكومة كاسترو الكوبية، التي لم ترق للسياسات الأمريكية، ولكنها فشلت، وذلك فى معركة خليج الخنازير، التي قادتها المخابرات الأمريكية في إبريل عام 1961، وحينها أصبح كاسترو عدو أمريكا الأول، وحاولت المخابرات الأمريكية اغتياله أكثر من 600 مرة، لكنهم فشلوا في قتله، وحكم كاسترو البلاد قرابة 50 عامًا، شهد فيها رحيل وصعود نحو 10 رؤساء أمريكيين، جميعهم حملوا البغض والكره والعداء لكاسترو والثورة الكوبية. في عام 2008 استقال كاسترو من الرئاسة الكوبية؛ بسبب مرضه الشديد؛ ليترك الحكم لأخيه راؤول كاسترو؛ ليكون أول زعيم كوبي يؤسس لدولة مستقله بعيدًا عن الهيمنة الأمريكية، الأمر الذي جعل أمريكاوكوبا قطبين متنافرين.