مع اشتداد الصراعات الداخلية في تركيا، لاسيما في أزمة الأكراد التي دخلت مرحلة شديدة التعقيد، كشفت تقارير عن صراع جديد يشتعل داخل أروقة حزب العدالة والتنمية الحاكم، بسبب إقصاء أغلبية قياداته السابقة. اشتعال الصراع داخل الحزب الحاكم في تركيا كانت له مؤشرات سابقة، بينها حكم المحكمة الدستورية التركية الأخير، الذي مهد الطريق لإطلاق سراح اثنين من الصحفيين البارزيين، كانا قد اعتقلا بسبب تقارير عن شحنات الأسلحة التركية إلى سوريا، حيث دارت خلافات داخل الحزب بين مرحب بقرار المحكمة الدستورية وغاضب، وقالت صحيفة «المونتيور» الأمريكية: إن القرار أثار غضب الرئيس أردوغان، وأثار المشاحنات الداخلية في حزب العدالة والتنمية، خاصة مع إعلان الرئيس التركي أنه لا طاعة واحترام لقرار المحكمة الدستورية، بل وذهب أبعد من ذلك، مدعيًا أنه كان يحاول حماية الدستور الذي انتهكته المحكمة، في حين قدم المشورة للنيابة العامة لاستئناف الحكم، وتجاهل حقيقة أن المحكمة الدستورية هي التي تتخذ القرارات النهائية والملزمة. في المقابل انتقدت المعارضة تصريحات الرئيس التركي التي تأتي كضربة جديدة لسيادة القانون، وفي محاولة لتهدئة الغضب، قال المتحدث باسم الحكومة نعمان كورتولموش: أردوغان أعرب فقط عن وجهة نظر شخصية. وبينما كان الجميع يتحدث عن أن الرئيس التركي السابق وأحد القيادات البارزة في حزب العدالة والتنمية، عبد الله جول اعتزل السياسة، يؤكد تقرير المونتيور أن جول يبدو أنه وراء الإفراج عن الصحفيين الذي فضحوا سياسة أردوغان في سوريا، وكشفوا عن أن المخابرات التركية تدعم مجموعة من الإرهابيين في الصراع الدائر بسوريا، وأكدت تقارير أن جول لديه الكثير من المقربين في سلك القضاء. وربطت صحيفة المونتيور تأييد جول قرار المحكمة بمداهمة الشرطة لمجموعة بويداك القابضة التي توظف 15 ألف شخص ومقرها بقيصري، مسقط رأس جول، واستطردت الصحيفة: إن كثيرين نظروا إلى عملية المداهمة باعتبارها رسالة إلى «جول» الذي وصف المداهمة بالعمل المزري قائلًا: يعرف عن عائلة بويداك الاجتهاد والصدق والعمل الخيري.. آمل ألَّا يستمر هذا الوضع المزري لهم أكثر من ذلك. وأعاد هذا الخلاف الحديث بين قيادات الحزب العدالة والتنمية للأذهان المؤشرات السابقة، التي تحدثت عن رغبة بعض قيادات الحزب السابقين المرتبطين بجول في إنشاء حزب سياسي مواز للحزب الحاكم، الذي يكون على رأسه «بولنت أرينش»، رئيس البرلمان السابق ونائب رئيس الوزراء، الذي وجَّه انتقادات كثيرة ضد حزب العدالة والتنمية وأردوغان في الفترة الأخيرة، مما سبب صدمة كبيرة للحزب. أسباب الخلافات خارجية أكثر رغم أن حزب العدالة والتنمية استطاع أن يمسك بمفاتيح البلاد كاملة لمدة 14 عامًا، منذ صعوده في سدة الحكم التركي 2002، لكن لا تخفى على أحد الاهتزازات التي تلقاها هذا الحزب وقادته خلال الفترة الأخيرة، فبعد خسارته الأكثرية النيابية في انتخابات البرلمان التركي 2015 وإعادته الانتخابات مرة أخرى ليحصد الأغلبية، كشف الكتاب الذي ألّفه أحمد سافير، المستشار الإعلامي للرئيس التركي السابق، عبد الله جول عن عمق وجوهر الخلاف داخل حزب العدالة والتنمية. وأكد سافير أن القضيتين السورية والمصرية كانتا جوهر الخلاف بين جبهة جول وجبهة وأردوغان داخل الحزب، حيث انتهج أردوغان سياسة العداء للرئيس المصري الجديد منذ اليوم الأول لتسلمه الرئاسة في مصر، كونه أحد الرموز التي أطاحت بحكم الإخوان المسلمين، مما أدى إلى فتور في العلاقات التركية المصرية الأمر الذي خالفه عبد الله جول. ومن أبرز الخلافات الأخرى التي أوردها سافير، وأغضبت جول، تدخل الحزب الحاكم بقيادة أردوغان وداوود أوغلو في أزمات الدول المجاورة كسوريا والعراق، التي وصفها بالخطأ الكبير لما له تداعيات كبيرة على الداخل والأمن التركيين. داود أوغلو لن يدعم النظام الرئاسي على الرغم من تحالف أوغلو وأردوغان في الوقت الراهن، إلَّا أن رئيس الوزراء التركي أبدى أنه لن يكون لقمة سائغة للرئيس التركي في بداية حكمه، إذ اعترض بصورة غير مباشرة على الصلاحيات غير المتناهية للرئاسة التركية، بخلاف ما وضعه الدستور التركي، ففي موقف يعكس معارضة أوغلو للرئيس التركي، عندما أعلن أردوغان عبر مستشاره غير الرسمي أن اجتماع مجلس الوزراء سيكون في شهر يناير من العام الماضي، اعترض داود أوغلو وبحسب تسريبات تساءل أوغلو: لماذا استخدم أردوغان بعد ذلك التاريخ بصورة أكبر لصلاحياته الرئاسية، خاصة في المسائل الاقتصادية بقوله دون الرجوع لرئيس الحكومة؟! حدث خلاف آخر بين أوغلو وأردوغان حول استقالة هاكان فيدان، رئيس الاستخبارات التركية، حيث كانت هناك رغبة لداود أوغلو لتعيين شخص مقرب منه، ورغم محاولة أوغلو، إلَّا أن أردوغان نجح في النهاية بإعادة هاكان، الأمر الذي وضح أن أوغلو ليس صامدًا أمام المحاولات كافة، التي يجريها الرئيس لتحويل النظام من برلماني إلى رئاسي. جول يختلف سياسيًّا مع أردوغان منذ نهاية فترة رئاسة عبد الله جول،أحد أبرز القيادات بحزب العدالة والتنمية ورئيس الجمهورية الحادي عشر لتركيا، وصعود أردوغان، بدا واضحًا أن هناك محاولة واسعة لإقصاء جول من المشهد السياسي نهائيًّا. ورغم أن أردوغان دعا جول إلى الدخول مرة أخرى في الحياة السياسية، إلَّا أن هذه الدعوة جاءت بعد أن صرح برفضه للنظام الرئاسي بشكله المطروح، وبعد أن ظهرت بوادر انشقاق داخلية في الحزب، على رأسها نائب رئيس الوزراء السابق بولنت أرينش، كما تخوف أردوغان من أفعال جول الأخيرة، التي قد تهدد بتشكيل حزب معارض لأردوغان. بولاند أرينش كان نائب رئيس مجلس الوزراء السابق بولاند أرينش, أحد الأركان الأساسية الثلاث لحزب العدالة والتنمية، وابتعد عن المناصب الداخلية بالحزب أو الحكومية رويدًا رويدًا بعد استقالته على خلفية قضية الفساد العام الماضي، بأمر من أردوغان، الذي بدأ ينظم قاعدة الأجيال الثلاث لعدم إعطاء بعض القيادات، التي بدأت تكون مختلفة مع سياسته مهمات جديدة كسفراء أو ولاة أو نواب وزراء أو أعضاء مجالس إدارات؛ لضمان ابتعاد مثل هذا الجيل عن الحزب. وأرجع أرينش أسباب وجود خلافات داخلية بالحزب إلى إقصاء أردوغان أغلب قيادات الحزب، وأكد لصحيفة حرييت في وقت سابق أن 98% من قادة حزب العدالة والتنمية، تمت تنحيتهم من مناصبهم واستبعادهم عن الحزب في سياسة مدروسة خلال السنوات الأربع الماضية، واصفًا القيادات الحالية بأنها وصولية ومتنفعة، ولفت في هذا الإطار إلى حملات إعلامية قاسية يشنّها الإعلام الموالي على أي منتقد لأردوغان أو لسياسة الحزب، أيًّا تكن صفته. وكان أرينش قد أثار جدلًا واسعًا داخل الأوساط التركية لتحميله أردوغان مسؤولية فشل مسيرة السلام مع الأكراد، إذ قال في وقت سابق: إن أردوغان كان يعلم بكل ما أُنجز مع زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان في مسيرة السلام مع الحكومة، مشيرًا إلى أن الرئيس التركي هو من تخلّى عن تلك المسيرة وغيّر رأيه فجأة.