لايزال التعنت السعودي يفسد ما تحاول بعض الدول إصلاحه، ليس فقط على المستوى السياسي بل امتد التعنت ليصل إلى المجالات الاقتصادية أيضًا خاصة النفطية، ففي الوقت الذي تعاني فيه معظم الدول من هبوط أسعار النفط مما أثر سلبًا على اقتصادها وعلى رأسها الدول الخليجية وتحديدًا السعودية، وفيما تحاول بعض الدول المنتجة للنفط إصلاح ما أفسدته الدول الخليجية، يأتي التعنت السعودي والإصرار على إلحاق الضرر بالدول التي تعتبرها الرياض معادية لها مثل روسياوإيران، ليطمس الأعين السعودية عن الأذى الحقيقي الذي لامس بالفعل اقتصادها وموازنتها في ظل الوضع المضطرب الذي تشهده أسواق النفط العالمية، لتتحول أسواق النفط إلى ساحة معركة جديدة بين روسياوإيران من جانب والسعودية من جانب آخر. على الرغم من أن أزمة انهيار أسعار النفط ترجع في الأساس إلى السعودية ودول خليجية أخرى؛ بسبب دخولهم في حرب إنتاج ضد النفط الصخري في الولاياتالمتحدة؛ مما تسبب في فقدان الأسعار ل70% مقارنة مع مستويات منتصف 2014، إلا أن الضرر لم يقتصر على هذه الدول فقط، بل امتد إلى الدول المنتجة للنفط في جميع أنحاء العالم، وعلى رأسها روسياوفنزويلاوإيران، وهو ما دفع تلك الدول إلى اتخاذ أي خطوة من شأنها إيقاف التخمة التي تعاني منها أسواق النفط العالمية، وعلى الرغم من أن روسيا ليست عضوة في منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك"، إلا أنها خاضت معركة شرسة بمساندة فنزويلا لإقناع الدول المنتجة للنفط بإيقاف تخمة المعروض من النفط الخام في الأسواق العالمية، في محاولة لكبح جماح الأسعار المتدنية للنفط، والتي أثرت بدورها على اقتصاد الدول المعتمدة في ميزانيتها عليه بشكل كبير وخاصة الدول الخليجية. خلال الأيام القليلة الماضية، عقدت بعض الدول الأعضاء في منظمة أوبك، السعودية وقطر وفنزويلا، إضافة إلى روسيا، اجتماعا رباعيا لوزراء نفط هذه الدول، ناقشوا خلاله الوضع في سوق النفط، وأثمر الاجتماع عن اتفاق على تجميد مستوى إنتاج النفط عند مستواه في شهر يناير الماضي، وذلك بشرط انضمام باقي منتجي النفط الدوليين إلى هذه المبادرة، وحينها أعلن المكتب الصحفي لوزارة الطاقة الروسية إن روسيا والسعودية وقطر وفنزويلا، مستعدين لتجميد إنتاجهم من النفط، ولكن بشرط أن يلتزم باقي منتجي النفط الدوليين بذلك. نجاح المفاوضات أكدته وزارة الطاقة القطرية، فقال وزير الطاقة القطري، محمد بن صالح السادة، عقب انتهاء المفاوضات، إن الأطراف اتفقت على تجميد مستويات الإنتاج عند مستواها الذي كان في 11 يناير، ولكنه استدرك أن الاتفاق مشروط بمشاركة باقي كبار منتجي النفط، في إشارة إلى باقي الدول المصدرة للنفط والعضوة في منظمة أوبك، وعلى رأسها إيرانوالعراق والكويت والإمارات. في السياق ذاته؛ صرح وزير البترول السعودي، علي النعيمي، أن تجميد إنتاج النفط عند مستويات يناير سيكون كافيًا لتحسين أوضاع سوق الخام، وأضاف النعيمي، نعتقد أن تجميد الإنتاج الآن عند مستوى يناير كاف للسوق، وتابع: نلاحظ اليوم أن الإمدادات تنخفض بسبب الأسعار الحالية، وأن الطلب يرتفع، إنها بداية عملية سنقيمها في الأشهر القليلة القادمة ونقرر ما إذا كنا في حاجة لاتخاذ خطوات أخرى لتحسين السوق وإعادة الاستقرار إليها. وبمجرد تداول الأنباء عن نجاح مفاوضات اتفاق الدوحة، وتجميد انتاج النفط، انعكس الأمر على الأسواق سريعًا، حيث ارتفعت أسعار النفط في التداولات الصباحية التي تلت الاجتماع مباشرة بنسبة 5%، وبلغ سعر البرميل قرابة ال31 دولارًا، وتوقع الخبراء أن تعرف أسعار النفط قفزة نوعية على المستوى العالمي بما يصل إلى 12% بعد نجاح المفاوضات. تزايد التفاؤل بقرب التوصل إلى اتفاق مع باقي أعضاء منظمة أوبك بعدما أعلنت إيران دعمها لقرار اجتماع الدوحة بتجميد سقف الإنتاج بهدف استقرار السوق النفطية وتحسين الأسعار، فقال وزير النفط الايراني، بيجن زنكنه: بالرغم من أن هذا القرار يعتبر خطوة أولى ويجب اتخاذ خطوات أخرى أيضًا، لكن بداية هذا التعاون بين الدول الأعضاء وغير الأعضاء يبعث على التفاؤل، وإيران تدعم أي إجراء لاستقرار السوق وتحسين الأسعار. وأبدت نيجيريا التي تعتبر عضوة في منظمة أوبك، ترحيبها بنجاح الاجتماع وتفاؤلها حيال تعميم الاتفاق على جميع الدول المنتجة داخل المنظمة وخارجها، حيث قال وزير النفط النيجيري، إن المزاج داخل منظمة أوبك يتحول إلى توافق متزايد على ضرورة التوصل إلى قرار بشأن كيفية دعم الأسعار. وبدوره أكد وزير الطاقة الإماراتي إن منظمة البلدان المصدرة للبترول أوبك، مستعدة للتعاون في خفض الإنتاج، كما أعلنت العراق استعدادها لبحث تخفيض إنتاج النفط الخام، وقال وكيل وزارة النفط العراقية، إن بلاده على استعداد للتعاون مع البلدان المصدرة للنفط في أوبك بالتوصل إلى تحديد سقف لإنتاجها من الخام يعيد التوزان بين العرض والطلب في الأسواق العالمية، مضيفًا أن وزارة النفط العراقية أبدت في مناسبات عدة تأييدها للتوجهات بشان خفض إنتاج الخام عالميًا وتنفيذها في أقرب وقت لدعم اقتصاد البلدان المنتجة والاقتصاد العالمي. الإجماع الدولي على تجميد إنتاج النفط، من روسياوفنزويلا والسعودية والإماراتوالعراقونيجيريا وقطر وإيران، بعث الأمل في نفوس المستثمرين باتفاق قريب بين المنتجين للحد من هبوط الأسعار، لكن عدم التزام السعودية بتصريحاتها والتنصل من الاتفاق الذي تم خلال الاجتماع الرباعي في الدوحة، أعاد الأمور إلى نقطة الصفر. قال وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، إن المملكة ليست مستعدة لخفض حصتها من إنتاج النفط، وأضاف الجبير: إذا أراد منتجون آخرون الحد من الإنتاج أو أن يتفقوا على تجميد ما يتعلق بالإنتاج الإضافي، فذلك ممكن أن يؤثر على السوق، لكن السعودية غير مستعدة لخفض الإنتاج، وتابع الوزير السعودي: موضوع النفط سيحدده العرض والطلب وقوى السوق، المملكة العربية السعودية ستحافظ على حصتها من السوق. الموقف السعودي جاء بمثابة ضربة موجعه للجهود التي تقوم بها روسياوفنزويلا ودول أخرى في أوبك وحتى خارج المنظمة للحد من انهيار أسعار النفط، ومن المؤكد أن هذا الموقف المتعنت سيؤثر بالضرورة على مواقف باقى الدول على الأقل في منطقة الخليج، وعلى رأسهم الإمارات وقطر والكويت، على اعتبار أن المملكة أكبر منتج للنفط والمهيمنة على قرارات منظمة أوبك. استنادًا على المعطيات السابقة تكون النتيجة أن خطة المملكة الساعية إلى تحجيم دور إيران في الشرق الأوسط ومنعها من التمتع بالعائدات النفطية التي من المفترض أن تشهد انتعاشًا بعد رفع العقوبات التي كانت مفروضة عليها بسبب برنامجها النووي، ومحاولات المملكة ضرب اقتصاد روسيا الذي يعتمد بشكل كبير على العائدات النفطية، أضاع الفرصة في تحقيق عوائد إضافية من خلال ارتفاع أسعار النفط، وهو ما كان سيعود على خزينة المملكة بالمليارات لتعويض خسارة اقتصادها المهدد بالتهاوي وعجز ميزانيتها، جراء دوامة الحروب التي اشتركت فيها خلال الفترة الأخيرة سواء في اليمن أو سوريا.