(1) في الوقت الذي كانت فيه المنظمات الحقوقية تُسجل في تقاريرها 13 حالة وفاة و 87 حالة تعذيب وإختفاء قسري في 37 يوم فقط، وتُندد بالازدياد الملحوظ في حالات تعذيب المواطنين داخل السجون، وقف السيد عبد الفتاح السيسى داخل أكاديمية الشرطة ليلقي كلمته أمام ضباط الشرطة ويقول لهم " أنا مش جاي أتكلم عن التجاوزات، أنا جاي أشكركم" واعتبر أن هذه التجاوزات حالات فردية تصدر في قسم شرطة أو إثنين، "حسب تعبيره". يتحدث السيد السيسى عن حوادث الإعتداء على الأطباء، أو التحرش بالنساء في عربات المترو، وتعذيب المواطنين حتى الموت داخل أقسام الشرطة، والتي نقرأها يوميًا على صفحات الجرائد ومواقع التواصل الإجتماعي، على أنها حوادث فردية وليست ممارسات منهجية داخل "جمهورية الحواتم". ولأن الشرطة المصرية منوطٌ بها حماية النظام بالأساس، وليس حماية الأمن الداخلي، لذا كانت العصا الغليظة لأى نظام للبطش والتنكيل بالمعارضين السياسيين والمواطنين على حد سواء، وبعد 30 يونيو ظلت تتمادى تحت تأثير نشوة القتل، ودخلت في صراع مباشر ومفتوح مع جموع المعارضين للنظام وعموم المواطنين، لا تفرق بين أحدًا منهم. هذه الممارسات القمعية نتاج طبيعي لرخصة القتل التي منحها النظام لرجال الشرطة، دون أن تمتد اليهم يد المحاسبة، طالما استطاعت أن تخلق عدوا جعلته شماعة تبرر عبرها تلك الممارسات، فعندما يتم تعذيب أو قتل أى شخص أول ما يُقال إنه إخوان ومن العناصر الإرهابية. تمر واقعة تلو الأخرى بسيناريو جديد، يكشف معه ازدياد صلف الداخلية مع كل واقعة، وفجور أفرادها، ودفاع إعلامها، وتبرير مؤيديها؛ لنحصد كل يوم مزيدًا من العنف والقتل، يقابله في أحسن الأحوال تصريحات: "نشجب، نندد، ندين" لكي يهدأ الرأي العام قليلًا، وينشغل بعدها في حاله وأزماته، لتطل علينا جمهورية الحواتم بواقعة جديدة، وتشعل الغضب من جديد، وتوقظ النار في النفوس.. ويُتحفنا الخبراء الاستراتيجيين بتصريحات شمالية غربية، تابعة لمجلس قيادة العالم، تستخف بعقول الناس وتزيد في نفوسهم الحنق والقنوط، مثلما تحدث عضو مجلس "النواب" حمدي بخيت وقال "إن واقعة الدرب الأحمر ومقتل سائق التوك توك على يد أمين الشرطة ماهو إلا مخطط خارجي، وإن القوي الخارجية والاستخبارات رسموا سيناريوهات ضد مصر، وأنه تم استغلال التجمعات بصناعة الحدث، ثم التجمع، ثم إثارة الشارع وعملية القتل.. سيناريوهات هما راسمينها، واحنا عمالين نطبطب" وكأن وزارة الداخلية مُصرة على أن تستحضر يوم الحسم سريعًا، وكأنها تدفع الناس لتنفيذ قانون الغاب، حيث الكفر بالسلمية، والكراهية بلا حدود، تسيل معها بحور من الدماء لن يستطيع أحد أن يمنعها. (2) -سأله الضابط كم عُمرك؟ تبدو صغيرًا ! أجاب في السابعة عشر من العمر. -هل كنت تحمل الخرطوش والبندقية أم كان هناك من يحملها عنك؟ ضحك الطفل من التهمة وسذاجتها، وقبل أن ينطق إنهال عليه المخبرين بالضرب في جميع أنحاء جسده النحيل، لم يشفع له حداثة سنه، أو صرخاته الطفولية البريئة، وهو يستنجد بالضابط ويستجديه أن يأمرهم بالكف عن إيذائه. عاود الضابط مرة أخرى سؤال الطفل، دون أن يُحرك ساكنًا لتأوهاته واستجدائه الكف عن ضربه، وكأن الأمر لا يعنيه من الأساس.. أعلم أنك صغير وحديث العهد بعالم الإرهاب، أخبرنى إلى أي تنظيم تنتمي؟، ومن يقوم بتمويلك بالمال والبنادق لتقوم بحرق المنشآت وقتل أفراد الشرطة؟ وسوف أتركك على الفور. لم يستوعب الطفل بعض الكلمات التى سُأل عنها، حاول جاهدًا أن يُقاوم آلامه الجسدية، ويستجمع نفسه؛ ليلتقط بعض الكلمات التي قيلت له ليفهم مغذى السؤال!! لم أفعل شيئًا، ولم يعطني أحدًا مال أو بنادق، ماحدث أنني كُنت سائرًا في الطريق عندما شاهدت الناس تجري فزعا، والهلع على وجوههم، رأيت أعمدة الدخان تتصاعد وتُغطى سماء المنطقة، كانت رائحتها كريهة وغريبة. فزعت وجريت مع الجموع الفزعة، الجميع كان يجري دون توقف، وبعدها لم أشعر بنفسي، وعندما استفقت وجدت نفسي مكبلًا بالأصفاد داخل عربة الشرطة، مع أكوام متراصة فوق بعضها البعض. لا أعرف شيئًا مما تقول، كنت ذاهبًا إلى درس الكيمياء، ومن الممكن أن تتصلوا بأستاذ طه عبد العظيم، أستاذ الكيمياء، السنتر الخاص به في نفس الشارع الذي مررت به، إتصلوا به وسيخبركم بكل شيء. -استدار الضابط للطفل وقال له في هدوء، أيها الولد لا أحد يعلم أنك في قبضتنا الآن، وإن حدث لك أي شيء لن يعلم أحدًا ماذا حل بك بعد أن يجدوك جثة هامدة على الطريق الصحراوى. ساد صمت مطبق في جميع أرجاء الغرفة، شعر الطفل بخطورة كلمات الضابط دون أن يعي ما يرمي إليه، أو ماذا يفعل، وبماذا يجيب؟، قطع الصمت أنين الطفل وبكائه الهيستيرى، أريد أن أرى أبي وأمي، لم أفعل شيئًا، إسألوا أستاذ طه، قطع حديث الطفل سيلًا من السُباب والركلات من الضابط، وهو يقول له هل تعتقد أنك بطل؟ أنت نكرة صرصار، سأدهسك بحذائي هذا، لن يعرف أحد لك مكانًا وسأذهب بك إلى ما وراء الشمس..