الاعتداءات والانتهاكات الصهيونية لم تقتصر على الشعب الفلسطيني المقاوم للاحتلال، بل امتدت لتصل إلى النواب العرب في الكنيست، الذين يحاولون إسماع صوت الأقلية العربية، ويشكلون شوكة في حلق الكيان الصهيوني، وصوت يصدح فيوجه عنصريته، غير أن الأغلبية اليهودية تفرض رأيها دومًا. تحريض صهيوني حملة تحريض واضطهاد واسعه تعرض لها النواب العرب في الكنيست مؤخرًا، على خلفية لقائهم عددًا من ذوي الشهداء الفلسطينيين الذين نفذوا عمليات طعن ودهس ضد إسرائيليين، وتحتجز الأخيرة جثامين أبنائهم منذ فترة طويلة كإجراء عقابي، حيث انطلقت انتقادات واسعة من اليمين واليسار الإسرائيلي ضد تصرف النواب، وامتدت الانتقادات إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية الذي لم يتوان في تهديد النواب العرب والمطالبة بمعاقبتهم. قدم رئيس الكنسيت، يولي إدلشتين، ورئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، شكاوى إلى لجنة السلوكيات التابعة للكنيست ضد نواب من حزب التجمع، وعلى رأسهم باسل غطاس وجمال زحالقة وحنين زعبي، وهاجم نتنياهو النواب العرب قائلًا: إن نوابًا يذهبون لتقديم العزاء لعائلات من قتلوا إسرائيليين، يجب ألا يجلسوا في الكنيست. وطالب نواب كنيست إسرائيليون من اليمين بإبعادهم من العمل البرلماني، واتفق معهم ذوي أحد الإسرائيليين الذين قتلوا جراء إحدى العمليات الفردية التي نفذتها المقاومة الفلسطينية، مطالبًا بفتح تحقيق مع هؤلاء النواب، قائلًا: إنه لا يعقل أن يزور نواب إسرائيليون عائلة قاتل إسرائيلي لتقديم التعزية، وأن يمجدوه على أنه شهيد، يجب إلغاء حصانتهم البرلمانية والتحقيق ضدهم بالتحريض على الإرهاب. من هم النواب العرب بالكنيست الحالي؟ النواب العرب في الكنيست يمثلون فلسطينيي 48، وعددهم خلال الدورة الحالية 17 نائبًا من أصل 120 عضوًا، يمثلون مليونًا و600 ألف عربي يشكلون نحو 20% من إجمالي عدد السكان. النواب هم حمد عمار وطالب أبو عرار وزهير بهلول وعيسوي فريج وباسل الغطاس ومسعود غنايم ويوسف جبارين، وأيوب قرا وعبد الله أبو معروف وأيمن عودة وأسامة السعدي وأحمد الطيبي وعايدة توما سليمان وعبد الحكيم حاج يحيى وجمال زحالقة وحنين زعبي ودوف حنين. توظيف صهيوني لوجود النواب العرب بذل النواب العرب العديد من الجهود ليكونوا صوت الفلسطينيين المضطهدين من قِبَل الاحتلال الصهيوني، في محاولة لرفع الظلم والمعاناة عن الشعب المقاوم وإيقاف القوانين العنصرية التي يقرها الكنيست بموافقه أغلبية النواب الصهاينة، لكن صغر عدد هؤلاء النواب العرب يقف دائمًا عائقًا أمام تحقيق أهدافهم، والتأثير في أي قرار للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، ففي الدورة ال19 للكنيست أقر 40 مشروعًا لقوانين عنصرية، وكان عدد النواب حينها لا يتجاوز ال11 نائبًا. لم يتمكن النواب العرب يومًا من سَن أي قانون لصالح العرب؛ بسبب افتقادهم للأغلبية، بل أصبحوا مجرد أداة يستغلها الكيان الصهيوني لرسم صورة توحي بديموقراطية الدولة، فتل أبيب تريد الوجود العربي في الكنيست، لتخرج إلى العالم وتتفاخر بأنها مثال للديموقراطية، التي وصلت إلى مشاركة نواب عرب إلى جانب النواب اليهود، وتمتعهم بنفس الامتيازات، لكن الحقيقة دائمًا ما تكون منافية لذلك، حيث تحدد إسرائيل قواعد اللعبة التي لا يستطيع النواب العرب أن يكسروها أو يسيروا عكس تيارها. أبرز الجلسات المشتعلة محطات كثيرة من الانتقادات والمشاحنات تعرض لها النواب العرب طوال السنوات الماضية، حملات تحريضية وتهديد وقمع حريات واعتداءات لفظية وجسدية، لم تقتصر على الشعب الفلسطيني فقط، بل امتدت لتنال من النواب الذين يمثلون الأقلية العربية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولم تسلم العديد من جلسات الكنيست من المشادات الكلامية وتبادل الاتهامات بين النواب العرب والإسرائيليين. في يوليو عام 2009 شهد الكنيست الإسرائيلي مشادات كلامية بين النواب العرب واليمين المتطرف، في أعقاب التصريحات العنصرية التي أطلقها الوزير عوزي لانداو، ووصف فيها النواب العرب بالحثالة، وهو ما تصدى له النائب محمد بركة، ووقعت مشادات كلامية بين الطرفين رفض خلالها بركة السماح للوزير بمواصلة حديثه العنصري، مما قابلة رئيس الكنيست بقرار إخراج بركة من قاعة الكنيست بالقوة، الأمر الذي دفع باقي النواب العرب إلى الانسحاب من الجلسه تضامنًا مع بركة. في يونيو عام 2010، اضطر حراس في البرلمان الإسرائيلي لحماية العضو حنين زعبي، عندما حاول مشرعون يهود انتزاع الميكروفون منها، بعدما انتقدت الهجوم المميت الذي شنته إسرائيل على قافلة سفن مساعدات كانت في طريقها إلى غزة، حيث هرولت عضو الكنيست عن حزب إسرائيل بيتنا اليميني المتطرف، أناستاسيا ميخائيلي، في اتجاه المنصة وهي تصرخ قائلة: لماذا يسمح لهذه المرأة بأن تتكلم، لكن الحراس تدخلوا لإبعادها بعدما أوشكت على الاعتداء على النائبة حنين زعبي. وفي الجلسة ذاتها، قالت عضو الكنيست عن حزب الليكود اليميني، ميري ريجيف، وهي تصرخ: اذهبي إلى غزة لا نريد خونة في البرلمان الإسرائيلي. فيما ردت زعبي على كل هذه الانتقادات قائلة: عندما توجهت إلى منظمة الحرية لغزة للمشاركة في أسطول الحرية، لم أتردد للحظة ووافقت في الحال؛ لأن هذا واجبي السياسي والوطني والأخلاقي أن أشارك في أي نشاط لفك الحصار عن غزة، وأضافت: حصار غزة غير قانوني وغير أخلاقي ولا إنساني، كل سياسي له مواقف أخلاقية يعارض الحصار، ومن له مواقف لا أخلاقية يؤيد الحصار. في ديسمبر عام 2011 وقعت مشادة حادة بين النائب العربي أحمد الطيبي وبعض أعضاء الكنيست من اليمين المتطرف، أثناء مناقشة اقتراح القانون الذي تقدمت به العضوة في الكنيست، أنستاسيا ميخائيلي، من حزب إسرائيل بيتنا، الذي يحرض على منع رفع الأذان، حيث قال الطيبي: إن أنستاسيا الأوكرانية هي بالأصل مسيحية واعتنقت اليهودية، وتأتي اليوم لتقترح قانونًا لإسكات صوت الأذان بادعاء أن فيه إزعاجًا لليهود، ويؤذي الأذنين ويمس بالبيئة ويضر بالصحة، إنه قانون ضد الإسلام وخالٍ من التسامح. في نوفمبر عام 2014 نشبت مشاجرة كلامية بين نواب عرب في الكنيست الإسرائيلي من جهة ورئيس الكنيست وأعضاء متطرفين من جهة أخرى، أثناء مناقشة قانون القومية اليهودية، الذي من شأنه جعل العرب في الكيان مواطنين درجة ثانية، وحينها تحدث النائب العربي جمال زحالقة على منصة الكنيست، قائلًا: إن رئيس المجلس بدأ بتطبيق قانون العنصرية ويتصرف كفاشي، فأمر فيغلين حرس الكنيست بإنزال زحالقة عن المنبر بالقوة، بحجة أنه شعر بالإهانة بسبب نعته بالفاشي، إلَّا أن زحالقة استمر في حديثه، قائلًا إن: موشي فيغلين بدأ بتطبيق قانون العنصرية وهو يفي بكل المعايير المعروفة عن الفاشية، فكل من يتحدث ويتصرف كفاشي فهو بالضرورة فاشي. في مايو الماضي، وقعت مشادة جديدة في لجنة التربية والتعليم بالكنيست، بين عضوة الكنيست أنستاسيا ميخائيلي، والعضو العربي غالب مجادلة، وصلت إلى رش العضوة المياه بوجه النائب العربي، بعدما طالبها مجادلة بالتزام الصمت وعدم مقاطعته، فما كان منها سوى أخذ زجاجة الماء وملء الكأس ورش ما بداخلها على وجهه وثيابه. وعلى أثر هذه الحادثة لم تقدم مجادلة أي اعتذار بل تفاخرت بتصرفها، ووضعت مقطع الفيديو وهي تقوم برش مجادلة بالمياه خلال الجلسة على موقع اليوتيوب، وكتبت: «انستاسيا ميخائيلي تدافع عن النساء وتلقن مجادلة درسًا»، فيما قال عضو الكنيست غالب مجادلة: «ليس مفاجئًا من عضو الكنيست أنستاسيا ميخائيلي التصرف بشكل لا أخلاقي وغير برلماني». في يوليو الماضي، اشتعلت حرب كلامية بين النائب عربي أحمد الطيبي وبعض أعضاء الإسرائيليين في الكنيست، بعدما ذكر الطيبي أسماء الشهداء الفلسطينيين، إضافة إلى توجه اتهام لوزيرة القضاء الإسرائيلي، أيليت شاكيد، بالكذب وتزويرها الحقائق، بعد دعمها لقانون يجرّم كل من ينادي بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي. وفي ذات الشهر وقعت مشادات كلامية بين مسؤولين إسرائيليين ونواب عرب داخل الكنيست حول قانون المواطنة، حيث قال نائب وزير الداخلية الإسرائيلي، يارون مزوز، خلال مناقشة القانون الذي يندرج تحته قانون لم الشمل: إن إسرائيل تصنع معروفًا للعرب بمنحهم الجنسية الإسرائيلية، وهو ما دفع النواب العرب إلى نعته بالفاشي والعنصري، حيث قاطعته النائبة حنين زعبي قائلة: إن عليه أن يعتذر وأنها لن تسمح له بمواصلة خطابه العنصري والتحريضي، ووصفته بالوقاحة وأن عليه أن يخجل. أوراق ضغط إسرائيلية تبتكر إسرائيل طرق وأساليب لتعاقب النواب العرب، مثلما تبتكر وتشرع قوانين للتضييق على الشعب الفلسطيني، ومن أهم أوراق الضغط الصهيونية على النواب العرب رفع الحصانة، فوفقًا للقانون الإسرائيلي يمنح عضو الكنيست نوعين من الحصانة، الأولى تسمى بالموضوعية وتعفي عضو الكنيست من المسؤولية الجنائية أو المدنية على أعمال قام بها، أو أقوال صرّح بها أثناء أدائه لوظيفته أو من أجل أداء وظيفته، ويكون محميًّا من كل خطوة قضائية تتخذ ضده، وترفع الحصانة، وفقًا لهذا القانون إذا أيد أعمال إرهابية ضدّ إسرائيل أو ضد يهود أو عرب بسبب كونهم يهودًا أو عربًا، في البلاد أو خارج البلاد. أما النوع الثاني من الحصانة فتسمى بالإجرائية، وبموجبها يتمتع العضو في فترة تولّيه منصبه في الكنيست بالحماية من الاعتقال؛ بسبب مخالفات ارتكبها وليس لها أيّ صلة بوظيفته كعضو كنيست، وتحميه هذه الحصانة من التفتيش في شقّته أو على جسمه أو في أغراضه. سحب المواطنة يعتبر أيضًا من أبرز الطرق العقابية التي تنتهجها إسرائيل ضد البرلمانيين العرب، مثلما حدث في نوفمبر عام 2014، عندما أيد نتنياهو مشروع قانون بالكنيست يدعو إلى سحب الجنسية، وفصل كل عضو كنيست يثبت أنه يدعم الإرهاب أو يؤيده.