كشفت أزمة اللاجئين التي تعاني منها منطقة الشرق الأوسط، خاصة في سورياوالعراق، زيف المزاعم الأمريكية والأوروبية المنادية بالدفاع عن حقوق الإنسان، التي ادعى بعضهم تجاوزها وبدأ الالتفات إلى حقوق الحيوان. المشكلة لا تكمن في عدم إنسانية هذه الدول في استقبال اللاجئين من عدمه، لكن في أنها كانت طرفا أصيلا في أزمات الشرق الأوسط، كأمريكا وبريطانياوفرنسا، الذين مدوا الحركات المتطرفة في بلدان النزاعات بالمال والسلاح والغطاء السياسي، وأن استقبالهم للاجئين واجب وليس منّة أو تفضلا منهم، نتيجة لسياساتهم الخاطئة في التعامل مع أزمات المنطقة العربية والتي فضلوا فيها الحلول العسكرية على السياسية التي بدأوا ينادون بها مؤخرا. الولاياتالمتحدةالأمريكية يحاول الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، أن يعطي انطباعا بأنه حريص على استقبال اللاجئين السوريين وغيرهم، خاصة بعد أن أحرجه الموقف الألماني الذي يتبع سياسة الأذرع المفتوحة مع اللاجئين، فالولاياتالمتحدة ومنذ نهاية 2011 وحتى نهاية 2015 الماضي لم تستقبل سوى 2159 لاجئاً سوريا، وفق وزارة الخارجية الأمريكية، ما دفع أوباما لأن يتخذ قرارا باستضافة عشرة آلاف لاجئ سوري خلال عام 2016، وهو رقم هزيل جدا إذا ما قورن بحجم النزوح الهائل من سوريا الذي يقدر بالملايين، وأن دولة صغيرة مثل لبنان تستضيف أكثر من هذا الرقم بأضعاف حيث يتواجد فيها أكثر من مليون ونصف لاجئ سوري. وشكل الرقم الصغير لاستقبال اللاجئين أزمة بين أوباما والكونجرس، واستند الأخير في خصومته مع أوباما على الهجمات الإرهابية التي طالت باريس العام الماضي وخلفت 129 قتيلا، والذي تبناه تنظيم داعش، ما دفع الرئيس الأمريكي لتقليل من مخاوف الكونجرس بالقول «لا خوف من قدوم الأرامل والأيتام»، لكن جاء الرد من رئيس مجلس النواب في الكونجرس، بول راين، سريعاً «لا يمكننا أن نسمح للإرهابيين من استغلال تعاطفنا، حاليا الوقاية خير من العلاج». ووافق مجلس النواب الأمريكي على قانون يقلل من استقبال اللاجئين القادمين من العراقوسوريا؛ عن طريق أخذ إفادات من كل لاجئ تؤكد أنه ليس إرهابيا، تصدر من الشرطة الفيدرالية ووزير الأمن الداخلي شخصيا، ليؤكد بعض المراقبين أنه إجراء، وإن لم يوصف بالمستحيل، لكنه يستغرق شهوراً عديدة. ورغم أن الديمقراطيين في مجلس الشيوخ الأمريكي أوقفوا تمرير مشروع القانون، إلا أن السجال بين الرئاسة الأمريكية والكونجرس كشف أبعادا أكبر من ذلك بكثير، تمثلت بإعلان 29 حاكما أي أكثر من نصف حكام الولاياتالأمريكية ممانعتهم الشديدة لإعادة توطين لاجئين من سوريا في ولايتهم، ما يعكس الطابع الشعبي لرفض اللاجئين. كما بدأت الولاياتالمتحدة في 21 يناير الجاري تطبيق قوانين جديدة تشدد إجراءات منح التأشيرات لأشخاص زاروا دولاً تعتبرها واشنطن معاقل للإرهاب، كإيران أو العراق أو السودان أو سوريا، فيتعين عليهم أن يتقدموا بطلب للحصول على تأشيرة زيارة. وفي السياق، ذكرت منظمة «هيومن رايتس ووتش» في تقريرها العالمي الذي صدر 26 يناير الحالي، أن سياسات الولاياتالمتحدة تجاه ملتمسي اللجوء أو الملتحقين بعائلاتهم خلال 2015 كانت غير مدروسة وتمييزية وضارة. فرنسا كانت فرنسا من بين أكبر الدول التي تستقبل طلبات اللجوء في القارة العجوز، ونظرا لعدم توفر أماكن للإقامة فيها، والوقت الطويل الذي تستغرقه فرنسا للبت في طلب اللجوء الذي قد يصل إلى 9 أشهر، أصبحت وجهة صعبة للاجئين. ورغم أن فرنسا فتحت ثمانية ملاجئ جديدة خلال العام الماضي، ووعدت بفتح المزيد في عام 2016، لكن منظمة فرنسية غير حكومية تسمى «سيماد»، تقول: حتى العشرة آلاف مكان الذي سيتم توفيره نهاية عام 2016 ليست كافية. بعض المهاجرين السوريين في مخيم كاليه الفرنسي قالوا: «العودة إلى سوريا أفضل من طلب اللجوء في فرنسا، نحن نفضل العودة إلى سوريا على البقاء هنا»، تصريحات اللاجئين السوريين جاءت على خلفية طريقة التعامل معهم من قبل الشرطة الفرنسية التي تطاردهم باستمرار وتعرضهم للضرب المبرح عدة مرات. فرنسا لا تعد محط جذب للاجئين؛ للعنصرية الواضحة فيها، فوزير داخليتها، برنار كازنوف، أدان في وقتٍ سابق تصريحات أطلقها رؤساء بعض البلديات في فرنسا، أبدوا رغبة في استقبال لاجئين شرط أن يكونوا من المسيحيين، معتبراً أن هذا التمييز بين المسيحيين وغيرهم مضر. وأظهرت نتائج الاستفتاء الذي جرى في فرنسا هذه العنصرية ضد استقبال اللاجئين السوريين، فالاشتراكيون واليسار المتشدد أكثر من ثلثي مناصريهم مع استقبال اللاجئين، على الضفة الأخرى 91% من أنصار مارين لوبان، زعيمة اليمين، يعارضون الفكرة، وحوالي 68% من أنصار ساركوزي يعارضون أيضا. يذكر أن فرنسا استقبلت العام الماضي نحو 65 ألف لاجئ سوري فقط. بريطانيا ينص القانون الأوروبي المسمى «دبلن 3»، على أن يدرس البلد الأوروبي الأول، الذي يصل إليه اللاجئ طلب اللجوء، لكن المحكمة البريطانية رأت أنه وبسبب الثغرات البيروقراطية الفرنسية وبموجب حق اللاجئين في حياة عائلية، يجب أن ينقل هؤلاء فورا إلى المملكة المتحدة، ومن ثمة يدرس طلبهم للجوء. ورغم المرونة التي أبدتها المحكمة البريطانية، إلا أن بريطانيا تعد من أقل الدول الأوروبية في استقبال اللاجئين السوريين، ففي عام 2014 استقبلت 216 لاجئاً فقط، وفقاً للإحصائيات الرسمية، ورغم العدد القليل الذي تستقبله بريطانيا، لكنها تدعي بأنها تعاني من انعكاسات اقتصادية تترتب على برامج إدماج اللاجئين في المجتمع البريطاني. الحكومة البريطانية متورطة في ممارسة التمييز العنصري ضد اللاجئين، خاصة في بلدة ميدلسبره، بعدما عمدت الشركة التي تعاقدت معها الحكومة البريطانية والمكلفة بإسكان اللاجئين السوريين إلى طلاء أبواب منازلهم باللون الأحمر لتمييزهم، ما أدى إلى تعرضهم للاعتداءات العنصرية، وفقا لصحيفة التايمز، كما أن طالبي اللجوء في ويلز البريطانية يضعون سوارا يميزهم لأجل نيل الطعام. الدنمارك أقر البرلمان الدنماركي 26 يناير الجاري مجموعة من القوانين بحق اللاجئين، تشمل مصادرة مقتنياتهم الثمينة واستخدام قيمتها للإنفاق على إقامتهم. الدانمارك ليست الوحيدة التي فعلت ذلك، سبقتها سويسرا التي بدأت بمصادرة مقتنيات طالبي اللجوء التي تفوق قيمتها 985 دولارا أمريكيا، في حين تفعل ولاية بادن فورتمبرج الألمانية الأمر ذاته بالمقتنيات التي تفوق 380 دولارا، فضلا عن عدد من الولايات الأخرى في جنوب البلاد. وأوضحت وسائل إعلام دنماركية في وقت سابق، أن القانون الجديد، الذي دخل حيز التنفيذ في 1 سبتمبر الماضي، فرض قيودا أخرى بهدف الحد من دخول اللاجئين، منها اشتراط تعلم اللغة الدنماركية والتواصل بها للحصول على تصريح بالإقامة الدائمة في البلاد، وتقليص المساعدات الاجتماعية إلى حد كبير، وتخفض المساعدات الاجتماعية للّاجئين الجدد بنسبة قد تصل إلى النصف. السويد قال وزير الداخلية السويدي، أنديرس إيجمان، في 27 يناير الحالي، إن بلاده ستطرد ما يقرب من 80 ألف مهاجر وصلوا إلى السويد عام 2015، فطلبت الحكومة من الشرطة ومن مكتب الهجرة تنظيم عمليات الطرد، مضيفا: «نظرا لعدد اللاجئين الكبير، سنلجأ إلى المزيد من طائرات التشارتر التي سيتم استئجارها خصيصا لترحيل هؤلاء الأشخاص، وقد تمتد العملية إلى عدة سنوات».