في خطوة مفاجئة أثارت العديد من علامات الاستفهام، أصدر أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، الأربعاء الماضي، قرارًا بإجراء تعديل وزاري يُعد الأول من نوعه منذ تشكيل الحكومة في يونيو عام 2013، بعد تولي أمير قطر تميم بن حمد مقاليد الحكم. التعديل الوزاري شمل التعديل سبع وزارات من أصل عشرين، ودمج ثماني وزارات في أربع فقط. وكانت وزارة الخارجية في مقدمة التعديل من حيث الأهمية، حيث تم تعيين محمد بن عبد الرحمن آل ثاني وزيرًا للخارجية، بدلًا من خالد العطية؛ ليتم وضع الأخير في منصب وزير الدولة لشؤون الدفاع، وتم تعيين عيسى بن سعد الجفالي النعيمي؛ ليكون وزيرًا للتنمية الإدارية والعمل والشؤون الاجتماعية، بعد دمج وزارتي التنمية الإدارية مع الشؤون الاجتماعية، وجاسم بن سالم السليطي كوزير للمواصلات والنقل والاتصالات، بعدما تم دمج وزارة المواصلات مع الاتصالات، كما عُين محمد بن عبد الله الرميحي وزيرًا للبلدية والبيئة إثر دمجهما، وحنان محمد الكواري وزيرة للصحة، كما تم دمج وزارة الثقافة مع الرياضة وتعيين صالح بن غانم العلي وزيرًا لها. تعزيز سلطات أم تقليص نفقات؟ اختلف المحللون حول أهداف وأبعاد هذا التعديل، حيث ذهب البعض للقول بأنه تعديل استهدف في الأساس وزير الخارجية خالد العطية، الذي يعتبر من أكثر المقربين من الملك السابق حمد بن خليفة، والذراع الأيمن لرئيس الوزراء وزير الخارجية السابق حمد بن جاسم، الذي أطاح به تميم أيضًا في تعديل وزاري سابق في يونيو 2013، وهو ما دفع البعض إلى القول بأن تميم يحاول تعزيز سلطاته تدريجيًّا والإطاحة بأعوان والده الذين لم يستطع أن يطيح بهم عقب توليه مقاليد الحكم منذ عامين ونصف، والمجيء بأحد أفراد عائلة "آل ثاني" بدلًا من عائلة العطية. التعديل الوزاري يأتي في الوقت الذي تعاني فيه الدول الخليجية من أزمات اقتصادية طاحنة وعجز في موازناتها، حيث بدأت بوادره في السعودية، وتشعب ليصل إلى قطر والكويت والبحرين، وهو ما دفع المراقبين للقول بأن هذا التعديل يهدف إلى خفض النفقات، خاصة بعد الانخفاض الحاد في أسعار النفط، وانخفاض صادرات قطر من الغاز إلى النصف تقريبًا، وفي ظل توقعات بأن تسجل الدوحة عجزًا في الموازنة سيفوق 13 مليار دولار في 2016، كما أنه يأتي بعد اعتماد الحكومة القطرية بعض إجراءات التقشف، ودعوة أمير قطر مؤخرًا إلى تنويع مصادر الدخل. عززت صحيفة "وول ستريت جورنال" إلى الاحتمال الأخير، حيث رأت الصحيفة أن التعديل الوزاري هو بمثابة محاولة للتكيُّف بصورة أفضل مع تراجع أسعار النفط وتزايد حدة الصراعات في المنطقة. وأوضحت الصحيفة الأمريكية أن التعديل الوزاري يأتي في وقت تواجه فيه قطر هبوطًا حادًّا في أسعار النفط، مشيرة إلى أن صادرات النفط والغاز تمثل الجزء الرئيسي من إيرادات قطر، وهو ما دفع المسؤولين القطريين لإعادة تقييم خطط الإنفاق داخليًّا بهدف احتواء معدلات العجز المتزايدة. محاولات طمأنة التعديل الوزاري والأنباء حول تأثيره على البورصة القطرية، وتزامن ذلك مع انخفاض أسعار النفط، أثار بلبلة في الشارع القطري، وهو ما حاول أمير قطر نفيه وطمأنة مواطنيه، حيث قال إن تذبذب أسعار الطاقة أمر طبيعي، وإنه لن يؤثر على معيشة المواطنين، وأضاف أن تقلب الأسعار أمر طبيعي وسنة من سنن الحياة، ولا مجال للخوف أو الهلع، ووجه حديثه للوزراء الجدد قائلًا: مسؤوليتكم في ظل انخفاض أسعار النفط أكبر، لكن خدمة المواطنين وطريقة عيشهم يجب ألا تتأثر بهذه الأوضاع. هل تتأثر السياسة الخارجية؟ التعديل الحكومي ودمج بعض الوزارات من المؤكد أنه لن يؤثر على القرارات السياسية؛ باعتباره شأنًا قطريًّا داخليًّا، لكن تغيير وزير الخارجية الذي يعتبر واجهة الدولة، وتعيين محمد بن عبد الرحمن آل ثاني بدلًا من خالد العطية، الذي انتهج أسلوبًا حادًّا ومعاديًا لبعض الدول الإقليمية وعلى رأسها مصر، فتح الباب أمام الحديث عن تعديل التوجه القطري تجاه بعض القضايا العربية والإقليمية وتبني أسلوب المصالحة في الفترة القادمة. يرى البعض أن قطر ستغير من سياساتها الخارجية تدريجيًّا، خاصة مع الدول العربية التي تجمعها مصالح وتحالفات مشتركة بها، وفي مقدمتها مصر، حيث تحاول السعودية منذ سنوات أن تقود جهود وساطة ومصالحة بين الطرفين، بدأها العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز، ويبدو أن تعيين محمد بن عبد الرحمن أل ثاني كوزير للخارجية القطرية جاء في الوقت المناسب؛ ليساعد في تنشيط هذه الجهود من جديد، خاصة أنه تم بذل جهود حثيثة في عام 2014 لتحسين العلاقات بين الطرفين، بعد حدوث توتر عقب اندلاع ثورة 30 يونيو، حيث أرسله أمير قطر إلى مصر في ديسمبر عام 2014، استجابة لمبادرة الملك السعودي، وكان "بن عبد الرحمن" يشغل حينها منصب مساعد لوزير الخارجية، وأثمرت المبادرة السعودية ترحيل 17 قياديًّا من جماعة الإخوان المسلمين عن أراضيها، وإغلاق قناة الجزيرة مباشر مصر، وهو ما دفع وسائل الإعلام إلى إطلاق لقب "مهندس المصالحة" على وزير الخارجية القطري "محمد بن عبد الرحمن آل ثاني".