تعيش مصر هذه الأيام حالة من الذعر؛ بعد نفوق أطنان من الأسماك على شواطئ محافظتي كفر الشيخ والبحيرة وظهور أعراض التسمم عليها، الأمر الذي سلط الضوء على أهمية الثروة السمكية في مصر وعوامل تعظيمها. الثروة السمكية.. أحد الحلول للقضاء على الفجوة الغذائية والنقص في البروتين الحيواني، ورغم أن لمصر سواحل طويلة وممتدة على البحرين الأبيض والأحمر والبحيرات، بالإضافة إلى نهر النيل بفرعيه، إلا أن هناك نقص حاد ومشاكل بالأسماك، فالنوعيات الخاصة بالمياه العذبة، التي يطلق عليها «النيلي» لا تغطي طلبات المواطنين؛ لما ينتاب النهر من ملوثات، ما أثر بالسلب على البيئة الطبيعية للأسماك وأدى إلى تدهور إنتاجيتها، الأمر الذي ترتب عليه ارتفاع أسعارها بشكل مبالغ فيه، وكان البديل أسماك المزارع ذات السمعة السيئة التي تتربى داخل مياه الصرف، لكنها تمتاز بثبات نسبي في أسعارها؛ لزياد المعروض منها. كما أن الأسماك البحرية أيضا تعاني من مشاكل تحول دون تواجدها في الأسواق بأسعار تناسب الشريحة العريضة من الشعب المصري, ولذلك اتجهت الدولة لإنشاء مزارع بحرية لتعويض العجز في الإنتاج. يقول ياسر الشاذلي، أستاذ اقتصاديات الأسماك، إن تراجع إنتاجية الأسماك البحرية تعود لضعف الخصوبة في البحر المتوسط؛ لأنه مغلق ويستقبل العديد من الملوثات من الدول المطلة عليه، بجانب الاستغلال السيئ للبحر الأحمر في مجال الاستثمار السياحي، فضلا عن اتباع الطرق الخاطئة في الصيد. وأضاف الشاذلي ل«البديل»، أن العجز في الأسماك البحرية يرجع إلى عدم وجود أسطول صيد بحري في الوقت الحالي على درجة من الكفاءة للصيد في أعالي البحار, بجانب ضعف إمكانيات العاملين في مجال الصيد، مطالبا بضرورة المحافظة على الثروة السمكية المتاحة، وبدء خطة للتحديث في أساليب الصيد واستخدام التكنولوجيا المتقدمة لزيادة الإنتاج من الأسماك، بما يتناسب مع ما تمتلكه مصر من بحار وأنهار، ويجب تدريب الصيادين على الأجهزة الحديثة والصيانة الميكانيكية للسفن المستخدمة في الصيد؛ للحد من استيراد الأسماك من الخارج وتوفيرها بأسعار تناسب كل الدخول. ومن جانبه، أوضح الدكتور محمد فتحي، رئيس هيئة الثروة السمكية السابق، أن مصر لا يمكنها زيادة الإنتاج عن طريق الصيد الحر من البحرين المتوسط والأحمر ونهر النيل والبحيرات؛ حتى لا ندخل في نطاق الصيد الجائر، بما يؤدى إلى القضاء على الأمهات التي تنتج الزريعة، ما يترتب عليه تراجع الإنتاج، والسبيل الوحيد لزيادته يكمن في الاستزراع السمكي، مضيفا أن مشروع محور قناة السويس، الحل المتاح حاليا للتوسع في إنتاج الأسماك البحرية «الدنيس، والقاروص، واللوت»، وهى من الأسماك التصديرية ذات القيمة الاقتصادية العالية. ولفت فتحي إلى أن المشروع سيشمل أحواض الترسيب بشرق قناة السويس، ويمتد من جنوب التفريعة حتى خليج السويس، بالإضافة إلى إنشاء مفرخات بحرية لإمداد المزارع باحتياجاتها من الزريعة بدلا من الاعتماد على صيدها من البحار أو البحيرات الشمالية، الأمر الذى يؤثر إيجابيا على المخزون السمكي في البحيرات، كما سيتم إنشاء مصانع أعلاف لتغطية احتياجات منها. وأكد رئيس هيئة الثروة السمكية السابق أن تجربة الاستزراع السمكي في مصر ناجحة، فتحتل المركز الأول على مستوى القارة الإفريقية، والثامن عالميا، فمنذ عشر سنوات كان الإنتاج 220 ألف طن، أما اليوم فبلغ مليون و400 ألف طن، إلا أن مصر تنتج أسماك المياه الدافئة فقط، وهناك أنواع أخرى لا نستطيع إنتاجها، فلا مانع أن نستورد ونصدر، ويكون هناك تجارة حرة، موضحا أن هناك 14 مليون فدان من المياه صالحة للزراعة السمكية البحرية في مصر، يمكن أن يصل إنتاجها إلى 150 ألف طن، خاصة أن 70% من الإنتاج تقدمه مزارع السمك و6,5% من نهر النيل و14% من البحيرات، في حين أن انتاج البحرين الأحمر والمتوسط 1.5 مليون طن من الأسماك. وفي السياق، قال خالد فهمي، أستاذ تغذية الأسماك بمعهد بحوث الإنتاج الحيواني، إن التغذية أحد النقاط المهمة التي تحدد جودة أسماك المزارع، وتستحوذ على 60 إلى 70 % من التكاليف الجارية للمشروع، ومن هنا تأتي المشكلة في توهم القلة من العاملين بالمجال أن استخدام علائق مخالفة للمواصفات ذات أسعار أقل، تزيد نسبة أرباحه، بل العكس، فعندما يستخدم الأسلوب العلمي في التربية واتباع الطرق الصحيحة في التغذية، فسيحصل على أسماك ذات جودة وإنتاجية مرتفعة تغطي الاستهلاك المحلي وقابلة للتصدير، مؤكدا أن مصانع الأعلاف في مصر تتبع أحدث الطرق في صناعة منتجاتها لأن سوق المنافسة أصبح كبيرا ولا يقبل المنتج الرديء. وأشار فهمي إلى أن مشكلة المزارع السمكية لا تكمن فقط في التغذية، بل نوعية المياه المستخدمة، خاصة أن القانون المصري يحظر تربية الأسماك في المياه النظيفة، ويقتصر تربيتها على مياه الصرف، الأمر الذي أساء لسمعة أسماك المزارع، ومنع تصدير أسماك مزارعنا إلى الدول الأوروبية، موضحا أن الحل يكمن في إنشاء مزارع متكاملة؛ بحيث تستخدم المياه المربى فيها الأسماك بأسلوب علمي صحيح في الزراعة النباتية، تكون محملة بمخصبات عضوية، تخفض من كميات الأسمدة الكيماوية التي طالما مثلت عبأ على المزارع.