(1) يا صبر صبصب قلوب الصبايا المتصابين وصوب صبابك على الصبايا المصبصبين يا صابر الصبر صبرنا بصبر المتصبرين أمين يا رب! لسه! كفاية كدة يا أستاذ ناننس، يا عم أنا عايز أغني مش عايز أصوصو، أنا عايز كلمات خفيفة، كلمات رشيقة، كلمات تافهه تافهه! طبعا، عاوزين ناكل عيش يابا، مش تقولي صبصب صبين، صبصبين ده مين؟! بص في المعنى معنى مين يا عسل، أنا عايز كلام حلو، كلام يكيف. يكيف! اه طبعا يكيف طلبك مش عندي يا مزاجنجي، روح دور عليه في الباطنية، عند تجار المخدرات طب، انت يا دكتور إيه رأيك في كلمات الأستاذ؟ أنا رأيي إن الكلمات اللي بتبعد الناس عن واقع الحياة، وبتلغي عقلهم وتفكيرهم زيها زي المخدرات تمام، ويمكن أسوأ سمعت يا أستاذ، الناس لازم تعيش في واقع الحياة ما تقول لنفسك يا أخي ياللي بتطلب أغاني تافهه أاالله مهو ده الواقع.. اديني في الهايف وانا أحبك يا ناننس.. (2) يتحدث مارتن هيدجر في "الكينونة والزمان" عن الإنسان الذي تم إلقاؤه في زمن ومكان ما بشكل عشوائي، دون اختيار منه، ودون هدف أو معنى، وعلى هذا الإنسان أن يختار أحد طريقين: طريق الوجود الأصيل، وهو وجود مفعم بالقلق، إزاء واقعة "وجودنا في العالم" وسير الإنسان في هذا الطريق، الذي يمهده القلق، يمنح للحياة معناها وللوجود معقوليته. والوجود لدى هيدجر هو الموجود أي الإنسان، وبالتالي لا شيء خارجه يمكن أن نستعمله لكي نفسر هذا الموجود خارج وجوده، الذي يحتوي على المعنى، فمبجرد أن نتواجد يصبح هناك معنى. وبما أن الموجود هو معنى الوجود إذن لن يكون له معنى إلا الوجود ذاته، فلا "قيمة" يمكن أن تفسر الوجود غير وجوده! الطريق الثاني وهو الوجود الزائف أو المبتذل، وهنا تستغرق الأنا في العالم أو الوجود الجماعي، هربا من متاهات القلق فتسقط في الحياة اليومية الروتينية التافهة، معرضة عن أي محاولة تقودها لاكتشاف معنى الوجود، بعد أن يتخلى الإنسان هنا عن فرديته وينفصل عن اختياراته الذاتية وإمكانياته، ويصبح تابعاً لإرادات الآخرين. وعن سؤال كيف يمكن للإنسان أن يحقق وجوده الأصيل ويتحرر من الآخر الزائف، يجيب هيدجر أن تجاوز الوجود الزائف يكون عبر القلق، فالقلق يعين الإنسان على التعرف على حقيقته التي هي الموت. و"مع الموت يقف الوجود الإنساني أمام ذاته في إمكانيته"، وتلك هي إمكانية عجزه عن تحقيق أي وجود في العالم، أما فعل الحياة بالنسبة للإنسان فيتمثل في أن يحيا موته، وهو يحياه في كل أفعاله وأقواله وحركاته، فالآنية، من حيث هي وجود، تموت دائماً وبالفعل. مات الأستاذ ناننس وهو يشعر بالأسى من الزمن الأغبر الذي ركدت فيه سوق كلماته الهادفة لصالح كلمات الريس ساتموني التافهة، ففي حين تَغنى الناس بأغاني الأخير: "تعالي تاني في الدور التحتاني" و"يا حلو بانت لبتك" و"الكيمي كيمي كا" بعد أن "عباها" مزاجنجي في شريط كاسيت؛ لم يجد ناننس من يغني كلماته، وفي "قاعدة مزاج" جمعت مزاجنجي بناننس في آخر يوم بحياته، بل في الساعة الأخيرة لها، صدمه مزاجنجي صدمة عمره: يا ننس يا خويا لازم تعرف انك زي ساتموني، بس هو دهبز دماغه وبهرزها وساير الواقع اللي عيشينه فبرعش وحنكش ومشيت معاه آخر طعطعة، انت بقى حجرت دماغك، وقاعدت تقولي وتقول لغيري معنى ومعناشي، كلها تفاهة يا ناننس كلها تفاهة.. ايهههههههههه. (3) ضحك ناننس كثيرا ساعتها بفعل الحشيش وقهقهة مزاجنجي المحرضة على الضحك، ضحك حتى الموت. صمت ناننس المفاجىء وسقوط رأسه على صدره لم يهدأ من هيستيريا الضحك التي أصابت مزاجنجي وأصدقائه، لكنهم لم يموتوا من الضحك كناننس. الضحك حتى الموت له قصة أكثر أهمية من قصة موت الشاعر الغنائي ناننس، يحكيها لنا نيتشه، فيقول أن آلهة الإغريق اجتمعوا ذات مرة بال"بانتيون" ووقف بينهم إله اليهود معلنا أنه منذ اليوم سيصبح الإله الوحيد، لا يشاركه آلهة أخرى في حكم الكون، وعندما سمعت الآلهة هذا الإعلان انخرطت في الضحك، وظلت تضحك حتى الموت؛ وبهذا انفرد يهوه بالألوهية. أعلن نيتشه بعدها أن هذا الإله الواحد مات هو الآخر لكن بفعل الشفقة، وبموته انهارت كل المثل العليا، وتهاوت كل "غائية"، واختفى المعنى. غير أن هناك من شكك في مقالة فيلسوفنا، واستدل على ذلك بأن الله انتقم منه لفريته تلك، فأماته هو بالشفقة، إذ بعد أن أصيب بالجنون قامت أخته ببيع التذاكر إلى معجبيه، ليشاهدوه داخل المصحة العقلية التي أودعته فيها. مات نيتشه تحت نظرات الشفقة. الموت هو الحقيقة الوحيدة لدى هيدجر. الوجود البشري بطبيعته هو "وجود للموت"، فالموت لا يعني نهاية الوجود، بل هو جوهر الوجود. وعلى الإنسان أن يتقبل طبيعته "المتناهية" التي هي صميم وجوده. حتى يتسنى له تحقيق مصيره في الزمان. مزاجنجي كان له رأي آخر، أفصح عنه لأخيه الدكتور صلاح في " قاعدة كيف" بعد أن أعطاه جرعة الهيروين، وجلس بجانبه ممسكا بمبسم الشيشة: الجهل هو اللي صنع كل الأفكار والأصنام اللي عبدها الناس على مدار التاريخ! هو اللي صنع كل الحقايق اللي في حياتنا يا دكتور، عشان كدة كل يوم تظهر فيه حقيقة اليوم اللي بعده تظهر حقيقة تانية تاخد مكانها، الرحايا دي شغالة من أيام ابونا آدم وأمنا حوا.. خدها مني حكمة الجهل هو الحقيقة الوحيدة اللي في حياتنا، واي ادعاء غير كدة هو ادعاء جاهل يا بوصلاح، يا جاهل ايهههههههههه ايهههههههههه! [email protected]