لم تكن دولة رواندا الصغيرة، الواقعة شرق إفريقيا بمنطقة البحيرات العظمى الإفريقية، والتي تُعَدُّ من أقاليم الكونغو الكبير ومنبعًا لنهر النيل، في معزل عن الولاياتالمتحدةالأمريكية، التي صرحت مؤخرًا بأنها تشعر بخيبة أمل عميقة بعد تصريح الرئيس بول كاغامي بنيته في الترشح لولاية ثالثة. استغلت الولاياتالمتحدة الفرصة، وصرحت بأن كاغامي يفوت فرصة تاريخية لتعزيز وترسيخ المؤسسات الديمقراطية للشعب الرواندي، وأن التحولات الدستورية للسلطة ضرورية للديمقراطيات القوية، وأن الجهود التي تبذلها الدولة لتغيير قواعد الدستور للبقاء في السلطة تضعف المؤسسات الديمقراطية. وقالت الولاياتالمتحدة: نحن قلقون بشكل خاص من التغييرات التي تحبذ فردًا واحدًا على مبدأ التحول الديمقراطي. والحقيقة أن رد الولاياتالمتحدة لم يكن نابعًا من كونها القوة العظمى الوحيدة على الساحة العالمية، والتي تهتم بكل ما يحدث في دول العالم، حتى لو كانت دولة ليست ذات قيمة لها، ولكن لرد الولاياتالمتحدة هذا خلفية سياسية تعكس تحيُّنها لتلك الفرصة؛ لتنقضَّ على رواندا، وتحقق أهدافها. بول كاغامي الرئيس الرواندي الذي اعتلى الحكم بعد فترة صعبة من الصراعات والإبادة الجماعية في رواندا، كانت تأمل الولاياتالمتحدة والغرب أن يكون أداة في أيديهم وطوع سياستهم، ولكن تعرضت رواندا ورئيسها للكثير من الهجوم والتغطية الإعلامية السالبة منذ 2012؛ بسبب اتهامها بتقديم الدعم العسكري والسياسي للحركات المتمردة في شرق الكونغو الديمقراطية، وعلى رأسها حركة M23. وكما هو معلوم فإن قيادات الحركة المذكورة هي من قومية التوتسي التي ينتمي لها الرئيس كاغامي نفسه، وبدأت تمردها ضد الحكومة الكونغولية في إبريل 2012. وفضلًا عما لقيته الحكومة الرواندية من الصحافة الغربية، وُقِّعَت عليها عقوبات محدودة بواسطة الدول الغربية، ومن بينها إيقاف بعض المساعدات الاقتصادية من جانب الولاياتالمتحدةالأمريكية. ويعتبر بول كاغامي، والذي وصل للحكم في رواندا عام 2000، أحد أعضاء المجموعة التي عُرِفت باسم "القادة الجدد"، وهي المجموعة التي كانت الولاياتالمتحدة تأمل كثيرًا في مساعدتها على تطبيق استراتيجيتها في إفريقيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة. وما زلنا في السودان نذكر الدعم الكبير الذي قدمه ثلاثة من هؤلاء القادة الجدد للحركة الشعبية لتحرير السودان، بعد أن تحدثت وزيرة الخارجية الأمريكية وقتئذٍ عن سياسة شد الأطراف، التي كانت تهدف لإسقاط الحكومة السودانية. بدأ كاغامي نشاطه السياسي منذ أيام الدراسة، عندما كان هو وعائلته ضمن مئات الآلاف من اللاجئين الروانديين في أوغندا، وانضم وقتها لحركة المقاومة الشعبية، التي كان يقودها موسيفيني، وتمكنت الحركة في النهاية من الوصول للحكم في أوغندا. وقامت بين الرجلين علاقة صداقة طويلة، تعود إلى أيام الحرب ضد نظام الرئيس ميلتون أبوتي، ولا يزال البلدان يتعاونان من أجل تحقيق أهدافهما المشتركة في الكونغو الديمقراطية أو غيرها. ومع أن الرئيس كاغامي ظل يحكم بلاده بيد من حديد، إلا أنه كان يجد الكثير من التغطية الإيجابية في الإعلام الغربي، كما ظل يجد الدعم الاقتصادي من الدول الغربية، وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية. ويعود ذلك للدور الكبير الذي قام به من أجل تحقيق الاستقرار في بلاده، بعد ما مرت به من أحداث دامية، تمثلت في الإبادة الجماعية، ومحاولاته الجادة من أجل تجاوز المحنة وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. غير أن بعض المراقبين يقولون إن الدعم الكبير الذي ظلت تتلقاه رواندا يعود في الحقيقة لعقدة الذنب التي يحس بها الغرب الذي لم يحرك ساكنًا في عام 1994، عندما وقعت أحداث الإبادة الجماعية. بدأت نقطة التحول الرئيسية في العلاقات بين الولاياتالمتحدة ورواندا عندما أظهر الرئيس كاغامي طوال لقائه مع مجلة "تايم" الأمريكية فقده الثقة تمامًا في المجتمع الدولي وعدالته، حيث عكست كلماته الكثير من الإحساس بخيبة الأمل في الدول الغربية، وبصفة خاصة الولاياتالمتحدة، ولم تسلم من انتقاداته حتى المنظمات الدولية والإقليمية. كما تحدث الرئيس عن المعايير المزدوجة التي تتبعها هذه الدول والمنظمات، مؤكدًا أنها تسمح لنفسها بما لا تسمح به للغير. وعندما سُئِل في المقابلة عن مصالحه الاقتصادية في الكونغو، وأنها ربما تكون السبب وراء دعمه للحركات المتمردة في ذلك البلد، تساءل محتجًّا عن الدواعي التي تجعل لدولة بعيدة مثل الولاياتالمتحدة أو الصين مصالح في الكونغو، بينما تُحرَم من ذلك الحق دول في الجوار. وأصبح من الواضحأن الأزمة في الكونغو بدأت تنعكس على علاقات رواندا مع صديقاتها في العالم الغربي. وليس من المستبعد – إذا ما سارت الأمور على ما هي عليه – أن يقود ذلك للمزيد من التوتر بين الطرفين، خاصة وأن الرئيس كاغامي شكا خلال مقابلته مع "التايم" من الانحياز الواضح للدول الغربية إلى جانب الكونغو. وكشفت الأيام عن تدهور العلاقات الرواندية الأمريكية، زاده توطيد الرئيس كاغامي علاقته مؤخرًا بالصين، وزامنه تغطية إعلامية واسعة، وسبقه تصريحات للرئيس كاغامي، طلب فيها من الصين ألا تحذو حذو الغرب، وأن تتعامل مع الدول الإفريقية بعدالة، مشيرًا إلى أن الغرب يضع الكثير من العوائق أمام المنتجات الإفريقية، بما يجعل من الصعب جدًّا عليها أن تنافس في السوق العالمية. ومنذ ذلك الوقت والولاياتالمتحدةالأمريكية تراقب خطوات تقارب رواندا مع الصين باهتمام شديد.