بدأت السعودية عامها الجديد بمزيد من الإجراءات التصعيدية الاستفزازية، والتي من المؤكد أنها ستؤجج صراعها مع إيران. وفي تحدٍّ واضح أقدمت وزارة الداخلية السعودية، اليوم السبت، على إعدام 45 سعوديًّا وواحدًا مصريًّا وآخر تشاديًّا، قالت إنهم مدانون بتهم الإرهاب، ومعظمهم من المشتبه في انتمائهم لتنظيم القاعدة، ومن بين الذين نُفذ بحقهم حكم الإعدام الشيخ "نمر باقر النمر"، والذي حذرت طهران مرارًا من قرار إعدامه، وقالت إنه سيؤجج التوتر في العالم الإسلامي. لبنان والكويت استنكر إمام مسجد الغفران في صيدا بلبنان "حسام العيلاني" جريمة إعدام الشيخ "النمر"، ورأى أن هذا العمل يكشف عن عدم وعي السلطات السعودية بخطورة المرحلة والفتنة المذهبية التي تهدد المنطقة، وأضاف العيلاني "من المؤسف أنه في الوقت الذي يضاعف فيه مشايخ الوحدة الإسلامية جهودهم لتحصين ساحتنا الإسلامية من خطر الجماعات المتطرفة داعش وأخواتها، تقوم السلطات السعودية بهذا العمل غير المسئول والمدان، والذي بالتأكيد سيكون له انعكاسات سلبية على الوحدة الإسلامية". من جانبه استنكر نائب رئيس المجلس الإسلامي الأعلى في لبنان "عبد الأمير قبلان" تنفيذ حكم الإعدام، معتبرًا إياه خطأ فادحًا، كان يمكن تفاديه بإصدار عفو ملكي يسهم في تنفيس حالة الاحتقان المذهبي والطائفي التي تعصف بالمنطقة العربية. ورأى أن إعدام الشيخ النمر إعدام للعقل والاعتدال والحوار، وهو إعدام للرأي الآخر، وعمل متهور وسابقة خطيرة في تاريخ قتل العقول. بدوره استنكر المفتي الجعفري الممتاز "أحمد قبلان" القرار السعودي، معتبرًا أن "قتله يعني قتلًا للناس جميعًا، ودعوة للفتنة، وإشعالًا لنار الفرقة، وسحقًا لضمير السماء، وأن من أخذ هذا القرار إنما استهدف الدين والعقل والوعي والوحدة، وتصرف بخلفية عقل سياسي لا يقبل مُطالبًا بحق، ولا صارخًا من ألم الجور، ولا منكرًا لفساد"، لافتًا إلى أن "قتل الشيخ نمر ضمن مجموعة من الإرهابيين على أنه إرهابي هو تضييع للحق، وتضييع لمظلومية الإنسان، وكارثة دينية قومية كبرى، وجريمة بحق الإنسانية والأخلاق بامتياز، وهو خطأ أكبر من أن يمر دون تداعيات قد حذرنا منها مرارًا وتكرارًا في السابق". من جهته ندد رئيس اللقاء التضامني الوطني في لبنان "مصطفى ملص" بقيام السعودية بإعدام النمر، معتبرًا أن هذا الإعدام هو جريمة تخالف كل الأعراف والمواثيق والمعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، موضحًا أن "النمر هو سجين رأي، وكان يعبر عن قناعاته السياسية، وإعدامه هو قتل للرأي الآخر، وسبيل لفتنة نحن بأمس الحاجة لدرئها ومنع حصولها". وقال النائب الكويتي "صالح عاشور"، تعليقًا على تنفيذ وزارة الداخلية السعودية حكم الإعدام، إنه سيكون له عواقب وتبعات وانعكاسات سياسية وأمنية داخل السعودية وخارجها، ستظل لفترات طويلة. باكستان والعراق استنكر نائب رئيس مجلس وحدة المسلمين في باكستان "شفقت الشيرازي" جريمة إعدام النمر، معتبرًا قرار الإعدام تحديًا لمشاعر ملايين المسلمين. ورأى "الشيرازي" أن "السعودية أضافت إلى سجلها الإجرامي رقمًا جديدًا بإعدام الشيخ النمر، والمملكة اليوم باتت على شفير السقوط"، وأضاف أن تظاهرات جماهيرية ستنطلق اليوم في باكستان استنكارًا لتنفيذ حكم الإعدام وممارسات آل سعود، على أن تكون أولى التظاهرات في مدينة كراتشي عند الساعة الثالثة من بعد ظهر اليوم. من جهته رأى النائب عن ائتلاف دولة القانون بالعراق "محمد الصيهود"، أن تنفيذ جريمة إعدام "النمر" يراد منه إشعال المنطقة من جديد وحصول الاقتتال الطائفي بين السنة والشيعة وخلق أزمة جديدة، إضافة للأزمات التي تشهدها المنطقة، مؤكدًا "دعم آل سعود للتيارات التكفيرية"، مضيفًا أن "إقبال الأسرة الحاكمة بالسعودية على جريمة إعدام النمر دليل على أنيابها الطائفية، التي تستهدف البشر، وتدعم التيارات التكفيرية الإرهابية". إيران انتفض الإعلام الإيرانى غضبًا من قرار السعودية المفاجئ، ووصف عالم الدين ب "الشهيد المجاهد، الذى عرف بحراکه السلمى المشفوع بالمنطق والإيمان والدفاع عن المظلومين والمحرومين"، وقال إنه "اليوم يدفع ضريبة معارضته". صحيفة "جمهوري إسلامي" الإيرانية علقت على تبعات إصدار الحكم على مستقبل النظام السعودي، حيث قالت "بدون شك فإن هذه الخطوة تعكس تخبط وإرباك الرياض بشكل قد لا يسبق له مثيل في الحياة السياسية السعودية، فإصدار حكم الإعدام أوجدَ موجة عارمة من الانتقادات والاحتجاجات ضد النظام السعودي في الداخل والخارج، ففي الداخل خرج الآلاف من سكان المحافظات الشيعية رغم سياسة القمع وكبت الحريات التي يمارسها هذا النظام. وأما على الصعيد الخارجي فإن مراجع الدين والشخصيات الدينية والسياسية ومعهم الأوساط الدولية وقفت جميعها إلى جانب الشيخ النمر، وأدانت الحكم". وتضيف الصحيفة أنه "لا شك في أن فشل سياسات آل سعود في المنطقة دفع بالنظام إلى اتخاذ مثل هذه القرارات المتسارعة وغير المدروسة. فهذا النظام يتصور أن مثل هذه التحركات كفيلة بإنقاذه من الهزيمة، إلا أن ذلك بات مستبعدًا، وعلى العكس فإن الرياض بهذه الحركة تكون قد غرقت أكثر في هذا المستنقع الذي يصعب الخلاص منه". الموقف الرسمي الإيراني جاء سريعًا، وعبر عنه المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية "حسين جابر أنصاري"، الذي أدان بشدة الخطوة السعودية، معتبرًا ذلك مؤشرًا لعمق عدم الحكمة واللاشعور بالمسؤولية لدى النظام السعودي، مؤكدًا أن الرياض ستدفع ثمنًا باهظًا لهذا الإجراء الذي أقدمت عليه، وقال "في الوقت الذي يزعزع فيه الإرهابيون المتطرفون والتكفيريون أمن واستقرار شعوب المنطقة والعالم، ويهددون استقرار ووجود بعض حكومات المنطقة، فإن إعدام شخصية مثل الشيخ النمر، الذي لم تكن له أداة سوى الكلام لمتابعة أهدافه السياسية والدينية، يعد مؤشرًا لعمق عدم الحكمة واللامسؤولية". الشخصيات السياسية والدينية في إيران أدانت أيضًا القرار السعودي بشدة، حيث وصف رئيس لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني "علاء الدين بروجردي" تنفيذ الحكم ب "العمل غير المنطقي واللا إنساني"، وأكد "بروجردي" أنه ستكون هناك عواقب كبيرة لهذه الكارثة، مشيرًا إلى أن الحكومة السعودية تتحمل المسؤولية، وأوضح أنه لا يمكن للسلطات السعودية القول بأن قضية "النمر" أمر داخلي؛ لأنه عالم دين معروف على مستوى العالم الإسلامي، وبهذا فإن القضية ترتبط بكل علماء المسلمين، وغالبية هؤلاء العلماء سيتخذون موقفًا، وتابع رئيس لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني "اليوم كل من هو خارج السعودية يشجب هذه الجريمة. شخصية النمر أثبتت للجميع بأنها لم تكن غير مسالمة، وستكون هناك ردود أفعال على المجالات الشعبية وربما الحكومية، ونحن سنتابعها". وأضاف "بروجردي" أن السياسات الهمجية التي تنتهجها السعودية في سوريا والعراق واليمن هي التي ألمَّت بكل هذه المنطقة، ولا يمكن السكوت والتغاضي عنها، وهذه القضية يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار من قبل المسؤولين السعوديين، وهي غير منطقية على الإطلاق، وتزعزع السلام في المنطقة والسعودية أيضًا. وختم بالقول "يجب على السعوديين أن يفكروا في العواقب التي ستنجم عن هذه السياسات، وأن يتوقفوا عن قتل أبناء الشعب اليمني الأعزل العربي المسلم، وأن يتذكروا ما أوصانا به الإسلام من حق الجار". بدوره دعا عضو مجلس خبراء القيادة في إيران "أحمد خاتمي" منظمة التعاون الاسلامي؛ لاتخاذ موقف تجاه تلك الجريمة، وأضاف خاتمي أن "هذه الجريمة لم تكن مستبعدة من نظام آل سعود، آل الخيانة والنهب؛ لأنه نظام مبني منذ نشوئه واستمراره على الجريمة والنهب"، حسب تعبيره. وحذر المرجع الديني في إيران "حسين نوري همداني" من أن الخطوة السعودية "ستؤدي إلى تبعات وخيمة لهم"، قائلًا إن السعودية لديها نظام حكم قبلي خاضع لهيمنة الاستكبار، لا يهتم بمطالب الشعب، وأوضح "همداني" أن خبر تنفيذ الحكم سيؤدي إلى تبعات وخيمة، وعلى السعودية أن تنتبه إلى هذا الأمر، وأضاف "ليعلم نظام آل سعود أننا لن نسكت إزاء هذا الأمر؛ لأن كل الشعب الإيراني والحوزات العلمية يرون هذا الإعدام جريمة كبرى، ولم ولن يسكتوا إزاء هذا الظلم". الشارع الإيراني أيضًا شهد تحركًا ملموسًا عقب إعلان قرار الإعدام، حيث أعلن مسؤول التعبئة الجامعية لجامعة الإمام الصادق "مسعود حسنلو" عن إقامة تجمع احتجاجي في طهران؛ تنديدًا بالجريمة، وأضاف "حسنلو" أن الجامعيين سينظمون غدًا وقفة احتجاجية في تمام الساعة الثالثة ظهرًا أمام السفارة السعودية في طهران، وتابع أن الحركة الجامعية، وضمن إدانتها لتنفيذ الحكم، تعلن بأن سلطات آل سعود تتحمل مسؤولية تداعيات هذه الجريمة، وأن الشعوب المسلمة وأحرار العالم لن تجعل هذه الجريمة تمر من دون حساب. التهديدات والاستنكارات والتنديدات الإقليمية والدولية، وخاصة الإيرانية، على حكم الإعدام تعطي مؤشرات توحي بأن هذه الخطوة لن تمر دون عواقب وتداعيات، قد تكون كارثية على مستوى السياسة الخارجية السعودية، حيث إنها سوف تزيد الخلافات الموجودة في المنطقة، لا سيما الخلافات والعلاقات العدائية السعودية الإيرانية.