شهدت مدينة الصخيرات المغربية، الخميس الماضي، توقيع اتفاق بين الأطراف الليبية المتنازعة، حيث وقع أعضاء في البرلمانين المتنازعين في ليبيا، وشخصياتٌ سياسية أخرى، اتفاقًا برعاية الأممالمتحدة، يهدف إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، رغم معارضة رئيسي المجلسين في ليبيا لهذا الاتفاق، لكن المبعوث الأممي إلى ليبيا مارتن كوبلر، قال إن 75% من الليبيين يؤيدون الاتفاق، وأن 17 دولة أيدت في روما مسودة الاتفاق ورحبت بها. فما الذي وقعَ عليه الليبيون في المغرب؟، وهل يمكن أن يحلَ الأزمةَ في ظلِ هذه المعارضة، مع وجود قوات على الأرض لم تُشرك في الاتفاق؟، وما هو مصير خليفة حفتر؟. نص الاتفاق نص اتفاق الصخيرات على تشكيل حكومة وحدة وطنية في ليبيا تقود مرحلة انتقالية من عامين تنتهي بإجراء انتخابات تشريعية، على أن يكون علي القطراني، وعبد السلام قاجمان، نائبين لرئيس الوزراء فايز السراج، وحضر حفل التوقيع مبعوث الأممالمتحدة إلى ليبيا مارتن كوبلر، ووزراء خارجية عرب وأوربيون، وممثلون عن هيئات دبلوماسية ودولية، إضافة إلى أعضاء في مجلس النواب المنحل، والمؤتمر الوطني العام. وبحسب عضوة الحوار الليبي عن المستقلين نعيمة محمد، فإن رئيس حكومة الوحدة الوطنية فايز السراج، يرأس كذلك المجلس الرئاسي الذي يضم 5 أعضاء آخرين يمثلون جميع الأطراف الليبية، و3 وزراء كبار يقومون بتسمية الوزراء، ونقلت عنها وكالة الأناضول قولها إن الاتفاق نص أيضا على أن يكون مقر الحكومة في طرابلس، وإن السلطة التشريعية ستكون ممثلة في مجلس النواب المنعقد بطبرق شرقي البلاد. أما المؤتمر الوطني العام المنعقد في طرابلس فسوف يشكل المجلس الأعلى للدولة، وهو مجلس استشاري للحكومة التي ستكون مدتها عاما واحدا قابلا للتمديد، علما أن الحكومة ملزمة بإصدار مشروع دستور جديد يعرض للاستفتاء. من اختصاصات مجلس رئاسة الوزراء القيام بمهام القائد الأعلى للجيش الليبي، وتعيين وإقالة رئيس جهاز المخابرات العامة بعد موافقة مجلس النواب، إلى جانب تعيين وإعفاء السفراء وممثلي ليبيا لدى المنظمات الدولية بناء على اقتراح من وزير الخارجية وفقا للتشريعات الليبية النافذة. كما يختص أيضا بتعيين كبار الموظفين وإعفائهم من مهامهم، وإعلان حالة الطوارئ والحرب والسلم، واتخاذ التدابير الاستثنائية بعد موافقة مجلس الدفاع والأمن القومي، وعقد الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، على أن تتم المصادقة عليها من مجلس النواب. يتطلب اتخاذ مجلس الوزراء لأي قرار إجماع رئيس مجلس الوزراء ونوابه، وهو ما يعني أن لرئيس الحكومة ونوابه حق الاعتراض على أي قرار، كما يتطلب اختيار وزراء حكومة التوافق إجماع رئيس الوزراء ونوابه بعد التشاور مع أعضاء الحوار السياسي الليبي، وإذا تعذر الإجماع في التصويتين الأول والثاني يتخذ القرار في التصويت الثالث بأغلبية أعضاء مجلس رئاسة الوزراء، على أن يكون رئيس مجلس رئاسة الوزراء من بينهم. هواجس وتحديات وسط اعتراض رئيس برلمان طبرق عقيلة صالح، ورئيس المؤتمر الوطني بطرابلس بوسمهين، على هذا الاتفاق، لا يبدو أنه سيضع حدا للانقسام الذي تشهده الساحة الليبية منذ أكثر من 4 سنوات، والذي قسّم الصف الواحد، إذ بدا المشهد العام في ليبيا أكثر انقساما، فبينما كان الخلاف يدور بين طبرق وطرابلس، طال هذا الخلاف اليوم المؤسستين ذاتهما، وأصبحت الخلافات طرابلسية طرابلسية، وطبرقية طبرقية، بما يطرح احتمالات خطيرة على الوضع الليبي. المتابعون للشأن الليبي يخشون أن تخرج هذه الخلافات من طابعها السياسي إلى الشوارع، إذ تحظى كل مجموعة بأنصار من المجموعات المسلحة، ويبدو الترقب كبيرا لما ستحمله الأيام المقبلة وما ستسفر عنه الجهود الدولية والداخلية لتفادي التطورات السلبية، وعلى الرغم من أن اتفاق الصخيرات وقّعته قيادات بارزة من المؤتمر الوطني وبرلمان طبرق، فإن قيادات بارزة في المؤسستين رفضت ذلك، ووصف رئيس فريق حوار المؤتمر الوطني، عوض عبدالصادق، في تصريح لقناة "النبأ" الليبية، مراسم توقيع اتفاق الصخيرات ب"المسرحية الكبيرة التي شاركت فيها أطراف لا تريد الخير لليبيا والليبيين"، ودعا عبد الصادق، ردا على دعوة بعض السفراء للالتحاق باتفاق الصخيرات، "الدول الصديقة والبعثة الأممية للحاق بالحوار الليبي الليبي"، مؤكدا رفضه لما سماها ب"حكومة الوصاية"، ومشددا على أن "ليبيا دولة ذات سيادة والليبيون هم من يقررون مصيرهم". رفض رئيس برلمان طبرق، عقيلة صالح، بنود الاتفاق الذي وقع في الصخيرات، واصفا حكومة الوفاق بأنها "تتعارض مع الكرامة الوطنية، ولم تكن نتاج حوار ليبي ليبي، وهو ما يرفضه الليبيون"، وأكد في بيان، عدم قبول فرض ما وصفه "بالحلول المعدة سلفا على الليبيين، والتي تم توريدها عن طريق ليبيين، لأنها لن يكتب لها النجاح"، كما اعتبر "أن ما يُتخذ من قرارات باسم مجلس النواب خارج قبة البرلمان لا يكون دستوريا ولا قانونيا". من جانبه أكد المؤتمر الوطني في طرابلس خلال مؤتمر صحفي، أنه فوّض بوسهمين بتشكيل لجان برلمانية لتفعيل وثيقة إعلان المبادئ في تونس، والعمل على تشكيل حكومة وفاق وطني، ودعا المجتمعون الأممالمتحدة إلى دعم وثيقة إعلان المبادئ التي وُقّعت في تونس، والتي انتهت بلقاء بوسهمين مع صالح في مالطا، ما يتعارض مع ما خرج من اتفاق الصخيرات في ليبيا. وبالنظر إلى هذه التصريحات سنرى أنها تعكس مواقف متوافقة لقيادات في المؤتمر وبرلمان طبرق على رفض الاتفاق، وانتقاد ما وصفه ب"الإملاءات والأجندات الخارجية"، متمثلة في إمكانية طلب الحكومة الجديدة التدخّل العسكري الأجنبي في ليبيا بحجة محاربة "داعش". التدخل العسكري الغربي نتجت عن هذا الاتفاق مخاوف لدى كثير من السياسيين الليبيين الذين أكدوا أنه يزيد من ارتفاع أسهم التدخّل العسكري الخارجي في ليبيا، بدعوة من حكومة ليبية مُعترف بها تطالب بهذا التدخّل تحت شعار محاربة تنظيم (داعش)، وبرز مؤشر إضافي على قرب التدخّل العسكري، مع ما كشفته صحيفة "الجارديان" البريطانية من أن قوة عسكرية أمريكية زارت ليبيا لاستطلاع شن هجوم ضد "داعش". وأكدت صحيفة الجورنالي الإيطالية، الخميس، أن الولاياتالمتحدةالأمريكية أرسلت عددا من القوات الخاصة إلى قاعدة الوطية الجوية في غرب ليبيا، مضيفة أن مجموعة العسكريين الأمريكيين المتخصصة في العمليات الخاصة، حلت في القاعدة العسكرية الخاضعة لقوات الجيش الليبي في الغرب الليبي غير بعيد عن الحدود التونسية، في عملية استطلاع وتمهيد لانتشار أمريكي متوقع، لإطلاق عملية عسكرية ضد داعش الذي يسعى إلى التوغل في الشرق في اتجاه المناطق النفطية. في نفس السياق ذكرت صحيفة الجارديان البريطانية، أن بريطانيا تأمل إرسال مئات الجنود إلى ليبيا بعد توقيع اتفاق السلام، وبحسب الصحيفة، تتوقع بريطانيا أن تطلب منها الحكومة الليبية الجديدة إرسال قوات لتدريب وتقديم المشورة للقوات الليبية لتحقيق الاستقرار في ليبيا ووقف تقدّم "داعش"، وأوردت الصحيفة قول وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون لتلفزيون القوات المسلحة، إن وزارته مستعدة لإرسال ألف جندي في مهمة غير قتالية. حفتر.. مصير مجهول ولم يحسم هذا الاتفاق مصير قائد الجيش الليبي، حيث ما زال مصير الجنرال خليفة حفتر، غامضا مع إصرار المؤتمر العام على عدم الاعتراف به كقائد للجيش الوطني، ورغم اعتراف مجلس النواب الليبي، المعترف به في الشرق، بحفتر قائدًا للجيش، إلا أن اتفاق الصخيرات المغربية خلا تمامًا من أى بنود لحماية مصير حفتر أو الإبقاء عليه، خاصة أن الموقعين على الاتفاق لا يمثلون كافة الكيانات والجيوش المنتشرة في ليبيا. ويرى عضو مجلس النواب أبو بكر بعيرة، أن الإبقاء على حفتر أو عزله شأن حكومة التوافق الجديدة، وأكد خليفة حفتر في اجتماع سابق بقادة محاور القتال، أن "الجيش" الوطني لا علاقة له بالحوار الجاري في الصخيرات، وأنه يستمد شرعيته الدستورية من تأييد الشعب وتفويضه المباشر له بمحاربة الإرهاب.