في مفاجأة لم يتوقعها كثيرون، أسفرت نتائج الانتخابات الجهوية الفرنسية خلال الجولة الثانية التي جرت الأحد، عن فوز حزب اليمين الفرنسي بسبع مناطق من أصل 13، مقابل خمس لليسار الذي تفادى الضربة القاضية فيما خرج اليمين المتطرف خائبًا من دون أي فوز، رغم تقدمه التاريخي في الدورة الأولى قبل أسبوع، بعدما تكتلت الأحزاب التقليدية لمنعه من الفوز. هزيمة اليمين المتطرف تلقى اليمين المتطرف صفعة قوية بخروجه خائبًا، فلم تستطع زعيمة الحزب المتمثل في الجبهة الوطنية مارين لوبان من الفوز في منطقة نور با دو كاليه «شمال» رغم أنها حصدت أكثر من 40% في الدور الأول، كما لم تتمكن ماريون ماريشال لوبان من الفوز أيضًا في منطقة بروفانس ألب كوت دازور «جنوب وجنوب شرق»، ولم تخرج ذراعها اليمنى فلوريان فيليبو فائزًا في منطقة ألزاس شامباين أردين لورين «شرق البلاد». وكانت الجبهة الوطنية سجلت خلال الجولة الأولى نتائج غير مسبوقة وفازت بنسبة 28% من أصوات الناخبين، وتصدرت النتائج في 6 مناطق، أهمها نور با دو كاليه بيكاردي وبروفانس ألب كوت دازور، وأرجع الخبير السياسي الفرنسي جان-ايف كامو في تصريحات صحفية له السبب إلى أن النتيجة تؤكد وصول الجبهة الوطنية لطريق مسدود، فقد حقق الحزب نتيجة ممتازة في الدورة الأولى لكنه عاجز عن الذهاب أبعد. اعتمد حزب الجبهة الوطنية «اليمين المتطرف» في برنامجه الانتخابي على إثارة ملفات مثل الخروج من الاتحاد الأوروبي والتضييق على اللاجئين والمسلمين والعرب، مستفيدًا من الأوضاع العامة التي خلفتها الاعتداءات الإرهابية في باريس 13 نوفمبر الماضي، رابطًا كل هذه الأحداث بالمسلمين واللاجئين العرب، ورغم الخسارة، إلَّا أن زعيمة الحزب خرجت لتؤكد أن لا أحد ولا شيء سيوقف زحف الجبهة الوطنية «اليمين المتطرف»، مضيفة أن حزبها بات أول قوة معارضة في فرنسا، معتبرة أن النظام السياسي في فرنسا يقود البلاد إلى الفوضى، في إشارة إلى استقبال اللاجئين وموقف البلاد من المسلمين والعرب، وتوعدت لوبان، عقب إعلان النتائج بالمضي قدمًا في سياساتها المعادية لكل من لهم أصول إسلامية وبالأخص الجزائريين والمغاربة. وحزب مارين لوبان منذ تأسيسه على أيدي والدها جون ماري لوبان المعروف بعدائه للمهاجرين، صعّد من لهجته المعادية للإسلام، والمهاجرين بزعم أنهم يؤثرون على استقرار فرنسا، وربطهم بالهجمات الإرهابية التي استهدفت العاصمة الفرنسية، خالطًا بين الإسلام والإرهاب، وأطلق أبرز قياداته قبل أيام من الانتخابات الجهوية، سلسلة من التصريحات تنذر بإعلان الحرب ضد المسلمين في فرنسا. تعتبر نتيجة انتخابات المرحلة الثانية من الانتخابات البلدية الفرنسية بمثابة سحق للطموحات الرئاسية لزعيمة حزب اليمين المتطرف مارين لوبان، رغم اللعب على وتر الإرهاب، فبهذه النتيجة ستقتصر الترجيحات بشأن الانتخابات الرئاسية لسنة 2017، على الرئيس الحالي فرنسوا هولاند عن الاشتراكيين ونيكولا ساركوزي عن اليمين الجمهوري. الجولة الثانية تحسم النتائج وأثارت الهزيمة التي تلقتها الجبهة الوطنية اليمينية في هذه الجولة، رغم فوزها الكبير بالجولة الأولى، تساؤلًا مفاده: لماذا هذه المفارقة الغريبة؟ إلَّا أن صحيفة واشنطن بوست الأمريكية قالت: فوز الجبهة الوطنية في الجولة الأولى دفع الناخبين الفرنسيين إلى المشاركة بمعدل أكبر للحيلولة دون فوز الجبهة وسياساتها المعارضة للسياسات المعهودة عن فرنسا، وعلى رأسها سياسة الهجرة، مضيفة أن فوز الجبهة الوطنية صدم الكثيرين، مما دفع الاشتراكيين للانسحاب من عدد من الأقاليم والتصويت ليمين الوسط الذي يقوده الرئيس الفرنسي السابق نيكولاي ساركوزي. كان للعرب دور أيضًا في قطع الطريق على انتخاب اليمين المتطرف، فرغم امتناع أغلبية العرب عن التصويت في الجولة الأولى من الانتخابات الجهوية، عالج الفرنسيون ذوي الأصول العربية هذا الأمر في الجولة الثانية، خاصة بمنطقة نور با دو كاليه بيكاردي شمال فرنسا؛ لقطع الطريق على اليمين المتطرف ومنع زعيمته مارين لوبان من الفوز برئاسة منطقتهم. الحزب الجمهوري يتصدر من جهة أخرى؛ يعتبر فوز الحزب الجمهوري المعارض الذي يتزعمه نيكولاي ساركوزي بسبع مناطق من ثلاث عشرة، عودة جديدة، بعد خسارته في الانتخابات الرئاسية السابقة، كما شكك البعض أيضًا في استراتيجية حزب «الجمهوريون» برئاسة ساركوزي تجاه منطقة الشرق الأوسط واللاجئين العرب، حيث تركزت على نفس الملفات التي يراهن عليها اليمين المتطرف، على الرغم من أنها أقل حدة ك«كالأمن والهجرة والهوية الوطنية»، وخير دليل على ذلك ما فعله الرئيس السابق نيكولا ساركوزي عام 2002 عندما أغلق المعسكر الذي كان يأوي في حينه حوالي 1600 لاجئ وتوزيع هؤلاء على مراكز استقبال متفرقة، لكن في النهاية اعتبر الكثير من الفرنسيين العرب وغيرهم أن اليمين أقل تطرفًا من اليمين المتطرف، على إثر ذلك فاز مدعومًا بحزب الوسط، متمكنًا من فرض نفسه في هذه الانتخابات، منتزعًا بعض المناطق التي كانت في قبضة اليسار منذ عدة سنوات، وأبرز هذه المناطق منطقة باريس وضواحيها «إيل دو فرانس» التي فازت بها الوزيرة السابقة خلال عهدة ساركوزي 2007/2012 فاليري بيكريس أمام ممثل الحزب الاشتراكي الحاكم ورئيس البرلمان كلود برتولون. انعكاسات النتائج على الشرق الأوسط في السياق ذاته، انتهج حزب ساركوزي سياسة متغيرة تجاه قضايا منطقة الشرق الأوسط خلال الفترة الأخيرة عن الحزب الاشتراكي الذي يتزعمه هولاند، وطالب ساركوزي الشهر الماضي الرئيس الفرنسي بتغيير سياسة البلاد حيال سوريا، مقترحًا العمل مع روسيا لأجل التخلص من تنظيم داعش هناك، وقال ساركوزي: لا يمكن أن يكون هناك تحالفان في سوريا، فنحن بحاجة لتعاون الجميع لتدمير ذلك التنظيم. وبالعودة إلى الخلف عند وصول نيكولا ساركوزي إلى الحكم وتولِّيه السلطة بعد جاك شيراك، كانت سياسة فرنسا مرتبطة بالاستراتيجية الأمريكية وتابعة لها، فرغم أنه جاء بعد حكم شيراك الديغولي، التي كانت سياسته بعيدة عن التذيّل الأمريكي، بدعمه للبلدان العربية خاصة القضية الفلسطينية، جاءت مواقف ساركوزي على العكس تمامًا. تراجع الحزب الاشتراكي من جهته، أفلت الحزب الاشتراكي، الحاكم المتحالف مع الخضر والشيوعيين في الدور الثاني من انتكاسة كان يتوقعها كثيرون، وفاز مرشحو اليسار بخمس مناطق بينها منطقة بروتان «غرب» التي انتزعها وزير الدفاع جان إيف لودريان والوسط وميدي بيريني «وسط» وأكيتان «جنوب غرب» ورغم انتزاع حزب ساركوزي بعض المناطق، أكدت الصحف الفرنسية أن هذه الانتخابات بلا طعم؛ لأنها تمثل خسارة للجميع، فكتبت صحيفة «لا فوا دو نور» المحلية: إنها انتخابات بلا فائز، ملخصة الوضع كالآتي: الجبهة الوطنية تفوز في الدورة الأولى وتفشل بالدورة الثانية، واليمين لا يستفيد من التصويت العقابي التقليدي، والحزب الاشتراكي يخسر تفوقه في المناطق، وتعليقًا على تراجع الحزب الاشتراكي في الانتخابات الجهوية خرج رئيس الوزراء الفرنسي الاشتراكي، ليؤكد أن فرنسا ما زالت تواجه خطر تمدد اليمين المتطرف، قائلًا: اعتبر رئيس الوزراء الفرنسي الاشتراكي مانويل فالس الأحد أن خطر اليمين المتطرف لا يزال قائمًا في فرنسا، رغم فشل حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف في الفوز بأي منطقة فرنسية، مضيفًا: ليس هناك أي ارتياح أو انتصار؛ لأن خطر اليمين المتطرف لا يزال قائمًا، مذكرًا بتقدم الجبهة الوطنية غير المسبوق في الدورة الأولى من انتخابات المناطق.