نشر نشطاء في قطاع غزة أمس، فيديو لنائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، يطالب فيه الإيرانيين بدعم الانتفاضة، ووصف هنية في خطابه الشعب الإيراني ب«المسلم الشقيق»، وأنه يُدرك مكانة القدس وفلسطين في قلوب الإيرانيين قيادة وشعبا، داعيا إياهم لتوفير الحاضنة الاستراتيجية للانتفاضة المجيدة حتى تستمر وتحقق أهدافها. حين قررت حماس مغادرة سوريا، أيقنت أنها لن تجد بديلاً عربياً أو إسلامياً يعوضها عن سوريا، ومن الصعب أن يقبل أي بلد عربي استقبالها على أراضيه؛ لأسباب كثيرة ليس أقلها غضب الولاياتالمتحدةالأمريكية الحليفة لأغلب الدول العربية، فحاولت حماس الاتصال ببعض الدول التي يمكن اللجوء إليها، ومنها الأردن، السودان، لكنها وجدت اعتذاراً دبلوماسياً، فبدأت حماس بالبحث في دفاترها القديمة، لتكتشف خيارات جغرافية لم تكن تتخيل بأنها ستضعها في الحسبان ولو حتى من باب الدعابة، كأن يلجأوا إلى قطر. علاقة حماس بقطر تعود إلى سنوات ما بعد فرض الحصار من قبل الكيان الصهيوني على قطاع غزة إثر فوزها في الانتخابات التشريعية عام 2006، وفي حين غابت العديد من الدول عن مساعدة الفلسطينيين باستثناء إيران، ظهرت قطر مع تركياماليزيا وبعض المنظمات والعربية والإسلامية، للتخفيف من آثار الحصار. التطور الأبرز في العلاقة بين قطر وحماس بدأ يتصاعد حين عقدت قمة الدوحة خلال حرب الكيان الصهيوني الأولى على غزة 2008، ودعت إليها قائد حماس خالد مشعل، إلى جانب رؤساء عرب وإقليميين، أبرزهم أمير قطر السابق، الشيخ حمد، والرئيس السوري، بشار الأسد، والرئيس الإيراني السابق، أحمدي نجاد، والرئيس التركي الحالي، طيب أردوغان، وقتها أعلنت قطر تقديم 250 مليون دولار لإصلاح الأضرار الناجمة عن الحرب الإسرائيلية، وتوجه رئيس حكومة حماس في غزة وقتها، إسماعيل هنية، وعدد من وزرائه بالشكر لقطر، وكأنه على قاعدة أن قطر قامت بأضعف الإيمان تجاه القضية الفلسطينية. وكان دعم قطر لحركة حماس على شكل هبات ومنح ومشاريع ميدانية، وليس أموالاً نقدية، كما تأمل حماس، لتعويض توقف الدعم الإيراني، وإعلان حماس بصورة غير مسبوقة أنها تعاني أزمة مالية خانقة، وفقاً لما أكده خالد مشعل وخليل الحية وسامي أبو زهري، قادتها في الداخل والخارج، حيث كشفت مصادر فلسطينية مطلعة، الشهر الماضي، أن الجهات الحكومية التابعة لحركة حماس بغزة بدأت عمليا خصم ديون موظفيها تمهيدا لعملية تبديل مستحقاتهم بأراضٍ حكومية. وأوضحت المصادر لصحيفة القدس الفلسطينية، أن الخصومات من مستحقات الموظفين ستشمل ما عليهم من ديون في فواتير الكهرباء والمياه والهواتف وغيرها من معاملات بنكية، على أن يتم تحديد المبلغ النهائي لكل موظف من مستحقاته تمهيدا لعملية المبادلة بنقل أراضٍ حكومية الى ملكيتهم بدلا من دفع المستحقات نقدا. إجراءات باتت تمثل الوضع المادي المتردي من جهة، ومن جهة أخرى، أصبحت تشكل عبئا على حماس وخصوصاً بعد تصاعد اتهامات من قبل نشطاء تشير إلى بطلانية الاجراءات الحمساوية بنهب الأراضي الحكومية العامة لصالح ابنائها وموظفيهاعلى حد تعبيرهم. كما تشير المعلومات إلى أن الأزمة المالية الخانقة لحماس أجلتها عمليات الطعن الفلسطينية الأخيرة ضد قوات الاحتلال الإسرائيلية، فقال المحلل السياسي عاموس هرئيل، في مقال له بجريدة هآرتس إن التوتر في الأقصى يمثل عنصرا جيدا لحركة حماس، التي تواجه أزمات مع شعب غزة بسبب تدهور مستوى المعيشة، وخرجت بالفعل موجة مظاهرات ضد الحركة والسلطة في القطاع بسبب هذا التدهور، ومن ثم فإن توتر الأحداث في القدس سيساهم بشكل أو بآخر في تهدئة المواطن الغزاوى تجاه حماس، خاصة بعد أن بدأت مصر بإغراق الأنفاق على طول الحدود مع القطاع في رفح، لذا فإن انجذاب انتباه المواطن الغزاوى تجاه ما يجرى في القدس يحدث صدى إيجابيا لصالح حكم الحركة في القطاع. على ما يبدو أن احتمالات حماس التي بنت عليها استراتيجيتها بدأت تتبخر واحداً تلو الآخر، فمع انتهاء حقبة الإخوان المسلمين في مصر وتونس كبديل مكاني عن سوريا، ودعم قطر المشروط كأكبر قاعدة عسكرية لأمريكا في الشرق الأوسط كبديل تمويلي عن إيران، فالدوحة لم توفر لحماس الحد الأدنى مما وجدته في دمشق بين عامي 2000-2010، جعل حماس تستعجل في إعادة ترتيب منزلها الداخلي على أسس منطقية. فيديو هنية الجديد الذي نشره نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي يشكر فيه إيران ويدعوها لدعم المقاومة ضد الكيان الصهيوني المحتل يحمل احتمالا واحدا، بأن حماس بدأت بتغير استراتيجيتها نحو طهران، رغم أن الأخيرة لم تغير سياستها من دعم النظام السوري ومؤسساته ضد إرهاب داعش، وهو موضع الخلاف بين حماس وطهران، كما أن الوضع المادي ليس وحده العامل الأساسي في محاولة حماس التقرب من طهران، فيبدو أن هناك عدوا مشتركا بينهما يمكن أن يساهم في تعجيل الخطوة، وهو داعش، الذى هدد حماس في مقطع مصور بثته مواقع تابعة له، بإسقاط حركة حماس في قطاع غزة؛ بسبب عدم تطبيقها الشريعة، وممارستها التضييق الأمني على أنصاره، كما توعدت بجعل القطاع ضمن مناطق نفوذها.