بعد أسابيع قليلة من الحادث الإرهابي الذي وقع في باريس، ووسط إجراءات أمنية غير مسبوقة، تستقبل العاصمة الفرنسية المؤتمر الدولي ال21 حول المناخ، وسط ظروف استثنائية على المستوى العالمي. "قمة المناخ" وسط تعزيزات أمنية استثنائية فتحت "لوبورجيه" أبوابها أمام خبراء المناخ وزعماء العالم لحضور "قمة المناخ" التي تنظمها الأممالمتحدة في "لوبورجيه" قرب باريس، بحضور حوالى 150 رئيسًا ورئيس حكومة، على رأسهم الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" ونظيره الروسي "فلاديمير بوتين"، والرئيس الصيني "شي جين بينغ"، والمستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل"، ورئيس وزراء بريطانيا "ديفيد كاميرون"، فيما يحضر من القادة العرب الرئيس "عبد الفتاح السيسي"، والعاهل الأردني الملك "عبد الله الثاني"، والعاهل المغربي الملك "محمد السادس"، وأمير قطر "تميم بن حمد آل ثاني"، وولي ولي العهد السعودي وزير الدفاع "محمد بن سلمان"، ورئيس الحكومة اللبنانية "تمام سلام". إجراءات أمنية غير مسبقة انعقاد القمة في ظل تهديدات أمنية حقيقية تواجه فرنسا، جعل القيادات الأمنية الفرنسية في حالة استنفار غير مسبوقة، وسط تأكيدات بإحكام الأمن على مقر المؤتمر الذي يقع بالقرب من مطار كان قد أحبط فيه هجومًا إرهابيًا سابقًا، وليس بعيدًا عن "سانت دينيس" التي خطط فيها للحادث الإرهابي الأخير. في محاولة لطمأنة الزعماء الوافدين إلى باريس من أجل حضور قمة المناخ، أعلن وزير الداخلية الفرنسي "برنار كازنوف"، أن بلاده وضعت ناشطين في مجال البيئة قيد الإقامة الجبرية قبل انطلاق قمة المناخ بعدما اشتبهت في أنهم خططوا لاحتجاجات عنيفة قبل القمة، واستخدمت في ذلك قوانين الطوارئ التي طُبقت بعد هجمات باريس، وتابع "هؤلاء وعددهم 24، وُضِعوا قيد الإقامة الجبرية لأن سلوكهم شابه العنف أثناء تظاهرات في وقت سابق، ولأنهم قالوا أنهم لن يحترموا حالة الطوارئ التي فُرضت بعد هجمات باريس، والتي حظرت بموجبها التظاهرات ومنحت الشرطة سلطات واسعة للتفتيش والمراقبة"، واستدرك كازنوف "هؤلاء الأشخاص لا صلة لهم على الإطلاق بالإرهاب، لكن قواتنا تحتاج إلى التركيز في شكل كامل على حماية الشعب الفرنسي"، وحذر من أن أي اضطرابات عامة خطيرة من شأنها تشتيت الشرطة في معركتها ضد الإرهاب. من جانبه؛ أكد وزير الداخلية الفرنسي أن "منذ إعادة بلاده نظام مراقبة الحدود في 13 نوفمبر الماضي منع حوالى ألف شخص من دخول الأراضي الفرنسية بسبب الخطر الذي قد يطرحونه على الأمن العام في بلادنا"، وأضاف "حوالى 15 ألفاً من عناصر الشرطة والدرك والجمارك نُشِروا على كل حدودنا، خصوصًا الحدود الشمالية"، وتابع الوزير "هدف مراقبة الحدود هو السماح لنا بضمان الأمن في إطار تنظيم مؤتمر الأممالمتحدة حول المناخ، وأيضاً ضبط مستوى التهديد الإرهابي المرتفع جدًا وضمان أمن الفرنسيين والقيام بالاعتقالات اللازمة". استبقت باريس هذه القمة بإجراءات غير مسبوقه حيث أكدت السلطات الفرنسية بأنه سيكون هناك منطقة آمنة محيطة بمقر المؤتمر بداية من مساء الأحد، بالتزامن مع وصول رؤساء الدول والحكومات، حيث يتم منع استخدام السيارات بدءًا من أمس الأحد وحتى مساء اليوم الاثنين لأسباب أمنية، كما أعلنت السلطات الفرنسية أنها ستنشر نحو 2800 من عناصر الشرطة والجيش لتأمين موقع المؤتمر في ضاحية لوبورجيه، كما سيتم نشر 6300 آخرين في أرجاء باريس. مظاهرات في عواصم العالم عشية انطلاق القمة نظم الآلاف من المدافعين عن البيئة مظاهرات احتجاجية في أنحاء مختلفة من العالم، لمطالبة قادة العالم بالتوصل إلى معاهدة تحول دون تدهور الأوضاع المناخية، فمن أستراليا إلى نيوزيلندا والفيليبين وبنغلادش واليابان، وصولًا إلى سيدني وبرلين ولندن وساو باولو ونيويورك، شارك المحتجون في تظاهرات تدعو إلى مكافحة الاحتباس الحراري تحت شعار "احموا بيتنا المشترك"، وخرج أكثر من 570 ألف شخص في 2300 مظاهرة دفاعًا عن المناخ، طالبوا خلالها القادة المجتمعين في باريس بضرورة اتخاذ قرارات من شأنها الحد من التغيرات المناخية. أهداف القمة يهدف مؤتمر المناخ إلى التوصل لاتفاق عالمي مُلزم لخفض الانبعاثات الحرارية إلى مستوى أقل من درجتين ومن أصل 195دولة عضوًا في معاهدة الأممالمتحدة المناخية، سلَّمت 155 دولة مساهمتها المحددة نهاية الشهر الماضي، ولدى انتهاء مؤتمر المناخ في 11 ديسمبر، يُفترض أن يكون قد وُضع إطار للاتفاق الدولي الجديد للتغير المناخي، والذي يخلف عام 2020 "بروتوكول كيوتو" الذي فشل في الحد من الانبعاثات، وعلى الدول المشاركة في قمة باريس أن تتفق على طموحاتها في الحد من الانبعاثات، لكن المؤشرات الحالية تُظهر أن الالتزامات التي قُدمت ما زالت غير كافية، إذ تبقى حرارة الأرض أكثر سخونة مما يجب بثلاث درجات مئوية قبل نهاية القرن. الكفة السياسية ترجح على الرغم من أن القمة مخصصة لمناقشة أخطار الانبعاثات الحرارية على العالم، والتوصل إلى اتفاق عالمي يخلف "بروتوكول كيوتو"، إلا أن القمة غلب عليها الطابع السياسي أكثر من المناخي، حيث اتجهت الأنظار باهتمام إلى اللقاءات المتوقعة بين قادة العالم، والتي من المقرر أن يتم فيها مناقشة الأزمات الدولية والإقليمية. يفرض الإرهاب نفسه على طاولة القمة، حيث أنها تأتي في الوقت الذي تسعى فيه العديد من الدول وعلى رأسها أمريكاوفرنسا وروسيا إلى محاربة الإرهاب في سوريا والعراق، وهو ما يدفع للقول بأن النقاشات حول تنسيق جهود هذه الدول لمكافحة الإرهاب ستتكثف باجتماع الزعماء في مكان واحد، وهو ما سيتبعه بالتأكيد بحث تطورات الأزمة السورية بحضور كافة الفاعلين في حل الأزمة والذين شاركوا في جولات من مباحثات فيينا حول سوريا. الأزمة "التركية الروسية" أخذت مساحة كبيرة من حديث العديد من الزعماء قبل القمة، خاصة في ظل استمرار الأجواء المشحونه بين البلدين، والتي بدأت عقب إسقاط الأتراك طائرة "سوخوي" روسية على الحدود مع سوريا، حيث يترقب العالم لقاء مثير للجدل بين الرئيسين الروسي "فلاديمير بوتين"، والتركي "رجب طيب أردوغان". وفي الوقت الذي تحدثت وسائل الإعلام عن جهود أوروبية لعقد لقاء بين الرئيسين لتخفيف التوتر بينهما، خرج الكرملين ليحبط ليقطع الحديث في هذا الشأن، حيث أعلن أن الرئيس الروسي لن يعقد لقاءً مع نظيره التركي على هامش قمة الأممالمتحدة للمناخ في باريس، وقال المتحدث باسم الرئاسة الروسية "دميتري بيسكوف"، "بوتين لا يخطط لعقد لقاء مع أردوغان، ولا يدور الحديث عن هذا اللقاء، ولن يعقد هناك مثل هذا اللقاء"، وأشار "بيسكوف" ردًا على سؤال حول إمكانية إجراء اتصالات بين زعيمي البلدين، إلى عدم وجود أي اتصالات من هذا النوع في جدول أعمال رئيس الدولة. في الوقت ذاته من المقرر أن يلتقي الرئيس "عبد الفتاح السيسي" بالرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" في أول لقاء بينهما منذ سقوط الطائرة المدنية الروسية في سيناء نهاية الشهر الماضي، وهو الحادث الذي ترتب عليه إلغاء الرحلات الروسية إلى القاهرة، وانتشرت حوله تكهنات بتراجع العلاقات الدبلوماسية المصرية الروسية، لكن أعقبه إعلان الجانبين المصري والروسي متانة العلاقات والتوقيع رسميًا على اتفاق الضبعة النووي قبل أسبوعين، للتأكيد على استمرار العلاقات التاريخية بين البلدين.