منذ تسعينيات القرن الماضي وتطفو على السطح كل فترة قضية مثلث حلايب الذي تدعي السودان أنه جزء من أراضيها، وكان آخرها تصريح الرئيس السوداني عمر البشير بأن حلايب أرض سودانية، لن يتخلى عنها السودان، مطالبًا السعودية بالتدخل لحل المشكلة. فما هو مثلث حلايب؟ وما هي قصة مثلث بارتازوجا الذي لا يريده أحد؟ وما هو أصل المشكلة؟ المكان مثلث حلايب يقع في أقصى الجنوب الشرقي لجمهورية مصر العربية على ساحل البحر الأحمر، بمساحة تقدر ب 20 ألف كم مربع، ويضم 3 بلدات رئيسية، هي حلايب وشلاتين وأبو رماد. أما مثلث بارتازوجا فيعرف بمنطقة "بير طويل"، ويقع في أقصى شمال السودان بمساحة 2060 كم مربع، ولا توجد سيادة عليه لا من السودان ولا من مصر، وهو خالٍ من السكان ومن الموارد. جذور المكان منذ ألاف السنين ومنطقة شمال السودان هي منطقة نفوذ مصري، وكانت الحدود المصرية عبر التاريخ القديم تتوغل أو تنحسر حسب قوة مصر واستقرارها، وخلال فترات الضعف كان النوبيون والبجاوية يتقدمون في أنحاء جنوب مصر، وفي فترات القوة كانت مصر تسيطر على شمال السودان، وكانت قبائل "البجا" تنتشر في منطقة القرن الإفريقي وبطول ساحل البحر الأحمر من جيبوتي إلى إريتريا والسودان، تقوم بين الحين والآخر في العصور القديمة بالتوغل شمالاً في فترات الضعف المصرية؛ للسيطرة على مناجم الذهب في مثلث حلايب. ومع مرور الزمان استوطن البعض من "البجا" المكان، وعاشوا فيه مثل أي منطقة حدودية، وكان لهم تواصل مع امتدادهم الثقافي والحضاري جنوبًا، كحال أهالي سيوة في غرب مصر وأهالي سيناء في شرق مصر، بل وفي أي منطقة في العالم، كالحدود التركية العراقية والحدود الإيرانية الأفغانية. بداية القصة ظل الوضع مستقرًّا على ذلك الحال، وزاد توطيد العلاقة المصرية بالجنوب السوداني عمومًا، بعد فتح محمد علي باشا للسودان وضمه لأغلب الأراضي السودانية للسيادة المصرية. وبعد ذلك توغل الخديوِ إسماعيل حتى أوغندا وإريتريا. وبعد دخول بريطانيا مصر وسيطرتها عليها، تم فرض اتفاقية السودان عام 1899، التي نصت على الحكم الثنائي "المصري البريطاني" للسودان، وبناءً عليها كان يجب رسم الحدود المصرية السودانية، وتم رسمها بالفعل حسب التقليد التاريخي، وكانت دائرة 22 عرضًا هي الفاصل بين مصر والسودان، وكان مثلث حلايب جزءًا من الأراضي المصرية. أيادي الاستعمار كالعادة وكما صنع الاستعمار في كل العالم العربي، قامت بريطانيا بدق أول مسمار خلافي، ففي عام 1902 قررت بريطانيا جعل مثلث حلايب ضمن إدارة السودان دون الإخلال باتفاقية 1899؛ باعتباره جزءًا من الأراضي المصرية، وبررت هذه الخطوة بأن المثلث أقرب جغرافيًّا للخرطوم؛ مما يسهل التواصل مع قاطنيه. وظل المثلث تحت الإدارة السودانية، ولم يكن هناك عوائق أو مشاكل؛ لأن مصر والسودان كانتا سويًّا تحت التاج المصري وتحت شرعية حكم الملك في القاهرة ودولة موحدة. الانفصال أعلنت السودان الانفصال عن مصر، بعد إنهاء الملكية وإعلان الجمهورية، وانفصلت بالفعل عام 1956. وخلال عام 1958 أرسل الرئيس جمال عبد الناصر قوات مصرية إلى مثلث حلايب؛ بوصفه أرضًا مصرية، ولكن السودان اعترضت، وسحب عبد الناصر القوات المصرية من هناك؛ منعًا لنشوب خلاف. وكانت هي المرة الأولى التي يطفو إلى السطح فيها نية السودان اعتبار حلايب أرض سودانية. تصعيد 1992 ظل الوضع على ما هو عليه حتى عام 1992، حين قرر السودان منح حق التنقيب على النفط لشركات أجنبية في مياه البحر الأحمر المقابلة لساحل مثلث حلايب، واعترضت مصر بشكل رسمي وحادّ، فأدى ذلك لتوقف أعمال التنقيب حتى يتم حل المشكلة. وفي عام 1995، وبعد محاولة اغتيال الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك في أديس أبابا، قامت مصر بإرسال قوات إلى مثلث حلايب وفرض السيطرة عليه بشكل كامل، وانتهى وجود أي قوة سودانية في المنطقة بالكامل مع حلول عام 2000، فيما عدا قوة مشاة صغيرة، بالتنسيق مع مصر. مثلث بارتازوجا "مالوش صاحب" ترفض كل من مصر والسودان الاعتراف بالسيادة على هذا المثلث، فالسودان تعتبره أرضًا مصرية، ومصر تعتبره أرضًا سودانية، فهو وفقًا لاتفاقية 1899 أرض سودانية، تقع جنوب دائرة العرض 22؛ لذلك إذا اعترفت السودان بالسيادة عليه، فسيكون ذلك اعترافًا ضمنيًّا بحدود 1899، وتعتبر حلايب أرضًا مصرية.، وإذا اعترفت مصر بسيادتها عليه، فسيكون ذلك عدم اعتراف ضمني بحدود 1899؛ مما يعني أن حلايب أرض سودانية، وبالتالي يظل بارتازوجا بدون صاحب وبدون سيادة لأحد، حتى وصل الأمر إلى أن مواطنًا أمريكيًّا يدعى "جيرمي هيتون" ذهب إلى هناك، وأعلن تأسيس مملكة "شمال السودان"، وعين ابنته أميرة، وطالب العالم بالاعتراف بدولته الجديدة؛ لأنه وعد ابنته أن تصبح أميرة، وتلك الأرض ليست تحت سيادة أي دولة.