منذ صدور القرار الوزاري رقم 329 لسنة 1985 والخاص بتحديد مناطق الاستزراع السمكي حول جميع مصارف المجاري والصرف الصناعي والزراعي، يتناول المصريون أسماكًا ملوثة بالعديد من المعادن الثقيلة والسموم والطفيليات، خاصة مع حظر انشاء المزارع السمكية على المياه النظيفة. وأثبتت إحدى الدراسات التي أجريت على مياه مصرف بحر البقر كمثال للمصارف التي أقرتها الدولةلإقامة المزارع السمكية، والذي يمتد بطول 190 كيلو مترًا، يبدأ من جنوبالقاهرة، مارًّا بمحافظات القليوبية والشرقية والإسماعيلية والدقهلية؛ ليصب في بحيرة المنزلة، ويستقبل مخلفات الصرف الصحي غير المعالج من التجمعات السكانية على جانبيه أو من شبكات للصرف الصحي مباشرة من المدن المطلة عليه، أن الأسماك مصابة بأمراض مختلفة، تصيب من يتناولها بحساسية في الجهاز التنفسي والأمراض المتوطنة والفشل الكلوي والأمراض الجلدية المختلفة، بجانب تغير الصورة العامة للدم؛ جراء تناول تلك الأسماك التي ثبت أنها مصابة بالأنيميا. ومن جانبه قال إبراهيم فهمي، نقيب الصيادين، إن جميع الأسماك المتواجدة في الأسواق المصرية ملوثة، وتتغذى على حيوانات نافقة ومتحللة، الأمر الذي يساهم في ارتفاع نسبة الإصابة بالأورام السرطانية والفشل الكبدي والفشل الكلوي، لافتًا إلى أن السبب الرئيسي وراء تلك الظاهرة هو عدم تطهير المصارف المقام عليها المزارع السمكية، والمنوط بها هيئة الثروة السمكية التابعة لوزارة الزراعة، وتساهم وزارة البيئة في التكتم على تلك المشكلة، بإصدارها تقارير كاذبة ومخالفة للواقع المرير للمصارف الملوثة بكافة أنواع التلوث "كيمائي – حيوي". وأوضح نقيب الصيادين أن ماء الصرف بكافة أنواعه "الزراعي – الصناعي – الصحي" يلقى في النيل مباشرة دون مروره بمرحلة المعالجة، مؤكدًا أن جموع الصيادين حاولوا مقابلة العديد من المسئولين؛ لوضع حلول جذرية لتلك المشكلة دون جدوى، الأمر الذي يؤثر بالسلب على كمية وجودة الأسماك المنتجة؛ مما يسبب لهم خسائر فادحة. وأكد مصطفى محمد، أحد أصحاب المزارع السمكية أن قرار الدولة منع استخدام مياه الترع "مياه الري النظيفة" في الاستزراع السمكي بحجة نقص الموارد المائية في مصر وأن أسماك المزارع أحد أسباب تلوث المياه، هو السبب الحقيقي وراء إنتاج أسماك ملوثة تتسبب في إصابة من يتناولها بالأمراض التي تهدد أرواحهم، على الرغم من تحذير الخبراء المتكرر من خطورة تناول أسماك المزارع، ومطالبتهم بتعديل القانون المنظم لإنشاء المزارع السمكية، والسماح بإقامتها في مياه نظيفة، لافتًا إلى أن هذا القرار كان صدوره خاطئًا من الأساس، وتعديله الآن لن يجدي في ظل الوضع الحالي للمزارع؛ لأن 98% من المزارع السمكية بالدلتا مقامة حول البحيرات الشمالية ومصدر تغذيتها إما من البحيرات، وإما من مصارف، وتحتاج لتكاليف باهظة عند إعادة توصيل المياه النقية إليها. وأوضح مصطفى أن تلوث المياه يضعف مناعة الأسماك، ويزيد نسبة المعادن الثقيلة والطفيليات بها، الأمر الذي أدى إلى رفض دول الاتحاد الأوربي استيراد الأسماك المصرية؛ مما تسبب في حرماننا من أن يكون لدينا سوق مفتوح؛ لعمل توازن بين العرض والطلب، خاصة أن المعروض من الأسماك في بعض الشهور يزيد عن حاجة السوق المحلى، ويؤدى إلى انخفاض الأسعار وخسارة المنتجين، مضيفًا أن مياه غالبية المصارف والترع مخلوطة بمياه الصرف الصحي، حيث إن السواد الاعظم من القرى لا توجد بها شبكات صرف صحي، وتفريغ "الطرنشات" يتم في المصارف، والأخطر من الصرف الصحي هو الصرف الصناعي، ويجب أن ننتبه جيدًا إلى أنه كما تقوم هذه المصارف بتغذية المزارع بالمياه، فهي تقوم أيضًا بتغذية البحيرات، أي أن أسماك البحيرات مثلها مثل أسماك المزارع تمثل تهديدًا لصحة من يتناولها. مقترحًا إعداد دراسة شاملة، تحدد نسب التلوث في مواقع الاستزراع وحجم التلوث والنسب المسموح بها عالميًّا، بالإضافة إلى عمل خريطة لأماكن أخرى، تتصف بالمثالية، وتراعى الأبعاد البيئة والاستراتيجية للدولة، على أن يتم الانتقال بصورة تدريجية إلى تلك المناطق، مع إعداد دراسة أخرى لتحويل المزارع القائمة حاليًّا إلى أراضٍ زراعية أو امتداد عمراني للقرى المجاورة وتجمعات صناعية، أيهما أكثر منفعة اقتصادية من الناحية العامة، في ذات الوقت الذي تقوم فيه الدولة بتقنين أوضاع الأقفاص السمكية في مجرى النيل في ظل إدارة رشيدة وداعمة لتلك الصناعة الهامة.