ألمانيا التي طالما ظلت لعقود طويلة متمسكة بلغتها، وكان دائما أول وأهم شروط السفر إليها هو التمكن من اللغة الألمانية، الآن أصبح الوضع مختلفا لدرجة أنها تخلت عن هذا الشرط ولو لفترة مؤقته حيث كان حضور اللغة العربية في ألمانيا مقتصرا على النشرات العلمية ومعاهد الاستشراق، إلا أن موجة اللاجئين غيرت ذلك، إذ تحررت لغة الضاد من رفوف خزانات المكتبات الألمانية وباتت جزءا من تعامل ألمانيا مع اللاجئين. فمن أجل أن يطلع الوافدون إلى ألمانيا مبكرا على نظامها السياسي وثوابته، تُرجم دستور البلاد إلى العربية وُوزع عليهم، وباتت بعض الصحف الألمانية تصدر طبعات خاصة بالعربية لهؤلاء اللاجئين المنحدرين من دول عربية كسوريا والعراق. فيما أثار البرنامج الذي يبث على القناة الألمانية «إن تي فاو» باللغة العربية جدلا على الساحة الإعلامية داخل ألمانيا، فهدف البرنامج هو تعريف الجمهور العربي، وخاصة اللاجئين منهم، بماهية الحياة في ألمانيا، إذ يسلط البرنامج الضوء على طبيعة الألمان ونمط حياتهم، كما يشرح التشريعات التي تحكمهم، ويناقش قضايا مهمة تتعلق بحرية الرأي والمساواة في ألمانيا، بالإضافة إلى طرح بعض الجوانب القانونية المتعلقة بحقوق اللاجئين والإجابة على أسئلتهم. وبالرغم من أن البرنامج التعريفي الذي لا تتعدى مدته 5 دقائق تقريبا، ويتم بثه عبر موقع القناة الشبكية الإلكتروني وليس عبر شاشتها التلفزيونية إلا أن البرنامج والذي تابعه عشرات آلاف من المشاهدين العرب، حسب إحصاءات القناة الألمانية، أثار الكثير من الجدل بعد أن تلقى مئات رسائل الاحتجاج من مواطنين ألمان يعتبرون أن بث برامج بالعربية هو أمر غير مرحب به، وأنه من الضروري أن تكون البرامج باللغة الألمانية فقط، وعبرت بعض الرسائل التي تصل القناة بشكل مستمر وكتعقيب على الحلقات الأسبوعية عن تخوفها من اضمحلال الثقافة الغربية نتيجة دخول أعداد كبيرة من اللاجئين إلى ألمانيا. المطلع على محتوى الحلقات المقدمة حتى الآن يجد أنها متنوعة، فهي تشمل حياة الألمان السياسية والثقافية والاجتماعية، بالإضافة إلى مناقشة قضايا قد يعتبرها الجمهور العربي غير ملائمة، مثل قضايا الجنس قبل الزواج، وقضايا الحياة الليلية أو العيش المشترك دون عقد زواج، وغيرها من المواضيع التي قد تعتبر صادمة للمشاهد العربي. «المواضيع التي نطرحها قد تعتبر حساسة بالنسبة للمشاهد العربي، لكنها مهمة جدا له للتعرف على ألمانيا، فهذه الأمور موجودة وقائمة، بغض النظر عن اتفاقه معها أم عكس ذلك، إلا أنه من الضروري أن يفهم المتوافدون على ألمانيا ماهية الأمور من حوله»، هكذا تحدث قسطنطين شرايبر، معد ومقدم برنامج «مرحبا بكم في ألمانيا» عن برنامجه. عاش مقدم اابرنامج في سوريا ولبنان والإمارات العربية سابقا، وذكر أنه يشعر بالحزن عند مشاهدة معاناة اللاجئين، فقد أقام في سوريا وله العديد من الأصدقاء الذين ما زالوا يعيشون هناك، لذلك يأمل في أن يساعد برنامجه هؤلاء اللاجئين في حياتهم في ألمانيا، وهو أمر غير سهل للوافدين من العرب بحسب رأيه، فطبيعة الحياة في العالم العربي تختلف عنها في ألمانيا، وليس للوقت نفس الأهمية بالمقارنة مع ألمانيا مما يؤدي إلى العديد من المشاكل لدى اللاجئين، وأضاف أن المجتمع العربي يمتاز بروابطه الاجتماعية الكبيرة وهو ما يصعب على الألمان فهمه، لذلك فإن النصيحة التي يقدمها شرايبر، للاجئين ولكل العرب الذين يريدون النجاح في ألمانيا هو العمل على إتقان اللغة لأنها وسيلة للتواصل ولفهم أفضل لثقافة الألمان وحياتهم. وعن صحيفة بيلد الألمانية، التي ارتبط اسمها خلال العقود الماضية بالكشف عن فضائح سياسية واجتماعية عدة، والتي تتمتع بشعبية كبيرة هناك، فقد أصدرت مطلع سبتمبر الماضي في برلين وبراندنبورغ ملحقا مجانيا من 4 صفحات، يتضمن معلومات هامة للاجئين وأهم معالم العاصمة برلين، التي يجب على اللاجئين الجدد معرفتها، وإلى جانب خريطة معلمة بأهم العناوين احتوى الملحق على قاموس بأهم المفردات الألمانية وما يقابلها بالعربية. أصدرت الصحيفة، الصادرة عن دار شبرينغر للنشر، 40 ألف نسخة من هذا الملحق بمبادرة من رئيس تحريرها بيتر هوت، الذي يرى أن هذه المعلومات تعد الخطوة الأولى نحو اندماج اللاجئين في ألمانيا، وهو ربما ما يمكن قراءته من عنوان الملحق «مرحبا بكم في ألمانيا». من أجل ألا تقتصر البرامج والنشرات المقدمة للاجئين بالعربية على الكبار فقط، فقد عمدت قناة «غرب ألمانيا» المحلية إلى ترجمة حلقات من برنامج «الفأر والفيل» الكرتوني الشهير بين أطفال ألمانيا، كي يكون الطريق ممهدا لاندماج أطفال اللاجئين في الثقافة وأسلوب الحياة الألمانيين. البرنامج يقدم موضوعات مرتبطة بالحياة اليومية في ألمانيا، التي يعرفها كل طفل بغض النظر عن الثقافة التي ينحدر منها، إذ توضح مشاهد الفأر والفيل كيفية عبور الشارع بطريقة صحيحة أو صعود السيارات. كذلك انتشرت صفحات معلوماتية خاصة باللاجئين الجدد وتسلط الضوء على الجوانب القانونية للاجئين، ثم تتعدى ذلك إلى جوانب مهمة من حياتهم بعد النظر في طلباتهم، حيث توضح إحدى الصفحات سبل البحث عن السكن في ألمانيا ومن ثم شروط العمل والدراسة سواء في مراكز تأهيل مهني أو في الجامعات بالنسبة للذين يودون التقدم في تخصصاتهم العلمية والمهنية، وإضافة إلى هذه المواضيع الخدمية تقدم الصفحات على مدار الساعة الأخبار المتعلقة بأزمة اللاجئين والجدل الذي يدور في ألمانيا حولها. وأطلقت القناة الأولى للتلفزيون الألماني أيضا صفحة مشابهة، وفُتحت للمترجمين الملمين بالعربية فرص جديدة، بعد أن كان عملهم يقتصر على ترجمة الوثائق والنشرات التوضيحية في المقام الأول، كما أن حاجة السلطات الألمانية للتفاهم مع اللاجئين الجدد الذين لا يتقنون الألمانية أو الإنجليزية، جعلت من المترجمين الفوريين بين العربية والألمانية عملة نادرة.