فما بين الحياء والكبرياء، أحب الشيخ مصطفى عبد الرازق، مي زيادة، وهو المفكر والأديب المصري، والعالم بأصول الدين والفقه الإسلامى والشيخ الحادي والثلاثون للأزهر عام 1945 وذلك بعد شغره لمنصب وززيرا للأوقاف ثمان مرات، و اعتبره المؤرخون مجدد الفلسفة الإسلامية في العصر الحديث، وصاحب أول تاريخ لها بالعربية، ومؤسس "المدرسة الفلسفية العربية". وقف شيخ الأزهر مصطفى عبد الرازق حائرًا في حب مي زيادة، تلك الأديبة الفلسطينية التي انتقلت إلى لبنان ومن ثم إلى مصر، وكانت تنشر مقالاتها بعدة صحف مثل "المحروسة" والمقطم" وغيرها ومن أشهر مؤلفاتها "دموع وابتسامات، وظلمات وأشعة، أحبها أغلب رواد صالونها الأدبي، وبذلوا ما في وسعهم لنيل وصالها، فتارة يحبها الشيخ مصطفى عبد الرازق في صمت وحياء ولم يعبّر عن حبه بالكلمة المسموعة، وأخرى يخرج فيها عن صمته ويعبر عن حبه بالكلمة المكتوبة عبر بعض الرسائل التي كان يرسلها إلى مي، وبلغت ثلاث رسائل، إحداهاأرسلها من باريس والأخريان من ألمانيا. بالإضافة إلى تلك الزيارات التي كان يحرص عليها في صالون مي زيادة يوم الثلاثاء من كل أسبوع، فقال عن صالوناتها « أديبة جيل، كتبت في الجرائد والمجلات، وألفت الكتب والرسائل، وألقت الخطب والمحاضرات، وجاش صدرها بالشعر أحيانًا، وكانت نصيرة ممتازة للأدب تعقد للأدباء في دارها مجلسًا أسبوعيًا، لا لغو فيه ولا تأثيم، ولكن حديث مفيد وسمر حلو وحوار تتبادل فيه الآراء في غير جدل ولا مراء». ولم يكتف الشيخ في عشقه بحضور حلقات الصالون الأدبي فحسب، بل كانت رسائله إلى مي تعبر تعبيرًا ملحوظًا عن عاطفته المتأججة، التي بلغت من الشوق والعشق مبلغًا عظيمًا نزع به إلى استعاده ذكرياته الخوالي، ليحيله العشق إلى أيام الشباب الباكر، فيقول في رسالة له أرسلها إلى مي وهو في باريس: «وإني أحب باريس، إن فيها شبابي وأملي، ومع ذلك فإني أتعجل العودة إلى القاهرة، يظهر أن في القاهرة ما هو أحب إليَّ من الشباب والأمل». ولم يكن من الغريب على الشيخ مصطفى عبد الرازق أن يقع في الحب وهو منفتح على الاستماع إلى أسياد الطرب وأرباب النغم، حيث كان يحرص على حضور حفلات أم كلثوم، وكان يلتقي بها كثيرًا في بيتها ومعهم كوكبة من المشتغلين بالفن والغناء. وقد كانت مسيرة الشيخ مصطفى عبد الرازق تعزيزًا لقيم الاعتدال والانفتاح، والتفاعل مع سائر المجلات المختلفة التي تمت للفن والجمال بصلة، فاسترسل مع طبيعته، ولم يكن منفصلًا يومًا عن العالم المحيط به، فأحب كما العاشقين، وكان ويطرب بكل جميل، فقد جمع بين سلاحين في مواجهة التشدد والتطرف الفكري، سلاح الدين وسلاح الفن المقتن الذي يتبنى رسالة هادفة وواضحة.