منذ اللحظة الأولى لإعلان قانون الخدمة المدنية وهو مصدر للرفض والاعتراض، صادف انشغال الرأي العام بسلسلة من الأحداث السياسية من أزمة الأمطار بالإسكندرية والبحيرة التي أغرقت مئات المنازل، وأسقطت قتلى وجرحى وشردت المئات من المواطنين، لحادث سقوط الطائرة الروسية الذي هدد قطاع السياحة في مصر، وأثر على مئات الآلاف من العاملين به، لاستمرار اضطراب سوق النقد والارتفاع المضطرد في الأسعار. ورغم مطالبة بعض القوى السياسية بتأجيل لائحة قانون الخدمة المدنية لحين عرضها على البرلمان المقرر انعقاده الشهر القادم، إلا أن حكومة المهندس شريف إسماعيل فاجأت الشعب وملايين العاملين بالجهاز الإداري للدولة نهاية الأسبوع الماضي بإصدار اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية رقم 18 لسنة 2015. وبهذا تكون الحكومة قد نقضت عهدها ووعودها بأن تفتح حوارًا مجتمعيًّا مع القوى السياسية والاجتماعية الفاعلة حول هذه اللائحة قبل إصدارها، وأن تأخذ في اعتبارها ما أثارته النقابات والأحزاب والعديد من الخبراء من ملاحظات وتحفظات على القانون، لتعود إلى أسلوب المباغتة وغياب الشفافية في تثبيت الأمر الواقع. ورغم تجاهل الحكومة، إلا أن هناك مجموعة من الأسباب أدت للاعتراض علي هذا القانون، بداية من إقراره، مرورًا باللائحة التنفيذية له، وصولاً إلى تنفيذه، ومنها: 1- استثناء بعض الجهات من تطبيق القانون جاء قرار رئيس الجمهورية رقم 188 لسنة 2015 المنشور بالجريدة الرسمية في العدد الصادر يوم 7 مايو 2015، والذي استخدم فيه رئيس الجمهورية الحق الذي أعطي له في المادة 21 من القانون باستثناء بعض الجهات ذات الطبيعة الخاصة التي لا تسري عليها أحكام المادتين 19، 20، وجاء في م1 من القانون 188 "تعتبر رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء من الجهات ذات الطبيعة الخاصة، ولا تسري على وظائف الإدارة العليا والتنفيذية بهما أحكام المادتين (19 ،20) من قانون الخدمة المدنية المشار إليه"، حيث استمرت حالة الغموض حول من يخضع من الجهات الحكومية للقانون ومن يستثنى من أحكامه، رغم ما في ذلك من غياب للشفافية وتمييز في المعاملة بين العاملين في الوحدات الإدارية للدولة وهيئاتها العامة. 2- سوء استخدام السلطة التشريعية عدم جواز قيام رئيس الجمهورية، رغم ما له من سلطة تشريع استثنائية، بإصدار قانون الخدمة المدنية قبل تشكيل البرلمان بأشهر قليلة، خاصة وأنه تشريع لا تتوافر فيه شروط الضرورة أو الاستعجال، كما أنه من التشريعات الأساسية في البناء الاقتصادي والاجتماعي للدولة؛ مما يلزم صدوره عن مجلس تشريعي منتخب. 3- تعارضه مع بعض القوانين اقترحتوزارة التضامن الاجتماعي، مشروعًا بقانون لتعديل قانون التأمين الاجتماعي، ليتواكب مع قانون الخدمة المدنية، وذكرت غادة والي، وزيرة التضامن، فى بيان لها، أن التعديل يقترح «استمرار التعامل بالأجر الأساسي والأجر المتغير للمؤمن عليهم غير الخاضعين لقانون الخدمة المدنية». وتابعت «بالنسبة للمؤمن عليهم الخاضعين لقانون الخدمة المدنية رقم 18 لسنة 2015، يتحدد أجر الاشتراك الأساسي لهم، وفق الأجر الأساسي فى 30/6/2015 بالنسبة للمؤمن عليهم الموجودين بالخدمة فى هذا التاريخ». وجاء الاعتراض على إحالة كافة الأمور الجوهرية إلى اللائحة التنفيذية، بما يعطي الحكومة السلطة المطلقة في تعديل الأحكام الموضوعية للقانون وآليات وضوابط تطبيقه والتحكم في حياة ملايين العاملين في القطاع الحكومي دون رقابة من البرلمان. كما أن تطبيق القانونبدءًا من يوم التالي على صدوره، أي من يوم 13 مارس الماضي، قبل صدور لائحته التنفيذية وقبل وضع الآليات وتشكيل اللجان وتدريب أعضائها واتخاذ الإجراءات الكفيلة بتفعيل القانون وتطبيقه بالعدل والمساواة، ينذر بفوضى في الجهاز المدني للدولة. 4- عدم تصدي اللائحة لمواجهة مخاوف العاملين بالدولة لم تتصدَّ اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية لبعض المخاوف من الأثر الإجمالي للقانون على أجورهم السنوية بشكل واضح وبما يحفظ حقوق العاملين، في ظل قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1822 لسنة 2015 المنشور بالجريدة الرسمية العدد 27 مكرر في 6 يوليو 2015. وجاء في مادته الأولي "يزاد الأجر المكمل المستحق للموظفين المخاطبين بأحكام قانون الخدمة المدنية الصادر بالقانون 18 لسنة 2015 عن شهر يوليو 2015 بمقدار الفرق بين الأجر المحتفظ به طبقًا للمادة 68 من هذا القانون وإجمالي الأجر المستحق وفقًا لأحكامه، بعد استبعاد قيمة العلاوة الدورية المنصوص عليها في م 36 منه؛ نتيجة زيادة الأعباء الضريبية أو غيرها من الأعباء المالية المترتبة على هذا القانون". كما أكد وزير المالية على الفكرة نفسها، فجاء "أكد هاني قدري دميان – وزير المالية – في بيان له أنه لن يتضرر أي موظف من تطبيق قانون الخدمة المدنية، مشيرًا إلى أن الخزانة العامة ستغطي أي فروقات ناتجة عن زيادة قيمة ضريبة المرتبات، بسبب تعديل الأجور الأساسية والمتغيرة وتحولها إلى أجر وظيفي، وآخر مكمل فى ظل القانون الجديد". 5- إعطاء سلطات واسعة للمدير المباشر من بين البنود التي أثارت حالة من الجدل في اللائحة التنفيذية للقانون إعطاء سلطات واسعة للمدير المباشر، حيث تتم الترقية وتحديد العلاوات والحوافز بناء على تقرير من الرئيس المباشر، دون وضع ضمان للحياد أو المعايير التي يتم من خلالها تحديد قواعد وشروط العلاوات.