أصبحت فلسطين دولة مراقبة في الأممالمتحدة، وعلى إثر ذلك احتفل الفلسطينيون في رام الله وغزة بهذا النجاح الدبلوماسي، خاصة وأنه جاء في وقت عارضت الولاياتالمتحدة وإسرائيل القرار محذرين من تداعياته، لكن يعتبر التصويت بالنسبة للشعب الفلسطيني انتصارا للسلام والحرية والشرعية الدولية، وبرغم أنه لن يغير من حقيقة الاحتلال الإسرائيلي للأرض، إلا أنه سيتم النظر من قبل الأممالمتحدة والمجتمع الدولي إلى الاحتلال على أنه احتلال لدولة من قبل دولة أخرى عضو في الأممالمتحدة مما سيخلق ديناميكية سياسية وخطابا سياسيا مختلفين بين تل أبيب وباقي الدول الأعضاء، كما أنه سيعزز قدرة القيادة الفلسطينية على إلزام إسرائيل بتحمل مسؤولياتها وواجباتها كقوة احتلال باستخدام أدوات وآليات دولية قانونية جديدة تصبح متوفرة أمام فلسطين. اعتبر مراقبون أن هذه الخطوة قد تعزز الاعتراف بوضع فلسطين السياسي في المنابر الدولية وتؤهلها لمواجهة ممارسات الاحتلال الإسرائيلي غير القانونية بشكل أفضل، ويساعد في ترسيخ الإجماع الدولي المتزايد حول حل الدولتين، ومثلت هذه الخطوة الكثير من الإنجازات، أولها إنهاء الجدل حول وجود دولة فلسطين كشخصية قانونية دولية، مما يساعد في توسع إطار حقوق المشاركة بأعمال ومداولات الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي فتح المجال أمام عضوية فلسطين في هيئات ومنظمات دولية أخرى، والتي تكون عضويتها مقتصرة على الدول فقط، مثل منظمة الصحة العالمية والمحكمة الجنائية الدولية، فضلا عن فتح الباب أمام إمكانية أن تصبح فلسطين طرفا في العديد من المعاهدات المقتصرة المشاركة فيها على الدول الأعضاء، كما أكد المحللون على أن رفع تمثيل صفة فلسطين في الأممالمتحدة، من الممكن أن يوفر مجموعة من الفرص والتحديات، أولها، احتمال أن تشجع هذه الخطوة عددا أكبر من الدول لتعترف بشكل ثنائي بفلسطين، وهو ماحدث بالفعل في أعقاب هذا الإجراء من السويد والبرلمان البريطاني، كما تدعم وتعلي هذه الخطوة حقوق وتطلعات الشعب الفلسطيني، مثل حق تقرير المصير وحق ممارسته بموجب أحكام القانون الدولي، والحق في السيادة والاستقلال، وغيرها، كما سيكون باستطاعة فلسطين أن تصادق وتنضم إلى بعض الاتفاقيات الدولية لتعزيز قدرة فلسطين على المناصرة والدفاع عن حقوق شعبها. وفيما يتعلق بحل قضية أهلية فلسطين للانضمام للمعاهدات الدولية مثل معاهدة جنيف الرابعة، يقول كبير المفاوضين الفلسطينيين الدكتور صائب عريقات، إن رفع صفة وتمثيل فلسطين إلى دولة سيمكنها من أن تصبح طرفا في قضايا ينظر فيها من قبل محكمة العدل الدولية، وثانيها، أن القانون الدولي ونظام الأممالمتحدة سيحصر أغلب التأثيرات الناجمة عن رفع صفة فلسطين بالجمعية العامة للأمم المتحدة في سياق العلاقات متعددة الأطراف وتحديدا ضمن منظومة الأممالمتحدة، إلا أن تأثيرها سيشمل أيضا ما يتعلق بقدرات فلسطين داخل أروقة الأممالمتحدة، وفي المقام الأول سيتم النظر إلى فلسطين على أنها أرض ذات سيادة محتلة من قبل دولة أخرى عضو في الأممالمتحدة، مما سيمكنها من المصادقة والانضمام إلى بعض المعاهدات والمواثيق متعددة الأطراف والدخول في اتفاقيات ثنائية الأطراف، كما أن رفع صفة وتمثيل فلسطين سيمكنها من الانضمام فورا إلى عدد من هيئات الأممالمتحدة، تشمل وضع الأرض الفلسطينية كأرض محتلة. أمور أخرى أكثر صعوبة ترتبت على رفع صفة فلسطين في الأممالمتحدة، حيث من شأن هذه الخطوة أن تسهل البت بشكل قاطع في السؤال حول ما إذا كانت فلسطين دولة أم لا؟، ومن ثم يمتد ليشمل نظام الأممالمتحدة بأكمله بما في ذلك وكالات الأممالمتحدة والمعاهدات الدولية، مع هذا، فإن رفع صفة فلسطين لن يؤثر على قدراتها في نظام الأممالمتحدة، على سبيل المثال، لن تتمتع دولة فلسطين بالحق في التصويت بهيئات الأممالمتحدة الرئيسية، بما في ذلك بالجمعية العامة، ولن يسمح بانتخابها لمناصب أو أن تتولى مناصب في هذه الهيئات، حتى مع رفع التمثيل والصفة، ويتوجب على فلسطين التقدم بطلب العضوية في الوكالات ال16 المخصصة التابعة للأمم المتحدة، على سبيل المثال يمكن قبول عضوية فلسطين في منظمة الصحة العالمية عند إقرار طلب العضوية بأغلبية بسيطة من أصوات الهيئة العامة للمنظمة، أما منظمة العمل فتتطلب موافقة ثلثي المندوبين بما في ذلك ثلثي أصوات المندوبين الحكوميين من أجل الموافقة على انضمام دول جديدة. وفي هذا السياق؛ قال الدكتور أيمن الرقب، القيادي بحركة فتح وأستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، إن قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة في 29 نوفمبر عام 2012 قرار مهم للقضية الفلسطينية والدبلوماسية العربية، بعد صدمنا الفيتو الأمريكي بمجلس الأمن الخاص بترسيم حدود الدولة الفلسطينية والجدول الزمني لانسحاب الاحتلال من أرض الدولة الفلسطينية، معتبرا هذا القرار بداية لإحقاق الحقوق الفلسطينية وتعديلا للخطأ التاريخي الذي وقع بحق الشعب في عام 1947 من خلال قرار التقسيم، ووعد بلفور عام 1917 بنفس الشهر، وأكد أن الفلسطينيين تفاءلوا خيرا بأن شهر النكبات على فلسطين قد يتحول لشهر خير، لكن في غضون السنوات الثلاث الماضية بعد هذا القرار زاد الأمر تعقيدا، وأغلق أفق المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، وزادت المنطقة العربية لهيبا، وأصبحت القضية الفلسطينية في المرتبة الرابعة دوليا وعربيا، حتى حدث الحراك الشبابي الفلسطيني اللافت من جديد، الذي فتح أفقا للحراك الدولي لإنقاذ المنطقة من التحريض وبث الإرهاب الذي يمارسه الاحتلال. وأكد الرقب، أنه من المنتظر أن يتحرك العالم بسرعة حتى لا يتحول الصراع العربي الإسرائيلي لصراع ديني يحرق المنطقة برمتها، وعلى العالم إن أرد محاربة داعش أن يجفف مصادر الإرهاب أولا وقبل كل شيء، من خلال إنهاء إرهاب الاحتلال، مضيفا أن الكيان الصهيوني تم الإعلان عنه على أساس ديني، ورفع الكثير من قادة الحركة الصهيونية شعارت دينية لجذب يهود العالم لبناء دولة دينية على أرض فلسطين وبناء هيكلهم المزعوم بدلا من المسجد الأقصى، وبخلاف جلب اليهود المتدينيين معهم، سعوا لجذب جماعة مارتن لوثر (البروتستانت) والتي أصبح يطلق عليها المسيحية الصهيونية لاعتقادهم المشابه بضرورة بناء اليهود هيكلهم حتى ينزل النبي عيسى للأرض، ولذلك نجد هذا الصراع اليومي الذي يقوم به المتشددون من خلال الاقتحامات المتتالية للأقصى واستغلال ما يحدث في المنطقة العربية للتفرد بالشعب الفلسطيني وبناء هيكلهم، والأخطر أن حكومة الاحتلال خلال العشرة أعوام الماضية سعت وسهلت زيادة عدد المتشددين اليهود بالقدس، فأصبح عددهم في المدينة 37%، بعد أن كانوا 25%، وكأنهم يؤسسون لهذا الصراع منذ فترة، مضيفا أن الأخطر أن العالم عبر قرار التقسيم علق قيام دولة يهودية بجوار دولة عربية، وهو بذلك يسمح ببناء دولة دينية رغم أن العالم حارب الدولة الدينية المسيحية والإسلامية، متسائلا حول ما يظهر بالأفق الآن من مواقف دولية على استحياء حول نية الاعتراف بالدولة الإسلامية، وعلانية بالدولة اليهودية، أم هو تأسيس للصراع الديني حتى يتمكن المتشددون اليهود "الحريديم" من هدم الأقصى وبناء هيكلهم، مؤكدا أن هذا الأمر سيفجر صراعا دينيا يبدأ من القدس ولا يعلم أحد أي أين سينتهي. وفيما يتعلق بالتحركات الحالية للدبلوماسية الفلسطينية، أكد دكتور جهاد الحرازين، أستاذ العلوم السياسية، إن المعركة الدبلوماسية التى تخوضها القيادة الفلسطينية فى كافة المحافل الدولية جاءت للحصول على الحقوق الفلسطينية المشروعة والمتمثلة في إقامة الدولة المستقلة بعاصمتها القدس الشريف، وإنهاء هذا الاحتلال الغاشم الذى يعد أطول احتلال عرفه التاريخ، مضيفا أن القيادة الفلسطينية لجأت إلى المؤسسات والمنظمات الدولية للمطالبة بحقوق الشعب الفلسطينى وتطبيق الاتفاقيات الدولية التى تحفظ الحقوق والحريات وتنظم العلاقة بين الدول في كافة الأوقات، خاصة وأن هناك قرارات دولية صدرت عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن ومجلس حقوق الإنسان تتعلق بالصراع الدائر فى المنطقة بين الفلسطينين والاحتلال الصهيوني، الأمر الذي دفع القيادة إلى تغيير أوراق اللعبة، لاسيما وأنه لا يوجد هناك توازن في القوى بين الشعب الفلسطينى الأعزل والاحتلال المدجج بأعتى الأسلحة المتطورة، لذلك عملت القيادة من خلال الجهد الدبلوماسي بالأممالمتحدة في كسب المعركة الأولى والمتمثلة في الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية المستقلة بصفة مراقب في الأممالمتحدة بتصويت أكثر من 138 دولة من المجموعة الدولية، ثم تلت ذلك الاعترافات المتتالية من قبل برلمانات دول الاتحاد الأوروبى في تطور سريع، جعل الاحتلال يواجه تهديدات حقيقية بالتعرض للعزلة الدولية بعدما بدأ قناع الزيف والخداع يسقط عن هذه الدولة المجرمة، واستمر هذا الجهد الدبلوماسي حتى تم إقرار رفع العلم الفلسطيني أمام مبنى الأممالمتحدة في سابقة تعد الأولى من نوعها بتاريخ الجمعية العامة، حيث تم رفع علم دولة بصفة مراقب بجانب أعلام الدول كاملة العضوية بالأممالمتحدة، ورغم اعتراض دولة الاحتلال وحلفائها إلا أن الدبلوماسية الفلسطينية سجلت وحققت انتصارا جديدا على الاحتلال، وبالإضافة إلى ذلك هناك توجه لدى القيادة الفلسطينية للانضمام إلى مزيد من الاتفاقيات الدولية التى تعزز التواجد الفلسطيني على المستوى الدولي، فضلا عن ما شهدته الفترة الأخيرة من نشاط وتحرك دبلوماسي كبير تمثل في لقاءات مع مجلس حقوق الإنسان الدولي وإلقاء الرئيس محمود عباس كلمة فيه، والالتقاء بالمدعية العامة لمحكمة الجنايات الدولية، وتزويدها بملفات توثق الجرائم التى يرتكبها الاحتلال بحق الشعب الفلسطينى. وأكد الحرازين، أن هذا التحرك الدبلوماسي مستمر، خاصة بعد أن تم إحياء دور اللجنة الرباعية بنيويورك ثم في فيينا، بما يعني أن القضية الفلسطينية أصبحت حاضرة في المشهد الدولي، رغم وجود العديد من القضايا الأخرى الكبيرة التى كادت أن تطغى عليها، إلا أن الهبّة الجماهيرية التى قادها الشباب الفلسطيني الثائر استطاعت أن تعيد القضية إلى صدارة الاهتمامات الدولية، مضيفا: أعتقد أن التحرك الدولي الآن يأتي في سياق إعادة الحقوق الفلسطينية، ضمن إطار مكمل للهبّة الجماهيرية التي انطلقت قبل أسابيع، وهي حلقة فى سلسلة النضال الفلسطيني الهادف إلى تحقيق الحرية والانتصار.