في يوم الخميس 10 فبراير 2011 خرجت من الميدان مع بعض أصدقائي لإحدى المقاهي بوسط البلد حتى نتمكن من سماع خطاب التنحي كما شاع يومها، وكان موضوع التنحي ومدى توقع حدوثه من عدمه هو الغالب على الحوارات جميعها، وأثناء ذلك صدمتني جملة عابرة قالها أحد أصدقائي السياسيين في غمرة انفعاله كانت هي:”إن شالله يسلم للعسكر بس يغور” فجعتني الجملة وزاد من شعوري بالفاجعة موافقة عدد من الجالسين على المنطق نفسه فرددت بدوري:” دي مصيبة لو ده كلام ناس زيكو يبقى ده ممكن يكون منطق ناس كتير في الميدان، ربنا يستر”. وستر ربنا ولم يتنح مبارك يومها، وفي حين كانت الغالبية محبطة كنت سعيدا لا لبقائه بالطبع إنما لوجود فرصة لمحاولة إعادة الهدف الذي أصبح “الشعب يريد إسقاط الرئيس” إلى الهدف الأساس “الشعب يريد إسقاط النظام. لكن خطة احتواء الثورة كانت أسبق من طموحاتي، خرج المخلوع ونفذ دوره في المؤامرة و”تخلى” لوزير دفاعه ومجلسه العسكري عن الحكم بناء على اتفاقات تبين الكثير جدا من بنودها وملامحها حتى الآن، ولم يغب عن الاتفاق بالطبع كل الانتهازيون الذين ضمنوا نصيبهم من صفقة النظام في ثوبه الجديد، وما بين دخول الإخوان ومن بعدهم الإسلاميون بدءا من الاستفتاء ووصولا لانتخابات مزورة باسم الشريعة الإسلامية والشرعية البرلمانية، ثم من بعد الإسلاميين جاءت المناصب الوزارية لأحزاب الوفد والتجمع باعتبارهما الحزبين الأقدم لتكون الحزمة ضامة للمتاح من التيارات الموجودة في الشارع. وبالمبالغة في مديح بعض العناصر المشهورة من شباب الثورة وتحجيمهم، وضخ عشرات الائتلافات المزيفة في الوقت نفسه، ثم ادعاءات – ثبت كذبها جميعا – بالانحياز للثورة، وتعيين شرف رئيس وزراء (الحزب الوطني) وإيهام الشعب بأنه خرج من الميدان، وباستفتاء استهدف تحالف “الإسلام العسكري” أو “العسكر الإسلامي” من ورائه إلى ميلاد شرعية جديدة لتتمم اغتيال الشرعية الثورية وبالتالي أصبح اغتيال البقية المتبقية من الثوار أمر سهل. لكن ربنا ستر كما يسترها دائما مع الثورة ويفضح أعداءها، انكشف رداء “الملك العريان” تدريجيا لمن كان يكابر أو يغالط نفسه، وقام مجلس مبارك العسكري بواسطة رجال الجيش المؤتمرين بأمره بفعل ما فعله مبارك ووزراء داخليته من العادلي وحتى منصور العيسوي، بل أن جيش طنطاوي كان حريصا على إثبات جدارة وتفوق على شرطة العادلي ومن خلفه من تابعيه. ولذلك سقط العسكر، وسقطت شرعيته، وزاد السقوط تدريجيا بالرغم من كل المحاولات لإنقاذ شرعية في فراش موتها، سقط بالنسبة للبعض منذ نزوله في 28 يناير بأمر مبارك للسيطرة على الأوضاع ومساندة الشرطة في القضاء على الشغب، حيث استخدم الجيش العنف في البداية وهو ما نتج عنه احتراق بعض الدبابات والمدرعات، لكن النظام تدارك الأمر وقرر ادعاء تحييد الجيش لحصر الثورة في ميادين التحرير لسهولة ضربها كما حدث في موقعة البغال بمباركة الجيش وقيامه بتسهيل المرور للبلطجية من فوق البغال والجمال. وكثيرا ما سمعت في الميدان جمل عن عدم الأمان للعسكر من قبيل:”احنا بنثبتهم وهمه بيثبتونا” وذلك مع وجود عدد غير قليل أبدا كان لا يزال يصدق مقولات مثل:”الجيش حمى الثورة” “الجيش والشعب إيد واحدة” ...الخ. ازداد سقوط العسكر وسقوط شرعيته، بمجرد تخلي مبارك يوم الجمعة، وانصراف عدد كبير من الثوار ليشغل الميدان عدد أكبر من المحتفلين والأمن السري والحزب الوطني والشرطة العسكرية، وساعات وبدأ العنف الممارس مع الأبطال القابضين على الجمر في الميدان، هذا العنف كان كاشفا للبعض على الأقل من كانوا يقولون منذ أيام على المقهى:”إن شالله يسلم للعسكر بس يغور” حيث اتصل بي أحدهم ليخبرني بشجاعة أنه الآن يتفق معي فيما كنت أقول، وأننا سلمنا الميدان لنظام مبارك بمنتهى السذاجة. واستمر سقوط العسكر وسقوط شرعيته بفعل القتل والاعتقال والإعلام الرخيص، بفعل الكذب وهتك الأعراض وانتهاكات كل حقوق الإنسان، استمر السقوط بفعل الغباء والعمى والوضاعة، استمر السقوط بفعل وفضل التعلق بقشة المؤامرات الأمريكية الإسرائيلية، وكذلك بفضل تعلقهم بقشة الانتهازيين الذين باعوا الثورة والوطن والدين من أجل مصالحهم، ونسى النظام الوضيع أن الانتهازيين لا ولاء لهم ولا كلمة وأنهم سيكونوا أول من يديرون له ظهورهم قريبا جدا؛ ليعاودوا كذبهم وتباكيهم وادعاءاتهم بأنهم كانوا ولا يزالون وللأبد مع الثورة وضد النظام الذي عذبهم واعتقلهم ووو...الخ. سقط العسكر تماما بلا أمل ولا رجعة عندما هتك كل عرض شريف ذو كرامة في هذا البلد، ولا أبالغ إن قلت وفي كل أنحاء العالم، سقط العسكر سقوطا لا يداويه كذبهم ولا صمتهم ولا رشاواهم ولا غباءهم ولا سلاحهم، ولن يستطيع أن يداويه لهم حلفاؤهم في الخارج ولا في الداخل فلا أمريكا ولا إسرائيل ولا السعودية ولا الاخوان ولا السلفيين ولا الوفد ولا التجمع ...الخ لن يستطيع أيا منهم منع العسكر من السقوط فقد سقطوا بالفعل، وما بقائهم في السلطة الآن إلا بقاء بلا شرعية، مستخدمين لكل المهدئات المتاحة حتى إعلان ميلاد مسخ الشرعية البرلمانية المزورة، وما أشبه اليوم بالبارحة، لكن ربنا ستر وجعل من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا و أغشاهم فهم لا يبصرون. 11/01/2012